دخلت الحكومة خلال الأيام الماضية فى ترتيبات عملية لعقد مؤتمر لقضايا الاعلام الشائكة والمعقدة جداً، ومن الواضح أن الغرض من المؤتمر هو البحث فى معالجات ومخارج لأزمة الاعلام السودانى التي ظلت تعاني منها الاجهزة الاعلامية لفترة طويلة، وعجزت كل المبادرات السابقة عن ايجاد الوصفة التى تتحقق بها وعبرها النهضة المرجوة للقطاع الاعلامي، فقد طال الانهيار وخصوصاً فى الاعوام الاخيرة الماضية اداء الأجهزة الرسمية على وجه الخصوص، ولم تعد الرسالة الإعلامية لهذه الأجهزة مؤثرة وذات عائد إيجابي فى مسيرة بناء الأمة التوعوية، بل تكاد تكون هذه الأجهزة معزولة تماماً من القضايا العامة، واصبح دورها باهتاً ولا ينتظر المواطن منها شيئاً يعود بالنفع للناس جميعاً فى هذا الوطن الكبير المترامى الاطراف الذى يعانى من اشكاليات كبيرة فى التواصل الثقافى بسبب غياب التواصل الفعال للاجهزة الاعلامية التى من صميم رسالتها ربط المجتمع السودانى بقيمه وموروثه الثقافى والاجتماعى، وهذا الغياب او الدور الضعيف للاعلام كان سبباً فى الحروب التى تعانى منها بعض اطراف البلاد حالياً، واليوم اذا اردنا ان نتحقق من هذه الآراء يمكن ببساطة أن نطرح استبياناً على عينة من افراد المجتمع الذى تأثر فى وقت ما برسالات الاذاعة والتلفزيون، ونطرح ذات الاستبيان على شرائح من الجيل الجديد المولود فى بدايات التسعينيات، وسنجد النتيجة متقاربة جداً ما بين هذه الفئات العمرية المتباينة والاجيال المختلفة فى رؤيتهم من المادة التى تقدمها هذه الاجهزة الاعلامية، ولذلك فإن المسألة ليست فى اختيارات الحكومة لعضوية المؤتمر انما هى فى مدى استطاعة هؤلاء النفر تشخيص حالة الاعلام السودانى، ووضع الحلول وقدرتهم على اقناع الحكومة بتطبيق مخرجات المؤتمر لانقاذ الموقف حتى لا يكون مصيرها شبيهاً بمصير مقررات مؤتمرات جديدة اجمع الكل على عدم جدواها.. هذه هى بصراحة أزمة الاعلام فى البلاد والحلول عند الحكومة التي تعرف تماما ان سياساتها لن تمكن الاعلام سواء اكان رسمياً او غير رسمى من ان يحقق رسالتها، لأن المناخ السائد مناخ غير صحى للرسالة الاعلامية التى تحتاج للشفافية وعدم وضع القيود على المعلومات، والامكانات المادية والبشرية، وكما قال امارتيا صن إن التنمية حرية، فلا اعلام حر بلا حرية ولا رسالة اعلامية ناضجة وفاعلة ايضا بلا حرية، ومن يخاف على نفسه من مكتسبات الرسالة الاعلامية الحرة فهو ايضا غير جدير بأن يتصدى لقيادة اعلام فى عالم اصبحت الحرية فى فضائه لا تحارب بالتكميم انما بالمبادلة المقنعة فى الطرح، وهذا كله لا يعنى اننا نسعى لتثبيط همة القائمين على امر المؤتمر، ولكنى قصدت ان اقول ان هناك وسائط متعددة فى صياغة الرسالة الإعلامية وتحديد كيفية بثها، والامر ليس كله فى يد وزارة الاعلام، وهذا اخطر المهددات امام نجاح المؤتمرات، ثم تأتي من بعد آثار الحصار الذى تتعرض له الحكومة الذى وقع اثره بصورة مباثرة على الاعلام فى كل اشكاله وصوره، والضرر اكبره وقع على القنوات الفضائية، وهناك عامل آخر تعانى منه الصحف والاذاعة وان كانت الافضل والتلفزيون، وهو ضعف فرص التدريب للعاملين بهذه المؤسسات، حيث تكاد فرص التدريب تكون معدومة احيانا ولسنوات، وتحديداً فى السنوات الأخيرة، فقد تدنت فرص التدريب للصفر ايضا لأسباب متعلقة بشح الوارد المالية فى الاذاعة والتلفزيون، اما فى الصحف فهذه أصلاً لا تقيم وزنا للتدريب لكونها قائمة فى الاساس على اهداف ربحية بحتة، وليست هناك شروط فى عقد التأسيس بينها وبين مجلس الصحافة تلزمها بالتدريب الدورى الذي يصل حد سحب الرخصة فى حال الاخلال بالشروط، أما توفير البنيات التحتية المتينة لمؤسسسات عملاقة فهذه واحدة من المعضلات التى لم يستطع كل الذين تعاقبوا على ادارة الاجهزة الرسمية ان يجدوا لها حلاً، وطالما أننا فى عالم لا يعرف اليأس يبقى الأمل كله فى أن تكون لمؤتمر الاعلام فرصة حقيقية لجعل إعلامنا يتنفس برئتيه.