من المهم والرأي العام يتحدث هذه الأيام عن محاصرة ومحاربة ومكافحة وكشف الفساد، من المهم أن نتذكر أن بعض التنفيذيين في المركز والولايات وخلال العقدين الماضيين ظل يمارس جريمة التغول على الساحات العامة والميادين، ويعمل فيها سيف البيع وإخفاء جريمة البيع والتغول بمختلف أنواع المستندات الحكومية والأختام وبمختلف المبررات والمسوغات غير المنطقية، إن أسوأ أنواج الجرائم المرتكبة بواسطة الجهاز التنفيذي هي جرائم الأراضي. ومن الواضح أن نسبة الفساد في الأراضي في عهد الإنقاذ مقارنة بنسب الفساد الأخرى في ذات العهد والعهود الوطنية المنصرمة تتجاوز النسبة المئوية، لتبدو واضحة وضوح الشمس حينما يتربع اسم السودان دوماً وأبداً في أعلى قائمة الدول الأكثر فساداً على الإطلاق وفق الإحصاءات البيانية والبينات المستندية الداعمة لهذا السلوك. وبمراجعة بسيطة لمتوالية تقلص وتناقص المساحات المفتوحة والميادين والساحات العامة داخل أحياء ولاية الخرطوم وبمراجعة أسماء وزراء التخطيط العمراني والإسكان والتعمير وما جاورها من الأسماء والمفردات المتغيرة بعناية، يمكن لمنظمات المجتمع المدني الناشطة في مجال مكافحة ومراقبة أنماط الفساد اكتشاف حقيقة واحدة لا تتغير تتمثل في أنه كلما تولى وزير جديد منصب هذه الوزارة المتعددة الأسماء ضاقت الأرض بسكان الأحياء على خلفية البيع الجائر للساحات والميادين بما في ذلك المساحات المخصصة للخدمات مثل المدارس، إنهم أي الوزراء وبما أغدق عليهم القانون تحت ستار القرارات التخطيطية أتوا منكراً من الفعل حينما طفقوا يخصصون المساحات بلا أدنى مراعاة للمسؤولية والنزاهة للمحاسيب وحملة التوصيات من الشخصيات الحزبية والمحتالين باسم الشهداء، بل رصدت بعض الجهات المختصة العديد من المستندات المزيفة التي تم إصباغ صفة الرسمية عليها عبر تواطؤ رسميين ومجرمين، وتم بموجبها الاستيلاء على مساحات مقدرة وفي مواقع إستراتيجية من العاصمة الخرطوم وأحياء أم درمان العريقة مثل الحارة الثالثة أنموذجاً وغيرها من الأماكن، وكل هذه الجرائم والممارسات وجدت من يتصدى لها سواء من سكان الأحياء المتضررة أو الصحافة الحرة، ولكن الشاهد في فساد الأراضي في عهد الإنقاذ كما أسلفنا أن أرباب هذا السلوك جبلوا على صفات شراء الذمم والإدلاء للحكام، وبالتالي بدا الأمر وكأنما هم يتمتعون بحماية السلطة، فلا تتعرض لهم الأجهزة المختصة ولا يردعهم القانون والقضاء، باعتبار أن كل الخيوط متشابكة ومقدور عليها، ولنا في ما جرى ويجري الآن على خلفية فساد موظفي مكتب والي الخرطوم دليل وبرهان. لقد لامس الأستاذ حسين خوجلي صلب القضية حينما تحدث قبل أيام في برنامجه اليومي على قناة «أم درمان» عن ضرورة قيام المواطنين بتحمل مسؤولية ردع المتلاعبين بالأراضي من كل الأنواع، حيث قال حسين في توصية موجهة لسكان أحد أحياء أم درمان العريقة إن عليهم يقوموا بمنع من يريد التغول على ميدان الحي وتوقيف أية ماكينة بناء أو عمال أجرة عبر الاحتجاج الجماعي والقوة الجماعية، وبرأيي أن قيام الجماعة المتضررة أي جماعة بالضرب على يد المتلاعبين والمجرمين هو السلوك الأمثل والدور الإيجابي للقوامة المجتمعية خصوصاً في أوقات وأزمان جنوح الراعي نحو الفساد وإهماله مصالح الرعية، ولنا في الوصية النبوية الحاضة على عدم ترك المخربين يثقبون السفينة العامة أسوة حسنة. ولكن ومع ذلك لن نتوقف عن دعوة من يهمه الأمر للقيام بكامل مسؤولياته تجاه الشعب والحفاظ على المساحات المملوكة للجميع مثل الميادين والساحات العامة، بل يتعين على من يهمه الأمر ومن صحا متأخراً ليحارب الفساد بإحسان، قيادة المعركة ورد الأمور إلى نصابها باسترداد كل الميادين المنزوعة والساحات المبيوعة حتى ولو قامت عليها العمائر وشيد المفسدون في الأرض فوقها قصوراً وغابات من الأسمنت، يجب القضاء على الباطل وتسويته بالأرض فوراً قبل أن تفور الأرض من تلقاء نفسها وحينها لات ساعة مندم .