في الأيام الأولى من انتفاضة أبريل عقد الحزب الشيوعي السوداني ندوة حاشدة بالميدان الشرقي بجامعة الخرطوم، حمل فيها أنصار الحزب خاصة الشباب علم السودان القديم يلوحون به مع هتافات داوية، ووقف زعيم الحزب الراحل محمد إبراهيم نقد على المنصة يتحدث عن انتصار الثورة الشعبية بعد أن خرج من مخبئه بعد أربعة عشر عاماً هرباً من مقاصل النظام المايوي التي أطاحت برقاب قادة الحزب وعلى رأسهم سكرتيره المعروف عبد الخالق محجوب والزعيم العمالي البارز الشفيع أحمد الشيخ إضافة إلى قادة الانقلاب الشيوعي بقيادة الرائد هاشم العطا. وقال نقد إنه لن يفصح عن مكان اختفائه لأن الظروف «ما معروفة»، ويبدو أن قراءة الزعيم الشيوعي كانت صحيحة فقد اختفى مرة أخرى إبان حكم الإنقاذ في العام 1989 ولم يخرج من مخبئه إلا عندما داهمه رئيس جهاز المخابرات السابق صلاح قوش في العام 2005 بعد أن علموا أن الحزب الشيوعي يجهز للاحتفال بخروج زعيمه إلى العلن مما يعد نصراً على الأجهزة الأمنية، لكن من الواضح أن مخبأ الزعيم «نقد» كان معروفاً بالنسبة للأجهزة الأمنية في كل من نظامي مايو والإنقاذ، لكنها آثرت كما ذكرنا من قبل، أن يتقوقع الزعيم الشيوعي في مكان يحد من حركته ويقلل من نشاطه، فضلاً على أن الاختباء ربما يكشف الكادر السري للحزب في حالة قيامهم بزيارة زعيمهم في مخبئه، ومساء أمس الأول عقد الحزب الشيوعي السوداني ندوته الأولى المفتوحة بميدان المدرسة الأهلية بأم درمان، حيث لم يقم الحزب بعقد أية ندوة في الهواء الطلق إلا إبان الانتخابات الماضية في العام 2010م، وإذا كان الحزب الشيوعي قد نجح في عقد ندوته الأولى على الهواء بعد فترة طويلة، فإن تحدياً آخر يواجهه لكن هذه المرة ليس من ناحية السلطات الحكومية، وإنما من هيئة الحزب وهو عقد مؤتمره العام الذي يواجه حتى الآن صعوبات لوجستية وخلافات فكرية وشخصية. فعلى صعيد القيادة حتى الآن من الصعب الاتفاق على شخصية تقود الحزب خلفاً للمهندس محمد مختار الخطيب الذي يبدو أن اختياره جاء بمعيار وفاقي أكثر من كونه معايير تتناسب مع متطلبات المنصب السياسي، أما على الصعيد الفكري فإن جل التيار الشبابي يرى أن خط الحزب الحالي وإن كان متفقاً على خطه السياسي العام وفق الواقع الظرفي الآن في الساحة السياسية، يحتاج إلى تأصيل فكري على هدى النظرية الماركسية، وأن التخريجات الفكرية التي حدثت في عهد السكرتير الراحل محمد إبراهيم نقد لم تكن محل اتفاق، بل أن البعض يصنفها في خانة البروسترويكا التي ابتدعها الرئيس السوفيتي السابق غورباتشوف التي قادت في النهاية لتفكيك دولة الحزب وانهيار الدولة قبل أن تلتقط أنفاسها مجدداً لكن وفق أسس رأسمالية وبرجماتية، لكن الحرس القديم الانفتاحي الذي يساند خط التحول الذي انتهجه محمد إبراهيم نقد ما زال يمثل مركز القوة على الأقل قبل انعقاد المؤتمر العام الذي ربما شهد تحولاً كبيراً بالرغم من أن أنصار «نقد» يستندون إلى مرجعية واقعية تتعلق بواقع النظرية على الأرض بعيداً عن بعدها النظري الصرف، وهي ورقة مؤثرة كان لها تأثيرها على القواعد طوال الثلاثة وأربعين عاماً الماضية رغم مناوشات الحرس الماركسي التي كانت تطل برأسها حتى في عهد الزعيم الراحل عبد الخالق محجوب، وفي عهد الراحل نقد خاصة بعد انتفاضة أبريل 1985، لكن ربما سيكون الجديد هو استطاعة الحزب عقد العديد من الندوات الجماهيرية قبل أن يعقد مؤتمره العام الذي ما زال حتى الآن شبيهاً بمؤتمر الاتحادي الديمقراطي «الأصل» إذ لا أحد يمكن أن يتكهن بميقات انعقاده بمن فيهم حتى قادة الحزب أنفسهم.