تزامن دخول القوات الكينية للأراضي الصومالية هذا الأسبوع مع أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها البلاد منذ الاستقلال فى عام 1963م، حيث تدنى سعر العملة الكينية «الشلن» إلى أدنى مستوى لها، حيث بلغ سعر الصرف للدولار مقابل الشلن حوالى 104، وزاد معدل التضخم من 49.3% فى يناير 2011 الى17.32% فى أكتوبر 2011م، وانخفضت قيمة العملة بنسبة 27% وزادت أسعار المحروقات والمواد الغذائية والكهرباء بصورة غير محتملة للسواد الأعظم من الشعب. ويشير أحد المحللين إلى أن أداء الاقتصاد الكيني كان الأسوأ هذا العام منذ الاستقلال، فالرئيس الحالي كيباكي يعتبر من أميز الخبراء الاقتصاديين في المنطقة، فقد تخرج في جامعة ماكريرى فى عام 1955م، ونال دراسات عليا في كلية الاقتصاد بجامعة لندن، وساهم بوصفه وزيراً للاقتصاد في حكومتي كينياتا وموي في تطوير الاقتصاد الكينى إلى مرحلة الصناعة والتصدير بتحفيز الاستثمار والصناعة التحويلية، وظل هذا النجاح ديدنه حتى عام 2007م خلال فترة حكمه الأولى، حيث بلغت نسبة النمو في تلك الفترة حوالى 7%، وتراجعت هذه النسبة بعد الاضطرابات التي شهدتها البلاد خلال فترة الانتخابات في عامي 2007 و2008م، وبالرغم من الاتفاق السياسي الذي رعاه الأمين السابق للأمم المتحدة كوفي عنان بدعم من الاتحاد الإفريقي والغرب الذي قضى بتقسيم السلطة بينه وبين غريمه رئيس الوزراء الحالي أودينغا وسن دستور جديد يراعي حقوق كل الإثنيات، إلا أن الحقيقة المؤكدة أن كل هذه التسويات لم تحرك جمود الاقتصاد الساكن الذي يعتمد بنسبة كبيرة على الهبات والمعونات الخارجية، حيث يشكل العجز التجاري هاجساً يؤرق كل من يدير دفة هذا الاقتصاد، فقيمة الصادرات الزراعية واللحوم والمعادن بدون إيرادات السياحة لا تتجاوز ال 400 مليون دولار، بينما تبلغ قيمة الواردات حوالى 4 مليارات دولار، وشهدت كينيا أسوأ موجة جفاف هذا العام ضربت معظم الأقاليم الكينية خاصة الشرقية منها، مما أدى إلى المزيد من الانكماش في الاقتصاد وحدوث فجوة غذائية في معظم أنحاء البلاد ونفوق نسبة مقدرة من المواشي ونزوح الآلاف من الصوماليين لداخل كينيا مما سبب ضغطاً هائلاً على موارد البلاد. ويثير تدخل الحكومة الكينية في الأراضي الصومالية بدعوى مطاردة المتشددين من جماعة الشباب الصوماليين والمتهمين باختطاف واغتيال إحدى المواطنات الفرنسيات، واختطاف اثنين من العاملين الأسبان في معسكر داداب على الحدود الكينية الصومالية، يثير العديد من التساؤلات المحرجة للحكومة والجيش الحكومي المعروف بابتعاده عن الصراعات الإقليمية والتزامه بالحيادية في معظم الأحيان، حيث يرى معظم المراقبين أن هذا التدخل قد يجر كينيا إلى مستنقع الصومال الذي فشلت فيه أمريكا وإثيوبيا من قبل، كما سيقود البلاد إلى كوارث وعمليات إرهابية كما حدث في كمبالا في بداية دخول القوات الأوغندية المشاركة في قوة حفظ السلام الإفريقية للصومال عندما هاجم الشباب بعض المواقع داخل كمبالا، ويبدو أن هذه المخاوف لن تكون بعيدة عن الحسابات لكل الأطراف بعد إعلان الشيخ طاهر عويس أحد زعماء الشباب الصوماليين أن كل الأهداف داخل كينيا ستكون مشروعة للمجاهدين إذا لم ينسحب الجيش الكيني من الصومال. ورغم إدعاء الحكومة الكينية بأن هذه العملية محدودة وقد جاءت على خلفية اختطاف العمال الأسبان إلا أن أهداف العملية في ما يبدو تتجاوز هذا الهدف المذكور، حيث تعمل الحكومة الكينية على خلق منطقة عازلة داخل الصومال لمنع الشباب الصوماليين من دخول الأراضي الكينية، وتطهير المنطقة حتى ميناء كيسمايو من القراصنة الصوماليين. وتشير الشواهد إلى وجود تنسيق كيني إثيوبي مع حكومة شيخ شريف في هذه العملية، فقد التأم شمل الثلاثة أطراف في مقديشو يوم 19 أكتوبر الماضي في اجتماع ضم وزراء الدفاع والخارجية للتنسيق لهذه العملية العسكرية، ويظل الخطر الصومالي على كينيا كبيراً حيث تشكل الإثنية الصومالية حوالى 30% من جملة سكان البلاد، واستمرار نزوح اللاجئين الصوماليين لداخل كينيا ظل هاجساً مؤرقاً للحكومة الكينية من احتمال حدوث عمليات إرهابية انتقامية قد تؤدي إلى شل حركة الاقتصاد الضعيف الذي فشلت الحكومة الكينية بشهادة المراقبين في التعاطي معه بايجابية بتقديم حلول جذرية لإخفاقاته، خلاف البحث عن المنح والقروض، ووضع سياسات تعيد التعافي إلى العملة المتداعية والحركة الى عجلة الاقتصاد الضعيف، إلا أن الحكومة سارت في طريقها المعهود لمعالجة هذه الأزمات بدعوة الرئيس كيباكي لصندوق النقد الدولي لتقديم قرض عاجل بقيمة 350 مليون دولار لبلاده لمواجهة تداعيات انخفاض الشلن الكينى. وعلى إثر هذه الدعوة زارت رئيسة صندوق النقد الدولى نيروبي يوم 20 أكتوبر الماضي لمناقشة الطلب الكينى وتقديم بعض الإرشادات لتحفيز الاقتصاد. ويرى الكثير من المراقبين أن معالجة هذه الأزمات الاقتصادية والسياسية ستكون بمثابة امتحان لكل من المترشحين لانتخابات الرئاسة فى عام 2012م، فرئيس الوزراء الحالي راييلا أودينغا المرشح الأوفر حظاً لهذه الانتخابات سيكون عرضةً لامتحان عسير سيكون عبوره سبيلاً لفوزه في هذه الانتخابات. وبالرغم من تشكيله لخلية عمل اقتصادية من خيرة رجال الاقتصاد لوضع الحلول الناجعة لتحريك عجلة الاقتصاد وتلافي أية اضطرابات اجتماعية وسياسية قبل الانتخابات، إلا أن أداء حكومته كان دون الطموح بشهادة المراقبين، وظلت الأزمة تراوح مكانها ومازال الانكماش قائماً، وهناك ندرة العديد من السلع الأساسية مثل السكر والذرة الشامي، كما عكس الأداء الضعيف لوزير الخزانة الكينى اوهورو كينياتا بن الرئيس الراحل جومو كينياتا والمرشح الحالي لانتخابات الرئاسة القادمة، الاضطراب السياسي والاقتصادي الذي تعيشه كينيا، فالأخير ظل مشغولاً بأزمته الشخصية مع المحكمة الجنائية الدولية التي وضعته ضمن لائحة الاتهام من بين ستة كينيين بوصفهم مخططين ومنفذين لأحداث العنف خلال انتخابات الرئاسة لعام 2007م التى راح ضحيتها ما يربو على الألفين من الأرواح، وقد عاد أخيراً من لاهاي بعد أن استمعت المحكمة إلى إفادته فى هذه الأحداث. ورغم إعلانه عن رغبته في خوض الانتخابات القادمة، ألا أن مستقبله السياسي سيكون مرهوناً بما تفضي إليه قرارات المحكمة الجنائية في لاهاي. ويبدو أن تدني أداء الاقتصاد يكون عادة مرتبطاً بالحراك السياسي الكثيف قبل الانتخابات، ففي كل مرة تسبق الانتخابات تتحرك البؤر الساكنة في المجتمع الكيني منذرة بالاضطرابات، وتتعالى أصوات الكادحين منددة بارتفاع أسعار السلع الغذائية والفساد المستشرى في البلاد والعطالة، بينما يطنب الساسة في الوعود بحلول سحرية لكل هذه المشكلات، ولكن ليس قبل نهاية الانتخابات وضمان أصوات الناخبين.