في «15 فبراير 1999م» كان طارق عزيز نائب رئيس وزراء العراق مجتمعاً مع رئيس الوزراء التركي «بولند أجاويد» في مقر الحكومة في أنقرة عندما دخل أحد مساعدي أجاويد قاعة الاجتماعات وسلمه ورقة مطوية فسارع وفتحها. فرح فرحاً ظهر في وجهه وهو يقرأ الرسالة على الرغم من أنه كان يناقش مع طارق عزيز مواضيع هامة وخطيرة تتعلق بقاعدة «انشرليك» العسكرية التي تستخدمها المقاتلات الأمريكية المكلفة بمراقبة منطقة الحظر الجوي في شمال العراق.. كانت الورقة التي قرأها أجاويد وأدخلت السرور إلى قلبه. تفيد نبأ اعتقال عبد الله أوجلان وخطفه من كينيا. لقد تأكد أجاويد أنه الرجل سعيد الحظ بين رؤساء الحكومات التركية منذ الثمانينيات، لأن اسمه سوف يرتبط باعتقال العدو رقم واحد لتركيا أكثر من ارتباطه من قبل في عملية اجتياح الشطر التركي من قبل قبرص عام «1974م». من هو عبد الله أوجلان؟ عبد الله أوجلان هو زعيم المعارضة الذي يعرف حركياً باسم «أبو» وهي كلمة تعني الخال باللغة الكردية. يبلغ أوجلان من العمر «50» عاماً درس الاقتصاد والعلوم السياسية في تركيا، وفي اوآخر نوفمبر من عام «1978م» أسس مع عدد من زملائه الطلاب حزب العمال الكردستاني وأصبح زعيماً له، وذلك على انقاض الجيش الوطني الذي كان قد أسسه قبل ذلك بعدة أشهر. ولد عبد الله أوجلان في عام «1949م» لعائلة تعمل بالزراعة في قرية «عمرلي» قرب الحدود التركية السورية، وبسبب نشاطه الثوري وندواته السياسية اعتقل لأول مرة عام «1972م» وقبل الانقلاب العسكري في تركيا عام «1980م» هرب أوجلان إلى الخارج حيث أقام في المنفى منذ ذلك الوقت. فكان يتردد في دمشق ومرات أخرى في معسكر لاتباعه في البقاع اللبناني وقد تعرضت لبنان لضغوط شديدة من تركيا إلى أن اُغلق المعسكر عام «1992م». ٭ اعتمد أوجلان الكفاح المسلح لتحقيق أهدافه منذ أن أسس خلايا حزبه العسكرية وأصبح لديه رجال أكراد مدربون على الأنشطة العسكرية، وذلك بهدف تشكيل الهوية الكردية التي قُمعت قروناً طويلة على يد الأتراك. وفيما اعتبره أكراد أتراك بطلاً وزعيماً أسطورياً، إلا أن أنقرة اعتبرته دموياً إرهابياً، وعملت على التخلص منه وتصفيته مهما كان الثمن. ٭ بدأ أوجلان نشاطه الثوري المسلح بمهاجمة القرى الكردية المتعاونة مع الأتراك، وقتل معلمي اللغة التركية في مدارس هذه القرى، ثم تدرج نشاطه الثوري ليشمل بقية المنطقة الكردية في تركيا ليصل به النجاح إلى منطقة كردية محررة لا يجرؤ الجيش التركي على اقتحامها وكانت الهيمنة على هذه المناطق ليلاً لصالح أوجلان ونهاراً للأتراك، وأمام هذا الكابوس المزعج، كانت انقرة ترد بقوة نيران عسكرية شرسة، اعتمدت في ذلك أسلوب الأرض المحروقة لتحجيم حركات قوات أوجلان وإفقادها القوة والقدرة على التحرك، وأصبح أوجلان لغزاً مربكاً. فقد استطاع من خلال مخابئه المتعددة خارج تركيا أن يتمكن من قيادة بضعة آلاف من الثوريين الأكراد بنظام جديد وتخطيط عسكري مدهش كما نجح في إثارة حماس الشباب والشعب الكردي الذي تحرك بالآلاف للانضمام إلى حركته، بل والاستعداد للتضحية بحياتهم فداءً للقضية الكردية.. وفي مجتمع هو الأكثر تقليدية ومحافظة في الشرق الأوسط، كما استطاع أوجلان أن يكسب انضمام الألوف من الفتيات الكرديات إلى حزبه.. فتركن عائلاتهن وانخرطن في حرب العصابات. ٭ لقد أيقظ القضية الكردية من مهدها واحتاط أمنياً حتى يتجنب السقوط في قبضة الأتراك، واضعاً أمامه سيرة القادة الأكراد الذين سبقوه والذين وقعوا ضحايا الخيانة أو سقطوا في المصائد السياسية التي أودت بهم وبالقضية الكردية إلى غياهب النسيان. ففي أواسط القرن التاسع عشر وقع الملك غير المتوج لكردستان «بدير خان» ضحية أحد أحفاده ونفي إلى خارج البلاد.. وفي عام «1927م» اعتقل الزعيم الكردي «سيد رضا» زعيم الثورة الكردية في «درسيم» حيث جرى إعدامه شنقاً، أما الزعيم ا لكردي الإيراني «سيمكو» فقد اغتيل عام «1930م» بعد استدراجه إلى فخ محكم. وفي عام «1989م» استدرج زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني إلى فخ في فيينا نصبه له عملاء إيرانيون بحجة مناقشته، وتم قتله بعد ساعتين من مساعديه، وبعد ثلاث سنوات اغتيل خليفته «سعيد شرفقندي» في مطعم «مكونوس» وهي جزيرة يونانية في بحر إيجه، حيث وجهت المانيا الاتهام إلى السلطة الإيرانية ومن بينهم وزير الاستخبارات «علي فلاحيان» وفي أعقاب اتفاق الجزائر بين شاه إيران وصدام حسين رحمه الله في عام «1975» تحول المُلا مصطفى البرزاني إلى ضحية الشاه، عندما تخلى عنه بعد توقيع الاتفاقية فسحقت القوات العراقية الأكراد في الشمال وسوت بقراهم الأرض مما اضطر مئات الآلاف منهم إلى الهرب إلى إيران. ٭ جزيرة ميكونوس«MykonoS» هي جزيرة يونانية في بحر إيجه مساحتها ما يقرب «40» كيلو متراً مربعاً، جمالها الأخاذ حمل عدداً من الأدباء والفنانين على اتخاذ مساكن لهم في هذه الجزيرة، لروعتها وهدوئها وجمالها الخلاب واعتدال طقسها مع نسيمه البارد، ومن أشهر هؤلاء الكاتبة الفرنسية «فرانسوا ساجان» والأديب «كلانفيل هيكس» والمثير للدهشة أن هذه الجزيرة مع صغر مساحتها تضم نحو «365» كنيسة حيث زعمت الأقاويل أن المحاربين اليونانيين القدماء كانوا كلما شنوا حرباً قدموا نذراً ببناء كنيسة إذا ما عادوا منتصرين. هجرة الأكراد إلى جنوبالعراق: بعد وقف إطلاق النار في حرب الخليج الأولى عام «1989م» أوقف الخميني دعمه لأكراد العراق، فضربهم صدام بالأسلحة الثقيلة ويزعم البعض أنه ضربهم بالأسلحة الكيماوية في «حلبجه» وغيرها وأجبر الآلاف منهم على الهجرة إلى جنوبالعراق.