أثبتت دراسة علمية أجرتها منظمة الصحة العالمية عن الأخطاء الطبية في السودان ان المضاعفات الخطيرة التي تسبب الاعاقة أو فقدان الحياة كانت بنسبة 40 % وأكدت الدراسة ان 86 % من تلك الحالات كان يمكن تحاشيها بل وتفادي حدوثها ، وكانت تهدف هذه الدراسة إلى تقدير حجم الأخطاء الطبية بالسودان فتمت مراجعة 3977 مريضآ تم إختيارهم عشوائياً من بين 80119 دخلوا ستة مشافي سودانية أربعة منها عامة وواحدة للأطفال وأخرى لأمراض النساء والتوليد واستخدمت الدراسة عينة غير إحتمالية وكانت نسبة الأخطاء 5.5 % - 30 % منها بسيطة . ولا ضير ان نأخذ معنا بعض الأخطاء التي وقعت على مرضى ليس على سبيل الحصر ولكن لكي يستدل بها القراء حقيقة الأزمة . السيدة وديان التي دخلت مستشفى بحري وهي في حالة مخاض لتضع مولودتها ومع صرخة الطفلة سقطت الطفلة ارضاً واصطدم رأسها مما أدى إلى اصابتها بتلف في خلايا المخ و بشلل دماغي وترجع السيدة وديان سقوط طفلتها إلى الطبيبة التي كانت مشغولة اثناء العملية بأشياء أخرى كما تدعي السيدة في مذكرة دعواها التي رفعتها إلى مجلس التخصصات الطبية واوصلتها إلى القضاء ورئيس الجمهورية ولم يبن لها حق حتى يومنا هذا . وطبيب يجري عملية ولادة لسيدة داخل صندق عربته بمنطقة قري بعد ان وجد غرفة العمليات الوحيدة بمستشفى الصداقة مغلقة للصيانة . وفاة طفل اثناء عملية ختان بسبب جرعة بنج زائدة بمستشفى أمدرمان . وفاة ثلاثة مواطنين بمستشفى بحري بسبب عدم توفر الأكسجين . وموت الطفلة اسراء ذات ال 11 عاماً بعد رحلة كلها أخطاء بدأت من الشرق إلى الخرطوم . قضية الطفل عاصم الذي أجريت له أكثر من عملية في الساق ونتج عن ذلك شلل تام . وهذه بعض الحالات التي وجدت صدى في الإعلام ومؤكد ان غيرها لم يجد حظه من الأضواء وأكتفى ذووهم بتسليم الأمر لرب الأمر . كل هذه الأسر مكلومة وينتابها شعور مرير لما أصاب فلذات أكبادهم من المرضى نتيجة الأخطاء الطبية الفادحة والغالبية من هؤلاء رفعوا شكاوي ضد الأطباء والطبيبات الذين تسببوا في هذه الحالات إلى المجلس الطبي للتخصصات الطبية ومنه إلى الجهات العدلية بعضها انصف والباقي في طريقهم للإنصاف . كثرت في الآونة الأخيرة قضية الأخطاء الطبية ومعروف عالميا وقوعها حتى في البلدان المتقدمة ولكنها تقل لدرجة الندرة وتكثر في دول العالم الثالث والسودان ليس ببعيد عن هذا العالم ولعل البعض شاهد قبل أكثر من شهر حلقة على قناة النيل الأزرق عن هذه الأخطاء و جمعت المجلس الطبي للتخصصات الطبية ونقابة الأطباء وذوي مرضى ومراقبين ، وذهلت لتقرير مبسط أكد ان الأخطاء المسجلة حتى الآن 1080 حالة وعام 2012 م لم ينتهِ بعد ، وهذه الاخطاء ناتجة في المقام الأول عن التشخيص وبعض هذه الحالات فقد الحياة وبعضها فقد العافية ومنهم من خرج بمرض مزمن وكلها حكاوي تدمع لها العيون بمجرد رؤيتها أو سماع تفاصيلها . ولا يمكن بأية حال من الأحوال ان نكون غير منصفين ونرمي باللائمة على الأطباء والطبيبات فقط رغم عدم اعفائهم من المسؤولية أيا كان شكلها ، فهناك جملة اسباب لها دور أساسي في تردي الحالة الصحية بالبلاد والتي بموجبها تنعكس على التشخيص وتقع الأخطاء ، الطبيب في كل انحاء العالم يقضي دوام 8 ساعات وفي بعض الدول أقل اما في مشافينا يقضي الطبيب أكثر من 8 ساعات وفي بعض الأحيان قد تصل إلى 12 ساعة كما ان هناك هوة كبيرة بين فئة الاستشاريين والاخصائيين فهم الأكثر تسيبا في العمل بسبب الخلط بين دوام المستشفى الحكومي والعيادة الخاصة فلا يقضون فترة دوام عملهم كاملة لذا تجد ورود حالات تصل مرحلة الخطورة وتكون مستعجله جداً ليتعامل معها شخص غير متخصص وقد يصيب أو يخطيء ، وقد شن عدد كبير منهم حملة منظمة ضد وزير الصحة لإقالته من المنصب بعد ان اصدر قرارا منع فيه العاملين في المستشفيات الحكومية من التواجد داخل العيادات الخاصة اثناء دوامهم الرسمي. ثم ان خريجي كليات الطب باتوا باعداد كبيرة وبالمقابل تكون الدولة مغلولة اليد ولا تصادق على ميزانيات الصحة وتعيين الاطباء بينما تبسط يدها كل البسط في الصرف العسكري والأمني والدستوري ، كما لا يوجد توسع في المشافي وتوزيع صحيح لها عبر دراسات واغلب الموجود من المستشفيات متكدس بالعاصمة على قلته حتى أصبحت الولايات بلا خبرة صحية ولا طبية ثم قلة التدريب والتأهيل بالداخل والخارج وإنعدام البنية التحتية السليمة والنقص الحاد في المعدات والأجهزة الطبية والنقص في الكادر الطبي المساعد مقابل كل خمسة أطباء هناك سستر واحدة وهذه أزمة تعد كبرى فالتمريض ساعد يمين للطبيب ، وايضا دخول التسييس في الحقل الصحي وكلها أزمات متداخلة ومتشعبة تؤدي إلى بيئة غير صالحة يسودها عمليا طابع نفسي سيء للغاية مما يجعل سوء التشخيص بهذا الحجم والمستوى . ملائكة الرحمة نقول عنهم انهم بخير وهذه المهنة في المقام الأول إنسانية وتحتاج من الجهات ذات الصلة بالقيام ان تعالج مشاكلها وتوفر لها المعينات والحلول كافة وما يؤسف له انه في الفترة الأخيرة تعرض عشرات الأطباء والطبيبات للضرب المبرح اثناء تأدية واجبهم المهني من قبل مرافقين للمرضى ، وينتج هذا التحرش نتيجة وصول الطبيب متأخراً وحالة المريض تتأخر أو يتوفى على يده . مما دعا قبيلة العاملين بالحقل الطبي لمطالبة الجهات المختصة بتوفير الحماية لهم اثناء العمل ، بالفعل هناك أزمة ثقة بين المريض والطبيب وإذا فقدت هذه الثقة جملة وتفصيلاً فهذه أزمة كبرى للغاية وعندها نفقد جزءً هاماً من العلاج . لابد للدولة ان تعي دورها وعلى الإعلام تبصيرها بمواطن الخلل وإن كانت تعلمها فعلى القائمين على أمر صحة المواطن القيام بأدوار أكثر إيجابية فالبيئة الحالية جعلت الأطباء يهاجرون باعداد كبيرة للعمل بالخارج وجعلت القادرين من المرضى يسافروا للعلاج خارج السودان ومن يتعالج بالداخل ليس امامه غير المستشفيات والمستوصفات الخاصة بينما الفقراء لا ملاذ لهم غير التكدس داخل عنابر مهترئة ومتسخة، تتهددهم الأخطاء الطبية تتهدهم وتتجهم في وجوههم الرعاية الصحية وكم من شخص مات ولم يجد مستشفى وكم من شخص مات وهو في طريقه لها وكم من مات لعدم وجود العلاج والأكسجين وغيره ، واللهم انا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه .. ٭المملكة العربية السعودية