عنوان المقال هو عنوان لدراسة صدرت من «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات» في دولة قطر وهي دراسة تحليلية سياسية اجتماعية, قام بها عدد من الباحثين في المركز, وتلقي الضوء على الثورات العربية, التي اندلعت في بعض الدول العربية, وأدت إلى تغيير النظم السياسية فيها, وتحاول أن توضح الدراسة رغم أن الثورات انتظمت في عدد من الدول ولكن لكل واحدة منها خاصيتها. وقد جاء في استهلالية الدراسة « Introduction»: (تهدف الورقة إلى تحليل أثر الثورات العربية الجيوستراتيجية المحتمل إقليمياً وعالميا, كما تعالج أثر العوامل الجيوستراتيجية في الثورات العربية ذاتها. وهي لا تنظر في عوامل نشوب الثورات وأسبابه, ولا في دوري الاقتصاد والإعلام وغيرها في نشوبها, كما إنها لا تعالج بنية الثورات العربية. ومن خلال وصفها للعلاقات الجيوستراتيجية التي كانت سائدة قبل الثورات, تدحض الورقة عدداً من الأفكار المسبقة غير المؤسسة على معلومات ووقائع). والورقة توصف المشهد السياسي في المنطقة العربية قبل قيام الثورات العربية, والنظم السياسية القائمة والتحالفات السياسية, والأسباب التي أدت لقيام الثورات, من عوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية, وكلها قد تكاملت مع بعضها البعض في كل دولة على حدة, مما أدت إلى انفجار شعبي أدى إلى تغيير النظم السياسية. تشمل الدراسة أربعة محتويات تمثل العناصر الأساسية للدراسة، كل منها يقوم بوصف وتحليل الحالة وتسبر عمقها لكي تتكامل الدراسة والمحتويات وهي أولا: توصيف المشهد الجيوستراتيجية قبل الثورات العربية. ثانيا: التغيرات الجيوستراتيجية أثناء الثورات العربية. ثالثا: الجيوستراتيجيا من خلال الثورة السورية، تحديداً اللاعبين الدوليين والإقليميين. رابعاً: رؤية استشرافية للتغيرات الجيوستراتيجية بعد الثورات العربية. وتعتبر هذه الدراسة أول دراسة أكاديمية, تعتمد على المنهج الوصفي التحليلي, وتأخذ الأبعاد الثالثة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية, باعتبار أنها العوامل المؤثرة تأثيراً كبيراً على قيام الثورات العربية, ولا يمكن الفصل بين تلك العوامل, وتقول الدراسة (لا يمكن النظر إلى موجة التغيير والثورات العربية في إطارها الاحتجاجي الداخلي فقط) ويعني هناك أبعاد خارجية, قد أثرت في الثورات وتداخلت مع الأبعاد الداخلية, لذلك أطلقت عليه الدراسة البعد «الجيوستراتيجي» وهو بعد يشمل أثر أدوار الفاعلين الإقليميين والدوليين. وترجع الدراسة تاريخيا لحالة الواقع العربي, والتغييرات الجيوستراتيجية التي حدثت في المنطقة العربية بعد نهاية الحرب الباردة, حيث تقول الدراسة (تتمثل في ثبات مصالح القوى العظمى في الوطن العربي وغياب الفعل العربي والرسمي على الساحة الدولية. إذ كان الوطن العربي ساحة جيوسياسية مهمة لتلك المصالح ولم يكن فاعلاً إستراتيجيا). هذه قد ألقت بظلالها على المجتمعات العربية حيث توصف الدراسة كل حالة على حدة، الثورة التونسية والمصرية والليبية واليمنية وأيضا تأخذ الحالة في كل من البحرين والمغرب والأردن حيث لكل دولة خصوصية العوامل التي قادت للثورة. ثم تنتقل الدراسة لكي تبين واقع التغيير في الثورات العربية حيث فتحت أبواب الإصلاح والتغيير في دول كانت سمة النظم فيها ديكتاتورية سواء كانت جمهوريات أو ملكية و لكن الدراسة تؤكد أنه لا يمكن توصيف التغيير بدقة نتيجة الاختلالات الناجمة عن المرحلة الانتقالية في العديد من الدول العربية. وتقول الدراسة: (إن الثورات العربية قد خلقت متغيراً مهماً ساهم في إحداث جملة من التغيرات مرحليا. وسيكون له الدور الأكبر في تحديد التغيرات الإستراتيجية على المدى المتوسط والطويل في العالم العربي, خصوصاً بعد عبور المرحلة الانتقالية. ويتمثل هذا المتغير في الرأي العام العربي)، لا سيما أن هذا العامل سوف يكون له انعكاساته الإيجابية على إعادة تعريف الدول العربية لمفهوم أمنها الوطني, مما يساعد على ردم الهوة بين النخب السياسية الحاكمة وشعوبها. وهذا يؤكد أن الدراسة تتنبأ بمستقبل التغييرات, التي سوف تحدث في بعض الدول العربية, والتي شهدت ثورات أدت إلى تغيير سياسي في النظم الحاكمة, مع التركيز على دور العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تلك الدول, وكيفية معالجتها, باعتبار أنها لأول مرة سوف تسهم الشعوب مساهمة فاعلة في صناعة النظم الحاكمة في تلك الدول. تفرد الدراسة مساحة واسعة للثورة السورية, وتوصيف الحالة, وكيف تحاول القيادة السورية أن تستخدم تقاطعات السياسة الخارجية, كواحدة من الأدوات التي تضفي الشرعية على النظام الحاكم, ثم لجوء النظام الحاكم للبحث عن الاستفادة من تقاطعات المصالح في ساحات إقليمية مختلفة, أهمها الاستفادة من العراق بعد الانسحاب الأمريكي ثم تحالفه مع إيران مع التركيز على البعد الأمني والتحالف مع تركيا التي أفادت النظام في الخروج من عزلته. وتقول الدراسة: (تفاجأ النظام السوري بانتقال عدوي التغيير الثوري إليه, إذ كان محكوماً بصورة نمطية فرضت عليه سوء تقدير قابلية المجتمع السوري للاحتجاج, لاسيما عندما وضع شرعية بقائه في سلة السياسة الخارجية المقبولة شعبيا, وقد رأى أن سبب الثورة في مصر هو سياستها الخارجية وتجنب بذلك رؤية الأسباب الاجتماعية والسياسية والحقوقية الداخلية للثورات). ثم تعرضت الدراسة للحل العسكري الذي أقدم عليه النظام حلاً للمشكلة وإصرار الشعب السوري على التغيير رغم العنف الذي يستخدمه النظام. تفرد الدراسة حيزاً لمعرفة دور اللاعبين الدوليين والإقليمين في الثورات العربية كعوامل تتداخل مع العوامل الداخلية الأخرى حيث تقاطعت مصالح تلك الدول في المنطقة العربية. ووضحت الدراسة موقف عدد من الدول المتشابكة مصالحها في المنطقة العربية لكل من «الولاياتالمتحدة, إسرائيل, تركيا, إيران وروسيا». وتقول الدراسة: (كان للرأي العام العربي دور كبير في تحديد التغيرات الجيوستراتيجية في مواقع اللاعبين الدوليين والإقليميين خلال الثورات، وقد انعكس بشكل كبير في بروز دور الجامعة العربية بشكل فاعل في ملفات عربية أساسية ولاسيما ملف الثورة السورية. في المحور الأخير من الدراسة تخلص إلى النتائج من خلال المتابعة والوصف والتحليل حيث تقول الدراسة: (تبين سابقاً أن الثورات العربية, وضعت الرأي العام العربي في خانة المحددات الأكثر تأثيراً في التغيرات الجيوستراتيجية في هذه الفترة والذي بدأ يبلور «كيانية عربية» غير واضحة المعالم. لا شك في أن بروز الشعور بكيانية عربية إلى جانب تعزيز الوطنيات المحلية سيترك تداعياته على التموضع الجيوبوسياسي في العالم العربي. وسوف يخلق تغيراً في المفاهيم الإستراتيجية من جهة ويحتم تغيراً جيوستراتيجياً مستقبلياً في توجهات الفاعلين الجيوستراتيجيين الدوليين والإقليميين من جهة أخرى). أعتقد أن الدراسة عميقة المبحث والتوصيف والتحليل للواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الدول العربية والعوامل الخارجية المؤثرة في المجتمعات العربية وخاصة العوامل الخارجية لها أثر كبير وفقاً لمصالحها في المنطقة والدراسة جديرة بالقراءة لكل المهتمين بقضايا السياسة والاجتماعي السياسي, وهي تقع في 32 ورقة من A4 وقد بذل الباحثين جهداً مقدراً مما جعل الدراسة تخرج بصورتها المتكاملة.. نسأل الله لهم التوفيق في بحوث أخرى.