كما هو معلوم فإن سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر قد اختتم زيارته للخرطوم في يوم الأربعاء المنصرم وقد استغرقت الزيارة يوما واحدا بل ساعات من نهار، ولكنها كانت مثمرة وبناءة وعامرة بالعطاء، عطاء الشباب الذي يمثله أمير قطر وهو يقود دولة فتية أثبتت أن الدول ليست بحجمها ولا مساحتها وسكانها بالمليارات أو الملايين ولكنهم غثاء كغثاء السيل، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ واقع الأمة الذي نحن عليه اليوم من قبل 1400عام، عندما قال لصحابته إني أخاف عليكم الوهن، فقيل له أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل إن أخشى أن تقبل الدنيا عليكم كما أقبلت على الذين من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم. وبالمناسبة كانت دولة المدينة التي أقامها النبي صلى الله عليه وسلم لم يتجاوز عدد سكانها العشرين ألفا وكانت دولة محاصرة ولكنها قدمت للعالم أفضل دستور هو دستور المدينة الذي وضعه أهل المدينة مسلمين وغير مسلمين، كما قدمت الأنموذج الأفضل في العدل والحرية حقوق الإنسان حتى ذوي الاحتياجات الخاصة من فاقدي نعمة البصر وغيرهم كالصحابي عبد الله ابن أم مكثوم الذي خلده الله في القرآن في قوله تعاليى عبس وتولى أن جاءه الأعمى إلى آخر الآيات الكريمات. ودولة قطر اليوم تسير على ذات الطريق وهي تبذل الخيرات بكل أنواعها وتسعى منذ عقود من الزمان للتواصل مع أمتها، وإن كان هناك صيت لكثير من أهل الثقافة والأدب في السودان وغيره فإن هذا الصيت قد صنعته مجلة الدوحة التي حملت اسم عاصمة دولة قطر وعبرت عن المرفأ الظليل الذي يستظل به أهل لغة الضاد من حر الأمية وضياع المنابر. وعليه فليس بالغريب ولا الجديد أن تنشئ قطر قناة الجزيرة وشبكاتها المتعددة لتكون منبر من لا منبر له، ولقد علق أحد الأصدقاء على موقف قناة الجزيرة من الانقلاب العسكري الذي قاده وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي في مصر قائلاً إن اهم ما قدمته قناة الجزيرة للشعب المصري أنها ساهمت في تقليل عدد القتلى بواسطة الجيش المصري من المدنيين، فلولا الجزيرة وتقاريرها ومراقبتها للوضع لقتل السيسي بدل الألف ألفين وبدل العشرة آلاف مائة ألف بسبب مظاهرة أو اعتصام أو احتجاج داخل جامعة من الجامعات. ومما لا شك فيه أن زيارة أمير قطر للخرطوم كانت مرتقبة ومرتجاة قبل وصول الأمير تميم لأرض المطار وجاءت في وقت يستعد فيه السودان لوثبة جديدة عن طريق الحوار بين القوى السياسية، وأذكر عندما طلبت مني قناة أم درمان التعليق على التعديلات التي أجراها رئيس الجمهورية على مستوى رئاسة الجمهورية والوزراء والحزب قلت إن هذه التغيرات والانفتاح السياسي لا بد له من تفاهمات مع الإخوة في دول الخليج وعلى رأسها دولة قطر لاهتمامها بالشأن السودان ورغبتها في إجراء الإصلاحات اللازمة في كل العالم العربي عبر ثورات الربيع العربي وغيرها. وقد كان من أهم ثمار الزيارة ما عرف بالوديعة القطرية التي تبلغ مليار دولار أمريكي وقد جاءت هذه الوديعة بردا وسلاما على الاقتصاد السوداني الذي كان يواجه شبح الانهيار بعد انخفاض الجنيه مقابل الدولار الأمريكي حتى جاء الدعم القطري سخياً ومدراراً من يد تعرف كيف تطرق أبواب الخيرات. وقد دلت الزيارة على أن العلاقات الثنائية بين قطر والسودان هي علاقات راسخة ومتينة وعامرة بالتفاهم على كل شيء، وإذا كانت الصين هي الدولة الأولى من حيث الاستثمار في البترول، فإن قطر هي المستثمر الأول والواهب الأول للسودان ولشعب السودان عبر العديد من المنافذ ومنها قطر الخيرية ومنظمة الدعوة الإسلامية وغيرها من المساجد والصروح الإسلامية والمؤسسات الخيرية والتعاملات التجارية والعاملين السودانيين في قطر فنحن شعب واحد، وقام السودان من جانبه خلال هذه الزيارة بإلغاء تأشيرة الدخول للإخوة القطريين ولا أدري هل طلبت الحكومة القطرية ذلك أم هو كرم سوداني، وفي كل الأحوال هو عمل جيد وله وقع حسن في نفوس أبناء الشعب القطري، وقد وعدت القيادة القطرية النظر في كيفية دخول السودانيين لبلدهم الثاني قطر وهذا يكفي.