لقي رجل سيدنا علياً بن ابي طالب رضي الله عنه فسلم عليه قائلاً: كيف أصبحت؟ فرد عليه سيدنا علي رضي الله عنه وارضاه: أصبحت مصدقاً لليهود مصدقاً للنصارى!! وعجب لها الرجل، فما كان من سيدنا علي رضي الله عنه إلا أن أحاله إلى قول الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة: «وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء». ولما اطلعت عن كثب ودققت في ملفات قضية الأقطان قلت في نفسي «لقد بت مصدقاً لسبدرات مصدقاً لدوسة ومكذباً للإنقاذ. والعجيب أن دوسة يقول إن سبدرات ليس على شيء وسبدرات يقول إن دوسة ليس على شيء. وأنا أود أولاً أن أصدق الأخ النائب العام دوسة بأن سبدرات ليس على شيء. والأسباب كثيرة.. فمنها أني لما قرأت الخطاب الذي وجهه الأستاذ سبدرات إلى دوسة النائب العام وجدت في الخطاب سبدرات الأديب، ولم أجد سبدرات القانوني، ولم أجد سبدرات المظلوم، فقد أسترسل الأخ سبدرات في فذلكة تاريخية وخطبة عصماء دون أن يدخل في لب الموضوع.. ورغم عدم طعني في قدراته الأدبية إلا أنني أود أن أصحح له تعبيراً جاء في رسالته عندما قال مخاطباً السيد وزير العدل: وأنت سيدي الوزير تفعل هذا و«لم يرتد لك رمش» والصحيح أن يقول «ولم يطرف لك جفن» وهذا كناية عن البرود وعدم الاهتمام، ولعله اختلط عليه الأمر بالتعبير الذي جاء في قصة سليمان عندما قال له الجني «أنا آتيك به قبل ان يرتد إليك طرفك» ولم يقل يرتد إليك رمشك، فرمش ليست واردة لا في الأولى ولا في الثانية.. والثانية كناية عن السرعة ولا شأن لها بالعواطف ولا الاحاسيس. سبدرات يسترسل في سرد أسماء وزراء العدل طيلة خمسين عاماً تزيد أو تنقص.. ويجعل لذلك مغزى سنراه في ثنايا هذا المكتوب ولا نراه حتى كتابة هذه السطور. والذي نسأل عنه سبدرات لماذا جعلت هذه القضية قضية إجراءات ومواد ولوائح وأعراف وقوانين؟ إن سبدرات وزمراوي وحتى مولانا رئيس المحكمة الدستورية يعلمون تمام العلم أن هذه القضية قضية فساد، وأن هناك ملفات أمام المحاكم.. وأنها ملفات جنائية.. وأنه كان يمكن أن نسحب الملفات الجنائية من المحاكم بتراضي الاطراف لتعرض بعد ذلك على لجنة تحكيم.. أما أن يلوذ المحكمون بالمواد المتعلقة بالإجراءات وبأنه يجوز للقاضي أن يشارك في لجنة تحكيم وهو في الخدمة، فقط لان قانون التحكيم لم ينص على المنع، فهذا لا يغني عن الحق شيئاً.. وكان حرياً برئيس المحكمة الدستورية أن يمتنع عن المشاركة لأن طبيعة القضية نشأت عن فساد واتهام بالفساد واعتقالات ولجان تحقيق، وأن الملفات مازالت أمام المحاكم. كما أن الأخ سبدرات كان أكرم له وأنظف لصحيفة أعماله القانونية ومسيرته الشخصية أن يمتنع عن الاشتراك في لجنة التحكيم لأنه ظنين في ولاء..رغم أن العرف الجاري أن الطرف الذي يختار محكماً تنتهي علاقته به بعد الاختيار مباشرة، بمعنى أنه يتحول إلى قاضٍ وليس محامياً عن الطرف الذي اختاره.. وهذا ما عبر عنه الأستاذ زمراوي بعد اختياره، حيث رفض الحديث مع المدير التنفيذي للأقطان عن القضية لأنه أصبح قاضياً يمثل القانون ولا يمثل شركة الأقطان. إن سبدرات ظل مستشاراً لمدكوت حتى بعد اختياره ممثلاً لها في لجنة التحكيم، وقد ظلت عبارة «ظنين في ولاء» ملازمة له طيلة مدة التحكيم. وتأتي حكاية رفض رئيس اللجنة وعضو اللجنة سبدرات لاستلام شيك الاتعاب بحجة عدم وجود حساب، وبالاعتذار بعدم الاستطاعة والقدرة «أعتقد الجسدية» على متاعب ومشاق توريد الشيك في الحساب وصرف حصة كل محكم! عجيب!! وكيف توفرت القدرة للمشاركة في اللجنة على مدى عشرة أشهر واستعراض «73» مستنداً وعقد جلستين في الأسبوع؟ ايهما أيسر وأسهل يا سعادة النائب العام السابق. إن كثيراً مما أورده سبدرات في رسالته إلى وزير العدل غير منتج من الناحية القانونية مثل حكاية انظروا ملكنا العريان، وسبدرات يعلم علم اليقين أن الملك ليس هو وزير العدل، ولكن الملك هو الإنقاذ بقضها وقضيضها بغثها وسمينها، والأستاذ سبدرات يتغنى بعلاقته بالإنقاذ ودوره في الانقاذ، والاستاذ سبدرات يردد كثيراً انه لا يبصق على تاريخه ولا على اخوانه في التنظيم اليساري الذي كان ينتمي إليه قبل الإنقاذ، ويقول سبدرات إن وزير العدل ارتكب خطأ لم يسبقه عليه أحد وهو أنه قدم يومية التحري للمجلس الوطني وحوله إلى محكمة، وقد يكون كلام الأستاذ سبدرات من الناحية الاجرائية صحيحاً، ولكن ما كان يمنع لجنة التحكيم أن تتوقف تلقائياً بعد أن خوطبت باعتراض شركة الأقطان وانسحاب مستشارها القانوني «والمستشار القانوني للشركة هو غير زمراوي الذي ارتضته الشركة محكما» خاصة وان الشركة لم توقع على المشارطة والتي تتحدد فيها الأنصاب؟ أرجو ألا يتعلل الأخ سبدرات بالنواحي الاجرائية التي قد تكون لصالحه ولصالح موقفه، ولكننا نسأله بسذاجة شديدة: أيهما أنبل التمسك بالحق الاجرائي ام التنازل عنه؟ بل أنا أجزم بأن التنازل عن الحق الحقيقي أنبل وأشرف من التمسك به. لق وضح جلياً من المبالغ الخرافية التي يأتي ذكرها ومن الشركات المتورطة في الملف ومن المعالجات التي قامت بها اللجان المكلفة بالنظر في ملف الاقطان، أن الجانب الجنائي وارد بشكل قوي وواضح وليس مجرد احتمال.. بل أن القضية الجنائية أمام المحاكم.. فماذا يجني الأستاذ سبدرات القانوني الضليع من التركيز على الإنشاء والخطابة واستخدام تعابير تحالف الغربان والسلاحف وجبهة التشويش الديمقراطية وحملة الدفتردار الجديدة؟! ولي مع الأخ الاستاذ سبدرات وقفات.. خاصة أن في جعبته حتى هذه اللحظة ما لم يفرغه من السهام. ثم نأتي إلى السيد وزير العدل وأنا بت مصدقاً فيه الاستاذ سبدرات. رغم كل الذي قاله السيد وزير العدل، ورغم أن الملف فعلاً أمام القضاء، لماذا لم تقدم شركة الأقطان وشركة مدكوت للمحاكمة الجنائية؟ وهما شخصيتان اعتباريتان يمكن تقديمها للمحاكمة تماماً كالشخصية الطبيعية؟ وإذا كان هناك فعلاً مرسوم من رئيس القضاء يمنع مشاركة القضاة في لجان التحكيم، فلماذا لم ينبه رئيس المحكمة الدستورية لهذا الأمر؟ واذا كان المرسوم لا يشمل رئيس المحكمة الدستورية لأنه صادر عن رئيس القضاء فلماذا لا يصدر مرسوم آخر يمنع قضاة المحكمة الدستورية المشاركة في لجان التحكيم ويكون صادراً عن رئاسة الجمهورية مثلاً أو الجهة التي تعين رئيس المحكمة الدستورية واذا كان من الجائز للسيد وزير العدل فعل ما فعله الآن من عرض الملف أمام البرلمان.. فلماذا لم يحدث ذلك في بداية مداولات لجنة التحكيم؟ لماذا انتظر به صدور حكم اللجنة الذي جاء لصالح مدكوت وليس للأقطان، أي انه لم يأتِ للصالح العام وانما لصالح شخصيات طبيعية؟ هل كان هذا كله بفعل الضغوط التي تكلم عنها الوزير امام المجلس وأمام الصحافيين.. ام ان هناك تبدلاً في المواقف والخانات؟ إن استرداد المال العام واسترداد الحقوق المنهوبة ومحاسبة المفسدين والضرب على ايديهم هو من صميم وظيفة وزير العدل.. ولكنه في قضية الأقطان وفي غيرها من القضايا تأخر تأخراً يشجع على سوء الظن، أو على أقل تقدير الاتهام بعدم القدرة والخبرة والأهلية للوظيفة الشاقة المتعبة نفسياً وجسدياً. والآن نأتي إلى تكذيب الإنقاذ وهو لازمة من لوازم تصديق الوزيرين، والإنقاذ لا تبالي أن تكذب ونسألها: دلونا بالله عليكم خلف من منكم تصح الصلاة؟