Mahjoub Basha [[email protected]] صدر عن السيد كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة ومبعوث الاتحاد الأفريقي لمراقبة الانتخابات الكينية تصريح مثير للجدل ألقى بالكثير من الزيت على نار الحملات الانتخابية المحتدمة. نصح السيد عنان في تصريحه للبي بي سي الناخبين الكينيين بعدم التصويت لمرشحين مطلوبين بواسطة المحكمة الجنائية الدولية. وعندما سألت المذيعة المتحدث إن كان يعني مرشحين بعينهم طالبة تحديد أسمائهم ، رفض السيد عنان أن يفصح عن ذلك متمهاً المذيعة بأنها تحاول في الواقع أن تنسب إليه ما لم يقله. غير أن معنى تصريح عنان لا يخفى على متابعي الانتخابات الكينية ، فالمعروف أن أوهورو كينياتا المرشح لرئاسة الجمهورية ونائبه المقترح وليام روتو مطلوبان بواسطة المحكمة الجنائية الدولية لاتهامات تتعلق بأحداث العنف القبلي التي أعقبت الانتخابات الكينية في عام 2007. رأى بعض المراقبين أن تصريحات كوفي عنان تصب في صالح المعسكر الآخر الذي يتزعمه رئيس الوزراء رائيلا أودينقا وتؤثر على فرص كينياتا وروتو في الفوز. حاول السيد عنان أن ينأى بنفسه عن التفسيرات التي وردت في عدد من أجهزة الإعلام الكينية ، فصرح بأنه لا يرغب بالتدخل في الشئون الداخلية لكينيا وأن الهدف من تصريحاته كان مصلحة كينيا في المقام الأول. ومضى ليؤكد اعتقاده بأن الناخبين الكينيين لا يرغبون في رؤية بلادهم معزولة عن المجتمع الدولي ، وأنه ليس من مصلحة كينيا أن يكون رئيسها منبوذاً في دوائر صنع القرار على المستوى الدولي. وحسب ما هو معلوم فإن محاكمة كينياتا وروتو أمام المحكمة الجنائية مخطط لها أن تكون في أبريل القادم ، أي بعيد الانتخابات العامة في كينيا. سبق أن أعلنت المحكمة الجنائية الدولية في مطلع هذا العام أنها تطلب مثول الرجلين أمامها بسبب مشاركتهما في أحداث عامي 2007 و2008 التي أدت لمقتل وتشريد الآلاف. وقد كان قرار المحكمة في ذلك الوقت المبكر بمثابة إلقاء حجر في البركة الساكنة حيث لم تكن التحالفات الانتخابية قد وضحت عندئذٍ. وقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية تحركات محمومة لتكوين الأحلاف الانتخابية ، كما تمكن معسكر كينياتا من إحراز نصر محدود عندما قام عدد من المواطنين بسحب العريضة التي تقدموا بها للمحكمة العليا والتي دعوا فيها إلى إعلان بطلان ترشيح المتهمين في قضايا العنف القبلي. غير أن هذا النصر كان محدوداً حيث قام المركز الدولي للصراعات والسلام بتقديم عريضة اخرى بذات المعنى للمحكمة العليا. أثبتت أحداث اليومين الماضيين أن تصريحات السيد عنان لم تكن من فراغ ، فقد عقد الرجل اجتماعاً مطولاً مع الرئيس كيباكي قبل أن يدلي بتصريحاته ، ويعتقد البعض أن كوفي عنان لا بد وقد أطلع الرئيس الكيني على وجهة نظره. ولأن الولاياتالمتحدة تبدي اهتماماً كبيراً بالانتخابات واستقرار الأوضاع في كينيا ، فإن البعض ربما ذهب للاعتقاد بأن كوفي عنان كان ينقل رسالة واضحة من جانب المجتمع الدولي لتحالف اليوبيل الذهبي الذي يقوده أوهورو كينياتا. وتقول بعض الأنباء أن الرئيس مواي كيباكي تلقى من الاستخبارات الكينية الشهر الماضي تقريراً مزعجاً عما يمكن أن تتعرض له سمعة البلاد ووضعها على الساحة الدولية في حالة فوز كينياتا برئاسة الجمهورية. يشير التقرير للأوضاع السياسية والاقتصادية السيئة التي يمكن أن تواجهها البلاد خاصة وأن فوز كينياتا وروتو سينعكس دون شك على علاقاتها بالمجتمع الدولي والدول المانحة بصفة خاصة. وتقول الأخبار كذلك أن كينياتا يتعرض حالياً لضغوط هائلة من بعض الجهات للتنازل لصالح نائب رئيس الوزراء موساليا مودافادي والذي كان حتى وقت قريب في المعسكر الآخر وانضم قبل أقل من شهر لتحالف اليوبيل الذهبي. غير أن كينياتا بدا رافضاً لهذه المحاولات وقد حصل موقفه هذا على دعم عشرات النواب الذين هددوا بالانسحاب من التحالف والانضمام للجانب الآخر إذا تم اختيار مودافادي مرشحاً للرئاسة عن التحالف. ويقول هؤلاء أن كل ما يجري هو مناورات مرفوضة من جانب حزب "كانو" الذي يرأسه رئيس الجمهورية مواي كيباكي والذي يحاول التشبث بالسلطة بعد أن حرمته نصوص الدستور من ترشيح نفسه لفترة ثالثة. أما كينياتا نفسه فقد أكد أنه لن ينسحب من المنافسة مهما كانت الضغوط التي وصفها بأنها محاولات يائسة لإضعاف التحالف الذي يقوده. وقال في تصريحات للإعلام أنه لن يتراجع عن ترشيح نفسه للرئاسة إلا إذا قرر المؤتمر العام للتحالف اختيار شخص آخر لتمثيله في انتخابات رئاسة الجمهورية. تأتي هذه المناورات والمماحكات السياسية في الوقت الذي تشهد فيه كينيا الكثير من التوتر الأمنى القائم على الخلافات القبلية والإثنية ، مما حمل الكثير من المشفقين على وضع ايديهم على قلوبهم خوفاً من تكرار أحداث العنف القبلي التي عاشتها البلاد بعد الخلاف الشهير حول نتائج الانتخابات الرئاسية في عام 2007. فبالرغم من النجاح الباهر الذي أحرزته القوات الكينية التي انضمت لقوات حفظ السلام الأفريقية في الصومال "أميصوم" والانتصار الكبير الذي أحرزته بتحرير ميناء كيسمايو من قبضة حركة الشباب المجاهدين ، إلا أن هذا الانتصار لم يكن دون ثمن. قامت حركة الشباب المجاهدين ببعض العمليات داخل الأراضي الكينية انتقاما للدور الذي قامت به القوات الكينية في كسمايو ، غير أن هذه العمليات المحدودة انعكست بصورة سيئة على علاقات الأقلية الصومالية داخل كينيا ببقية مكونات المجتمع. كان الكينيون من أصول صومالية يشكون أصلاً من المعاملة السيئة التي يلقونها من أجهزة الأمن الكينية ، غير أن الأمور تطورت في الآونة الأخيرة إلى مصادمات يومية تقريباً في منطقة إيسلي التي تقطنها أقلية كينية من أصول صومالية داخل العاصمة نيروبي. كما شهدت منطقة شمال شرق كينيا المتاخمة للصومال العديد من المصادمات بين الكينيين من أصول صومالية وقوات الأمن الكينية. هذا فضلاً عما شهدته منطقة دلتا نهر تانا من صدامات قبلية ، والتوتر في منطقة ممباسا والساحل حيث ظهرت للوجود حركات تدعو لانفصال الساحل من كينيا بدعوى أنه كان يتبع قبل وصول الاستعمار البريطاني لسلطان عمان ، وأنه ضم إلى كينيا قسراً بواسطة الرئيس جومو كينياتا بعد الاستقلال. أدت هذه الأحداث المتعاقبة ، بالاضافة لكشف وهن النسيج الاجتماعي الكيني ، إلى قلق متزايد بشأن أداء اجهزة الأمن الكينية ، حيث فقد العشرات من رجال الشرطة أرواحهم في كمين نصبه لهم بعض لصوص الماشية ، كما عجزت الشرطة عجزاً بالغاً في مواجهة الصراع القبلي حول المرعى والماء في منطقة دلتا نهر تانا بالرغم من المعلومات التي كانت متوفرة عن الأحداث قبل فترة من وقوعها. وإذا ما أضفنا لذلك العمليات الانتقامية ضد المواطنين العزل من جانب القوات المسلحة الكينية بعد هجوم تعرضت له هذه القوات في شمال شرق كينيا ، فإن من حق المواطن الكيني أن يبدي الكثير من القلق بشأن العنف الذي قد يرافق الانتخابات القادمة. ومما يزيد من القلق أن بعض النواب البرلمانيين والسياسيين كانت لهم أدوار مشبوهة في هذه الأحداث. ليس غريباً إذن أن يهتم المجتمع الدولي بالانتخابات الكينية وما يمكن أن ينتج عنها حيث كشفت الكثير من المنظمات الدولية والإقليمية عن خططها لمتابعتها حتى لا يتكرر ما حدث في الماضي ، كما أن عدداً من الدول ومن بينها الولاياتالمتحدةالامريكية وعدت بتقديم كل مساعدة ممكنة لضمان سلامة الانتخابات. وفي خضم هذا القلق والمناورات السياسية تضيع الكثير من معالم البرامج الانتخابية للمرشحين ، فنجد أن معظم الجدل يدور حول أشخاص المرشحين وربما انتماءاتهم القبلية وليس برامجهم الانتخابية. ومع قلة المادة المتوفرة فإن ما رشح عن المرشح الأوفر حظاً في الفوز وهو رئيس الوزراء رائيلا أودينقا في مجال سياسته الخارجية قد يوحي بأن العلاقات السودانية الكينية تحت رئاسته قد تفقد روح التعاون التي صبغت فترة الرئيس مواي كيباكي. فالمعروف عن أودينقا علاقاته المتينة مع الغرب ، حتى أن منافسية يتهمونه بلعب دور كبير في خلق المشاكل لهم مع المحكمة الجنائية الدولية. ولعل التصريح الوحيد الذي رصدناه للمرشح عن السودان هو قوله بعد عودته من رحلة للولايات المتحدة في مايو الماضي أن على المجتمع الدولي الضغط على السودان لوقف أعماله العدائية ضد الجنوب ، واصفاً الجنوب بأنه ضحية لسياسات الشمال.