كانت جامعة الخرطوم في سبعينيات القرن الماضي ومنتصف الثمانينيات تسمى الجميلة ومستحيلة، جميلة في معمارها وهندستها، ومستحيلة لأنها لا يدخلها طالب «أي كلام»، فكل من تم قبوله بالجميلة ومستحيلة هو طالب مميز منضبط في سلوكه وتصرفاته ويشار إليه بالبنان وسط مجتمعه، لكن جامعة الخرطوم في عهد ثورة التعليم العالي أصبحت لا جميلة ولا مستحيلة، مثلها مثل أية جامعة نائية في بلادي، تخرج طلاباً بدرجة بكالريوس لا يفرقون بين الغين والقاف ولا بين الذال والزاي. لقد شهدت جامعة الخرطوم الأيام الماضية أحداثاً دامية بين الطلاب أدت لإصابة حوالي «17» طالباً بينهم من طعنته خطيرة. وتبادل طلاب المؤتمر الوطني وأحزاب المعارضة الاتهامات بشأن الاعتداءات. لكن الحديث الذي اعتبره خطيراً هو الذي أدلى به أمين الدائرة السياسية للمؤتمر الوطني النعمان عبد الحليم حيث قال إن هناك مكاتب لبعض الدكاترة تستغل لتخزين الأسلحة. لم يقل الطلاب، بل قال أساتذة الجامعة وليته لم يتفوه بذلك. أذكر أننا دُعينا قبل عام تقريباً لحضور ندوة بجامعة الخرطوم وكانت معي الزميلة فاطمة غزالي، وعند مدخل الجامعة سمح لي الحرس بالدخول ومنع غزالي بحجة أنها ترتدي بنطالاً، نعم كانت ترتدي بنطالاً لكنه هل مشين أم خادش للذوق العام أم...؟ رفض السماح لفاطمة وانصرفنا. الشاهد في الحديث أن الحرس في جامعة الخرطوم يبحث عمن تلبس بنطالاً، بينما مكاتب الأساتذة تخزن فيها الأسلحة لأنهم في اعتقادهم أن من ترتدي بنطالاً تهدد الطلاب أكثر من الذي يدخل السلاح إلى مكاتب أساتذة الجامعة. وبلا شك أن ما يجري من عنف هذه الأيام في الجامعة ينم عن عدم وعي لدى الطلاب، ويؤكد أن الأحزاب السياسية أصبحت بعيدة عن الشباب والطلاب لأنه لا يعقل أن يكون هناك حوار دائر حول قضايا الوطن بين كل المكونات السياسية عدا الحركات المسلحة وأحزاب اليسار التي يفترض أن طلاب تلك القوى يكونوا ملزمين ويأتمرون بما تنزله أحزابهم عليهم من برامج، وإلا سنقول إن أولئك الطلاب ينتمون للأحزاب الرافضة للحوار وهذا غير وارد. طلاب جامعة الخرطوم والطلاب عموماً أصبح التحصيل الأكاديمي ليس هماً لهم، ليس الطلاب وحدهم وإنما أساتذة الجامعة أنفسهم الذين يفتحون مكاتبهم لتخزين السلاح بحسب ما أشار مسؤول الطلاب بالوطني.