عندما قرأ الزميل طارق حامد رئيس القسم الفني ب «الإنتباهة» التقرير السنوي للأخطاء الطبية بالسعودية الذي برأ السودانيين من تهم الأخطاء الطبية، قال: «طيب هنا ما لهم»، التقرير نشرته صحيفة «ألوان» نقلاً عن صحيفة المدينة السعودية ووفقاً لنص التقرير، قد ظهر فيه الأطباء السودانيين بسجل مهني نظيف خالي من الأخطاء الطبية، فيما تصدر الأطباء المصريون سجل الأخطاء بأكبر نسبة أخطاء طبية تشهدها المملكة العربية السعودية بنسبة «44%»، ويليهم الأطباء السعوديون، بنسبة أخطاء بلغت «51%»، ومن ثم السوريون بنسبة «9%» والهنود بنسبة «6%»، ونحن بدورنا نسأل أيضاً، ما هي الأسباب التي تجعل الأطباء السودانيين بارعين في الخارج وسجلاتهم خالية من الأخطاء الطبية بينما في مستشفيات وطنهم يئن المرضى من أخطائهم؟ هل بيئة العمل والإمكانات لها أثر في أداء الكادر البشري وجودة العمل، أم أن عدم الالتزام بالقوانين والأنظمة الصحية والضوابط والتشريعات الخاصة بالعمل له السهم الأكبر في عملية الجودة؟ هذا التقرير إذا كان مصدره مجلس التخصصات والمهن الطبية أو وزارة الصحة السودانية، لكان مكان شكوك عند البعض، لكن أن يصدر من المملكة العربية السعودية وهي الدولة العربية الوحيدة التي تعتمد الجودة والمواصفة شعاراً للأداء في كل المؤسسات، فهو تقرير محل ثقة وحياد ويمكن اعتماده مصدراً للقياس سيما أنه قد وضع الطب المصري في محك وأظهره الأكثر أخطاءً من بين الجنسيات الأخرى في المملكة العربية السعودية، وهذا أيضاً مؤشر يتطلب التوقف عنده، لأننا كسودانيين الأكثر هجرة لمصر طلباً للتعافي والاستطباب، وهذا أمر يجعلنا نتساءل عما إذا كان الذهاب إلى مصر طلباً للعلاج أمر نفسي لأن الأطباء المصريين ملتزمون بسلوكيات المهنة أم أنه بحثاً عن الكفاءة الطبية كما هو في شروط الطبيب الناجح؟ إذا قدر لنا أن نجيب عن سؤال طارق حامد: طيب هنا ما لهم؟ هنا يا «طارق» استوطن الإهمال الأطباء والمساعدين لهم، وأن التقصير والإهمال الفاضح الذي يتصف به بعض أفراد الكادر الطبي في المستشفيات الحكومية سببه ضعف اهتمام الحكومة بهذه البيئة الصحية حيث لم توفر لهذه المستشفيات احتياجاتها من معدات وأدوات فنية وغيرها من ضرورات العمل، إلى جانب الاستحقاقات المالية وتحسين ظروف الكادر الطبي بالقدر الذي يجعله يترك الجشع الذي أصبح سمة مميزة لبعض الأطباء الذين يسعون لزيادة دخلهم والتكسب المادي من خلال عياداتهم الخاصة على حساب صحة مرضاهم في المشافي العامة. هذا الأمر يجعلنا نلفت النظر إلى أن الأخطاء الطبية واقع عاشته أكثر بلدان العالم ضبطاً واهتماماً بالإنسانية حسبما يدَّعون، ففي بريطانيا تعد الأخطاء الطبية السبب الثالث للوفاة بعد السرطان والسكتات القلبية، وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية إن الأخطاء الطبية السبب الثامن للموت، وكذلك في روسيا يذهب ضحيتها سنوياً ما يقارب «50» ألف شخص بينما ضحايا حوادث السير أقل من «35» ألفاً، إذن الأمر غير مقتصر على الحالة السودانية، وإنما هو جرس إنذار مبكر من خلاله يمكن استعادة الثقة في المشافي والكوادر الطبية السودانية إذا توفرت المطلوبات التي كانت سبباً للقصور، عندها يمكن للحكومة أن تسن تشريعات جديدة أكثر ضبطاً، وأن تُفعل القوانين الموجودة في الأصل ليتحاكم عندها الجميع، وإن كانت قناعتي الشخصية في مزاولة مهنة الطب بالذات أن يكون حساب الضمير الإنساني هو الأهم والأجدر على التنبيه، بدلاً من الغرامات المالية والمحاسبة والملاحقات الإدارية، وهذا لا يمنع سن قوانين ولوائح مثل بقية دول العالم، وهناك نماذج كثيرة ففي سوريا حددت المادة «66» من القانون «31» المتضمن التنظيم النقابي للأطباء البشريين في الدولة على وجود مجلس تأديبي في كل فرع بالمحافظات يتولى محاكمة الأطباء المخلين بواجباتهم المهنية والسلوكية، وأن المجلس مؤلف من خمسة أعضاء يتمثلون في رئيس المجلس وهو بمرتبة قاضي إبتدائي يسميه وزير العدل ومعه طبيب من وزارة الصحة «عضواً» إلى جانب ثلاثة أطباء من مجلس فرع الطبيب المخالف «أعضاءً»، وهذا المجلس فيه بنود تَفرض بحق الطبيب المخالف عقوبات سلوكية متدرجة حسب الحالة، نحن هنا في السودان ربما لدينا قوانين ولوائح ولكنها غير مفعلة لجهة أن القصور مشترك، وإذا كان كل شخص قد سد ثغرته ولم يترك لمن دونه فرصة للتسريب والتجاوز لما حدث الذي ظل يحدث كل يوم في مستشفياتنا وراح ضحيته العشرات والأخطر من ذلك سوء السمعة.!