خديجة صقر البرزن: تناول الخبير في علم استشراف المستقبل محمد جمال بارون، خلال ورقة قدمها حول الدراسة الاستشرافية لمستقبل السودان في الندوة التي قدمها مركز دراسات المجتمع «مدا»، فأشار إلى التغيّرات الحادة التي داهمت وعصفت في أكثر من بلد عربي في السنوات الأخيرة، من ناحية سرعتها وشدتها وتفاعلاتها وآثارها وتطوراتها التي لما تزل متسارعة، توقعات ورؤى ومدركات الأكاديميين والباحثين بمن فيهم الباحثون في قضايا التغيّر الاجتماعي، وأدخلت أجهزتهم وأدواتهم المفهومية في حرج معرفي وتاريخي، كما داهمت في الوقت نفسه واضعي السياسات ومتخذي القرارات عموماً بانكشاف رهاناتهم المتفائلة على نقيضهم، موضحاً بأنها كانت أسرع وأشد من الاحتمالات والمقاطع المتشائمة التي كان يحذر منها هؤلاء، وأبان أن الجهود العربية في مجال التخطيط المستقبلي بدأت مؤخراً وعرف هذا النوع من الدراسات في العالم العربي 1974م مجموعة التخطيط طويل المدى للبلدان العربية واضاف انها كانت الدراسة الرائدة في استشراف المستقبل العربي تلك التي صدرت في عام 1975 تحت عنوان الوطن العربي عام 2000 عن مؤسسة المشاريع والإنماء العربية وكان الهدف من الدراسة هو استطلاع التطور المرتقب والمحتمل للوطن العربي حتى عام 2000 واضاف أن استشراف المستقبل ضرورة استراتيجية ملحة للأمن القومى و أن الدراسات المستقبيلة تساعد على صنع مستقبل افضل من خلال اكتشاف وتحليل المشكلات قبل وقوعها ومن ثم التهيؤ لمواجهتها مبينا أن دراسات المستقبل تمكن من بلورة السيناريوهات المحتملة وترجح انها اقرب للواقعية و إنها تساعد بشكل كبير فى صناعة القرار لتوجية التخطيط الاستراتيجى و توفر قاعدة معرفية هامة تعين فى صياغة الاستراتيجيات ورسم الخطط المستقبلية وان التعرف على نقاط القوة الكامنة فى المجتمع وتعزيز الثقة فى النفس لمواجهة تحديات المستقبل لقد تميزت العقود الأخيرة بصعود اتجاه بناء الاستراتجيات الثقافية والتعليمة وفي مجال الطاقة والعلوم.. إلخ في مؤسسات العمل العربي المشترك في إطار جامعة الدول العربية ومؤسساتها، لكن مايسمها كلها هو أنها من نوع التخطيط المدى الذي تتضح لديه الأهداف لكنه لايستند مرجعيًا إلى رؤية استشرافية، فكانت مثالًا على استراتجيات مستقلة منهجيًاعن الاستشراف وإن استخدمت بعض مقارباته المتصلة بالتخطيط وببناء الاستراتيجيات أما البحث الاستشرافي العربي يقول الباروت فعلى الرغم من هامشيته ، وحداثة هذا العلم وبروزه في مرحلة الستينيات من القرن العشرين بشكل خاص، فإنه أنتج العديد من الأدبيات حول الاستشراف، ويحتل كتاب صور المستقبل العربي (1982) مكانة خاصة في هذه الأدبيات بسبب نزعته النقدية المبكرة في قراءة مناهج الاستشراف ووظائفه من منظور دول الجنوب. أما على مستوى الاستشراف كمشروع، فلقد حدثت عدة محاولات لإطلاق مثل هذا النوع من المشاريع في كل من لبنان ومصر والجزائر وموريتانيا وسورية، لكن لم يقيض خلال العقود الثلاثة المنصرمة سوى لثلاثة مشاريع منها أن ترى النور في شكل منتجات وهي مشروع استشراف مستقبل الوطن العربي الذي استغرق العمل فيه عدة سنوات وخرجت منتجاته إلى النور في نحو العام 1988. ويمكن وصفه مشروع 2015 لأنه وضع العام 2015 كأفق زمني له أما المشروع الثاني فهو مشروع مستقبل مصر حتى عام 2020 ( مصر 2020). وقد وضعت وثيقته الفنية الأساسية فى سبتمبر 1996 وشكلت لجانه الأساسية والفرعية، وشرع بالعمل والإنتاج الفعلي وفق وثيقته بدءًا من بدايات العام 1998 أما المشروع الثالث فهو مشروع رؤية استشرافية لمسارات التنمية في سورية حتى العام 2025)، واختصر تحت اسم( مشروع سورية 2025). وبدأ المشروع في شكل وثيقة في نحو العام 2001 على أساس إنجازه كي يكون مرجعًا للخطة الخمسية العاشرة التي ستوضع في العام 2005. تدخل المجتمعات العربية بدرجات متفاوتة مرحلة التغير الاجتماعي الكبرى الثالثة في تاريخها الحديث، بعد المرحلة الأولى التي شهدت الانتقال من العثمانية إلى نظام الدول وبروز منظومة الدول العربية المستقلة بعد الاستقلالات الوطنية وتفكيك الاستعمار. وبعد المرحلة الثانية التي شهدت تقويض المرحلة الليبرالية بقيام منظومة النظم السياسية الانقلابية العقائدية والشعبوية التي كانت بدورها قد تطورت في سياق انتشارها في بلدان العالم الثالث وفي سياقات الحرب الباردة والتي يبرز حصادها اليوم بشكل خاص بانفجار المشرق العربي (في إطار تعاقد مؤقت على تحديد مجاله) اليوم تبدأ مرحلة التحول الكبرى الثالثة التي لما تزل جارية، وتعج بالاحتمالات وهذه المرحلة تستحث كمبدأ إعادة الاعتبار لمعنى الاسشتراف وممارسته، كما تستحث من منظور البناء الإيجابي لمستقبل هذه المجتمعات على محاولة تجسير العلاقة الداخلية بين الاستراتيجيات التنموية المحتملة القادمة وبين العمل الاستشرافي في مقاربة الاستشراف الاستراتيجي التي تستطيع العمل على مستوى المؤسسات كما على مستوى الأقاليم والدول .