أبرزت الصحف الصادرة يوم الخميس المنصرم خطوطاً عريضة لخبر فحواه أن الأستاذ فاروق أبو عيسى ذكر في مؤتمر صحفي أن الأستاذ علي عثمان قد زاره في منزله وذكرت بعض الصحف أن الزيارة استغرقت أكثر من ساعة وتحدث أبو عيسى عما دار في اللقاء ولم يركز على المتون فقط ولكنه خاض في الحواشي التي تدخل في لزوم ما لا يلزم رغم «أن المجالس بالأمانات» مثل قوله إن علي عثمان أخبره بأنه وآخرون ما زالوا يمارسون مهامهم السلطوية ويمسكون بملفات هامة. وتحدث المضيف عن شروطهم التي إذا تمت الموافقة عليها فإنه يمكن أن يشاركوا في الحوار ورد عليه ضيفه بأن هذا يعني تصفية النظام ولكنهم تركوا باب الحوار موارباً. وفي اليوم التالي أصدر الأستاذ على عثمان توضيحاً ذكر فيه أن الزيارة كانت اجتماعية لتهنئة الأستاذ فاروق بالسلامة بعد عودته معافى من رحلة استشفاء بالخارج واستغرقت الزيارة خمسة وثلاثين دقيقة وتحدث مع مضيفه عن ضرورة الدخول في حوار بين تحالف أحزاب المعارضة وبين الحكومة وحزبها الحاكم . وبالطبع أن زيارة قصيرة كهذه يمكن أن تكون مدخلاً تمهيدياً لجلسات أخرى وحوارات ولكنها لا يمكن أن تكون جلسة حاسمة يصل فيها الطرفان لنتائج تعلن مخرجاتها على الملأ وتكون ملزمة للآخرين رغم أن التداول المقتضب مر كمر السحاب في لقاء مجاملة ودي قصير. وإذا وقفنا عند كفتي الميزان فإن كفة النظام الحاكم يبدو جلياً أنها هي الراجحة وفي الانتخابات التي أجريت في عام 2010م مهما كان رأي المعارضين فيها سيئاً فإن حزب المؤتمر الوطني فاز بموقع رئيس الجمهورية وفاز مرشحوه بمواقع الولاة في كل ولايات السودان وفاز الحزب بأغلبية مطلقة في المجلس الوطني وفاز أيضاً بأغلبية ساحقة في كل المجالس التشريعية في كل الولايات. وظل الحزب مسيطراً على المجالس التشريعية بالمحليات واستغل اللجان الشعبية القاعدية للتعبئة في مواسم الانتخابات أو عند الحاجة للحشود والاستقبالات. وسيطر الحزب بسياسة التمكين على النقابات والاتحادات التي أضحت طوع بنانه وقفازاً في يده. وأولى قطاع الطلاب اهتماماً كبيراً وصرف عليه أموالاً طائلة لئلا يخرج من طوعه وأولى كذلك قطاع الشباب اهتماماً كبيراً وفي الماضي كانوا يعملون متطوعين في فضول أوقاتهم بعد أداء أعمالهم وواجباتهم الرسمية في مهنهم المختلفة ولكن أعداداً كبيرة فرغت تماماً وانخرطت في منظمات بمسميات عديدة ومن مهامهم تثبيت النظام الذي سعى أيضاً لبسط هيمنته حتى على المناشط المجتمعية الأهلية في مجال الرياضة والفنون.. ألخ، وأن للنظام ميزانية تمكين ضخمة وله أموال طائلة من خلال شركاته واستثماراته وبيوت تمويله وأن بعض المعارضين نالوا حظهم من هذا المال تحت غطاءات مختلفة ومنهم من نال الكثير ومنهم من ظل يتناول الفتات ولذلك فإن أصغر شاب في التنظيم لا يحرك حديث أبو عيسى أو غيره عن إسقاط النظام شعرة في رأسه ولا يولونه ذرة من اهتمامهم. وأن الدورة الرئاسية والبرلمانية والولائية قد تبقى منها عام واحد فقط ولذلك فإنهم يبذلون قصارى جهدهم للفوز في الانتخابات القادمة بدورة تمتد بين عامي 2015م-2020م وأن القائمين على النظام يدركون قبل غيرهم أن الحماس للانتخابات سيكون فاتراً هذه المرة بعد أن لمسوا الضعف في الأداء البرلماني على المستويين الاتحادي والولائي والشد والجذب والصراعات في الولايات والمحليات وفي المرة السابقة أعلنت قيادة الحزب على المستوى الاتحادي أن قوائم المرشحين للولاة ولكل الدوائر التي يجيزها المركز ستكون نهائية وأن أي عضو لم يتم اختياره ليكون مرشحاً للحزب إذا لم يكن راضياً لعدم اختياره فإن رئاسة الحزب ستقدم له حبوب بندول يبلعها لتزيل صداعه، وأحسب أن الحزب في المرة القادمة هو الذي سيحتاج لتناول حبوب البندول لإزالة الصداع الذي ربما تحدثه المنافسات والصراعات الحادة في كل دائرة لاختيار مرشحها للمجلس الوطني أو المجالس التشريعية الولائية وأي إملاءات فوقية ستؤدي لخروج عن الحزب وسيحتدم الصراع حول أحقية الترشيح لمواقع الولاة، أما بالنسبة لاختيار المرشح لرئاسة الجمهورية فإن هذه المسألة المهمة لم تحسم لأن المؤتمر العام لحزب المؤتمر الوطني المنوط به اختيار رئيس الحزب ومرشحه لرئاسة الجمهورية للدورة القادمة لم يتم تكوينه حتى الآن وعند انعقاده بعد نصف عام سيحسم هذه المسألة ولكن على أقل تقدير فإن الشد والجذب والتجاذبات قد أوقفت. أما الكفة الأخرى من الميزان والمتمثلة في أحزاب المعارضة فهي في أضعف حالاتها وأن بعض أحزاب التحالف أعلنت أنها ستقاطع الانتخابات ولعل مرد ذلك إدراكها أنها لن تحصل ولو على دائرة جغرافية واحدة ولذلك فإنها تفضل أجواء المعارضة وما فيها من هرج ومرج حيث يعلو صوتها دون أن يتناسب ذلك مع حجمها ووزنها الحقيقي، والملاحظ أن لبعض هذه الأحزاب دورا ومكاتب ولكن رئاسة التحالف نفسها لا تملك داراً لأن دورها تنسيقي فقط ومهمتها الرئيسة هي إدارة الجلسات وتوزيع الفرص عند الحديث ولذلك فإنها ظلت متنقلة عند عقد اجتماعاتها بين أم درمان والمنشية وشمبات .. ألخ، وأن أحد هذه الأحزاب ربما يتحالف مع الحزب الحاكم أو على الأقل يهادنه وتخف المرارات بينهما وأن احد هذه الأحزاب يقدم رجلاً ويؤخر الأخرى في تعامله مع حزب المؤتمر وتارة يهادن ويلاطف وتارة يطلق تصريحات نارية مضادة والعقدة بينهما التي لم يتم حلها تتمثل في الرئاسة. أما أحزاب اليسار وغيرها من الأحزاب الصغيرة الأخرى فإن هدفها المعلن عبر الحناجر هو إسقاط النظام ولكن كيف يتم هذا الإسقاط وما هو بديلهم وبرنامجهم وكيفية إدارتهم للدولة في ظل سيطرة المؤتمر الوطني على كل أجهزتها ومن الواضح أن النظام الحاكم لا يخشى من تحالف المعارضة ولسان حالة يردد «أبشر بطول سلامة يا مربع»، وأن الجبهة الثورية وحركات التمرد بحرب عصاباتها هي التي تسبب له المضايقات وتحرشات القوى الأجنبية وحربها الاقتصادية الماثلة والمرتقبة هي التي تزعجه ولكن في كل الأحوال فإن الواقع يؤكد أن السلطة المطلقة مفسدة، ومن جانب آخر فإن على المعارضة المنادية بإسقاط النظام أن تكون واقعية إذ أن من لا يملك جناحين لا يستطيع الطيران، وكذلك فإن المعارضة المهيضة الجناج التي لا تستطيع إخراج مظاهرة قوامها مائتي شخص لن تستيطع إسقاط وحدة إدارية دعك من إسقاط نظام صعب المراس مرن على الصدام والمواجهات ويلبس لكل حالة لبوسها. وأن الأستاذ فاروق أبو عيسى رجل عام ويأتي الحديث عنه في هذا الإطار وهو من الشخصيات المثيرة للجدل التي سنقدم عنها وقفات توثيقية تفصيلية لمسيرتها الطويلة وهو الآن شيخ ثمانيني أطال الله عمره ومتعه بالصحة والعافية وكتب له حسن الخاتمة وحتى المختلفين معه فكرياً وسياسياً فإن ديننا الحنيف ومكارم الأخلاق تحضنا أن نتعامل مع من هو في مثل سنه باحترام رغم اختلاف الرأي، وقطعاً أن للرجل تجارب عديدة زاخرة وله قدرات ذاتية وهو الآن لا ينتمي تنظيمياً لأي حزب. ولكن يمكن بالتراضي أن يكون مفيداً بنيل عضوية المجلس الوطني القادم ليمثل على الأقل الرأي الآخر المطلوب سماعه في أي برلمان جاد. ونأمل أن يفضي الحوار بين النظام الحاكم والمعارضة لخطوات نحو التعافي الوطني «والعافية درجات» وقد يصل الطرفان لاتفاق باقتسام المواقع التنفيذية الوزارية وغيرها على المستوى الاتحادي والولائي بين الطرفين مع منح المعارضة ثلث مقاعد البرلمان على أقل تقدير وبالطبع إن صناديق الاقتراع هي التي تحسم الانتخابات، ولكن تقديراً لهذه الظروف الاستثنائية يمكن الوصول بالتراضي لاتفاقيات مرضية للطرفين، وقد أثبتت التجربة الماثلة أن السيطرة المطلقة تؤدي لوجود برلمان اتحادي وبرلمانات ولائية يستوي وجودها وعدمها. وأن جل الصراع الدائر الآن هو صراع حول السلطة والجاه وتبقى حقيقة يجب الوقوف عندها طويلاً وهي أن ملايين المواطنين لا يتطلعون لسلطة أو جاه ولكنهم فقط يتطلعون لحياة حرة كريمة ولو في حد الكفاف والعفاف، وينبغي على النظام الحاكم ألا تشغله المنافسات والصراعات السلطوية عن هموم المواطنين المعيشية اليومية.