كان العام «اثنين وتسعين» هو الميلاد الحقيقي للركشة في السودان بعد أن قامت الشركة المتحدة (لأولاد كبابا) بإحضار عدة ركشات كوسيلة للمواصلات بعد أن كانت تستخدم لحمل البضائع والمعدات ومثلها مثل الكارو حيث شهد هذا العام استخدام الركشة كوسيلة للمواصلات أول مرة في السودان وكان ذلك في مدينة أم درمان في الثورات في الخط الواصل بين الروضة شقلبان وكان لم يتجاوز عددها الخمس أو ست ركشات ثم انتقلت للعمل في خط الهجرة الشهداء وفي تلك الحقبة تضاعف عددها إلى «مائة ومائة وخمسين» واستمرت بالعمل إلى نهاية «سنة سبعة وتسعين» بعدها دخلت الخرطوم وكان أول خط تعمل به ذلك الواصل بين محطة البلابل بأركويت ومحطة سبعة بالصحافة والفردوس ومن ثم بدأت في الانتشار إلى أن وصلت جميع الأقاليم والولايات المختلفة واحتلت موقعاً متميزاً كوسيلة نقل فاعلة لا يختلف بينها اثنين بين وسائل النقل المختلفة. حرب من كل الجبهات لم يكن الطريق ممهداً ومفروشاً بالورود للعاملين فيها سواء كان موردون أو ملاك أو سائقين (جوكية) بل على العكس تماماً وجدت الركشة حرباً شرسة من عدة جهات حكومية ومدنية ولم يتم الترحيب بها كوسيلة للنقل من قبل الكثير من الجهات ووجدت معارضة شديدة فلم يتم منح ترخيص لها للعمل قريباً من قبل شرطة المرور بل وجد المستوردون لها عوائق كثيرة في استيرادها فكانت كثيرًا ما تحتجز في ميناء بورتسودان ويطارد سائقوها من قبل رجل شرطة المرور ويتم تحريض الناس الى عدم اللجوء الى استخدامها من أصحاب وسائل النقل الأخرى الذين كانوا يسخر الكثير منهم من شكلها وطريقة قيادتها ولكن لعل ذلك كان سبباً في انتشارها وإجبارها لكل هؤلاء الخصوم الى الرضوخ الى الأمر الواقع وقبولها فأصبحت السلطات تعطي تراخيص لإستيرادها وكذلك شرطة المرور التي أيضاً منحت التراخيص لها ولسائقيها ولكن تظل العقبة الوحيدة في السماح لها بعبور الكباري. ملكة جانسي لم تطلق على الركشات أسامي كثيرة مثل نظائرها المركبات الأخرى لا ما ندر وكان أول اسم يطلق على ركشة هو (الغراب) وكان هذا في موديل «ألفين وستة» ولم يسمَ أي موديل الى أخرها وهو موديل «ألفين وأربعة عشر» الذي أطلق عليه اسم (ملكة جانسي) وهو أخر موديل دخل السودان وتعتبر أسرع الموديلات مما زاد من درجة التفاؤل للعاملين بها بأن تسمح لهم السلطات المعنية بعبور الكباري والتوسع في العمل ليشمل كل العاصمة القومية وأيضاً من مميزات هذا الموديل احتوائه علي (كربريتر) يعمل بنظام كهربائي (انجكشن) فجعلها أكثر قوة وميزها عن بقيت الموديلات الأخرى التي كانت نادر ما يحدث فيها تعديل فمنذ أول موديل لم يحدث تعديلاً لا في موديل «ألفين». أزهى عصور الركشة شكلت الفترة ما بين «ألفين إلى ألفين وستة» من أجمل الفترات للعاملين في مجال الركشات حيث كانت تلك الفترة تنعم بالاستقرار على كل الأصعدة الضريبية والأسعار فشهدت استقراراً في سعر الدولار والضرائب الحكومية، كما فتحت الجهات الحكومية الترخيص للركشات وسائقيها مما ساهم في زيادة حركت البيع وانتشارها في السودان بعد أن زالت جميع العوائق التي كانت تثير مخاوف من يريدون اقتحام هذا المجال ونجد أن الركشة شهدت مؤخرًا ارتفاعاً كبيراً في سعرها حيث وصل إلى «ثمانية وثلاثين ألف جنيه» لتضرب الرقم القياسي في السعر بعد أن كان أول سعر لها «ألف ومأتي جنيه» وبالرغم من ذلك يشتكي العاملون في هذا المجال من تدني الأرباح وقلة حركة التعامل في السوق. منعطفات مهمة منذ أول ركشة دخلت السودان والى اليوم حافظت الركشة على مكانتها كمشروع استثماري ساعد الكثير من الأسر في رفع أعبائها المعيشة والكثير من الشباب من بعبع البطالة بل وأصبحت وسيلة هامة من وسائل مصادر الدخل الشخصي وهو ما جعل الاهتمام بها اكبر فتجد في كل شارع مكان لبيع قطع غيارها وخصصت جميع محطات الوقود مكاناً خاصاً لها وجذب عدد كبير لتعلم صيانتها وتخصصوا فيها حتى أصبحت للركشة إمبراطورية متكاملة تضم قطاعات كثيرة من مستوردين ومهنيين وفي كل مجالاتها ليكون عالماً قائماً بذاته لهو حركة دائمة وسوق كبيرة في جميع أجزاء السودان يزداد كل يوم ويتوسع في ربوع السودان المختلفة لتصل الركشة للقرى والبوادي.