سطا لص يرتدي رداءً وينتعل باتا قديمة، على منزل متواضع في إحدى الحارات الشعبية ذات يوم، وتسلل خفية إلى الغرفة ذات الأرضية الترابية، ثم توجه إلى دولاب الملابس العتيق والمتهالك، ويبدو أنه علم من حال المنزل وهيئة الأثاثات أنه لا يمكن أن يجد أموالاً أو ذهباً، فاختار على عجل مجموعة من الملابس وربطها بملاءة، وعندما هم بالخروج سريعاً تعثر بمنضدة صغيرة فاصطدمت بسرير رب المنزل الحاج الملقب ب «أبو حجج» فنهض من نومه مذعوراً وحينها على ضوء القمر المكتمل بدراً لمح الحاج «أبو حجج» اللص الشاب وهو يحمل «بقجة» الملابس ويهرول نحو سور المنزل ثم يتسوره في خفة القط وهو ممسك ببقجة الملابس، وعندها صرخ الحاج «أبو حجج» بصوته الجهوري «حرامي.. حرامي»، وسرعان ما وصل صوته على أثير الليل الهادئ فاستيقظ جيرانه الملاصقون للمنزل، ثم أمسك الحاج بعكاز غليظ وهرول به خلف اللص في حين خرج الجيران محملين بالعصي والسيخ ومروق العناقريب، لكن اللص الشاب الذي لا يتجاوز عمره عشرين عاماً بقليل كان يعدو بسرعة كبيرة، وكلما اقترب من أحد المنازل ينضم للمطاردة عدد من الشباب خلفه، وأخيراً دلف إلى أحد الأزقة الضيقة، فصاح فيهم المعلم إبراهيم وهو يحمل مرق عنقريب «أقيفوا يا شباب الحرامي ده حيمشي وين الزقاق ده مقفول.. أقيفوا هنا وانتظروه» وبالفعل لم تمض ثوانٍ حين لحقوا باللص وشرع الشباب يضربونه بالكفوف والركل بالأرجل، بيد أن الحاج أبو لبض سارع بضرب اللص ضربة خاطفة على رأسه بمرق العنقريب فسقط على الأرض مغشياً عليه، وعلى ضوء القمر عندما شاهد اللص على الأرض دون حراك شعر المعلم أبو لبض بالخوف، وقال لأحد الشباب كدي شوف الزول ده مات ولا لسه، فوضع أحدهم يده على رقبته يتحسس النبض فقال: «لسه حي لكن ممكن يتلحس في أي لحظة» وبعد فترة نقاهة قضاها اللص الشاب في المستشفى بعد أن أجريت له عملية جراحية عاجلة تم نقله بعدها إلى السجن بعد محاكمته، في حين تمت أيضاً محاكمة أبو لبض على ضربه اللص، وبعد أن خرج اللص الشاب من السجن قرر أن يعمل في غسل السيارات، وذات يوم شاهد صديقه في السجن المكانيكي المعلم حمدان الذي سبقه في الخروج من السجن، وبعد أن تسامرا قليلاً قال له المعلم حمدان: «رأسك بقى كيف لسه برضه بيوجعك؟» فرد عليه قائلاً: «في وجع وزغللة في العيون وصداع» فقال له المعلم: «سبحان الله الناس دي ما بتخاف الله يضربوك بمرق عنقريب عشان بقجة بتاعة ملابس إسكراب، لو الواحد شافها في الكوشة ما بقبل عليها»، فقال له اللص: «أنا كنت جاي من الشغل وسمعت في الحافلة ناس بقولوا في واحدين ضربوا كم مليار، وقاموا شالوا منهم القروش وفكوهم.. بالله هسه ما كان الواحد فينا يا معلم إعمل هبرة زي دي بدل البقجة دي؟» وهنا ضحك المعلم أبو عضل ضحكة قوية بصوته الأجش، وقال له: يا فردة إنت واهم ساكت البقدرك شنو تهبر ليك مبلغ زي ده وتلقاه وين.. أنت بتاع بقجة ملابس ولا راديو كرشو مفتوحة ولا موبايل ربيكا ولا جزمة بوت.. مالك بالشغل الكبير ده شن قدرك عليه؟»، وبعد عدة أشهر افتقد المعلم حمدان صديقه اللص «غسال العربات» فسأل عنه صديقه فقال له بحزن: «إتلحس أول أمبارح.. بس كان راقد مستشفى وعملوا ليه عملية، فاغرورقت عيون المعلم حمدان بالدعوع وجلس على بنبر إحدى بائعات الشاي وهو يمسح دموعه التي أخذت تسيل بغزارة في حين كان أصدقاؤه يسألونه وهو صامت، وأخيراً نهض من البنبر وقال بأسى «عشان بقجة ملابس المسكين راح فيها بضربة مرق.. دنيا حقيقة ظالمة».