يمكن لمن يريد التعرف على جذور الرؤية الراهنة التي ينطلق منها د. غازي صلاح الدين العتباني فيما يتعلق بالمشاركة والمساهمة في الحراك الحالي والجاري حول الحاجة الملحة والاعتبارات الضاغطة من أجل المسارعة بالدخول في حوار وطني جدي إضافة إلى الدعوة لإجراء إصلاح سياسي شامل وجذري للوضع المذري والمتردي والمأسوي الذي تعانى منه البلاد، وذلك بهدف وأمل الخروج منه وتجاوزه بمعالجة ناجعة.. أن يعود إلى ورقة سابقة أعدها د. غازي وطرحها للمناقشة المفتوحة حولها، وقد كانت متعلقة بالحاجة للاستفادة من العبر والدروس المستخلصة من التجربة بالنسبة للحركة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة، وما حدث لها في واقع الممارسة على الصعيد العملي والفعلي والمستوى النظري بناء على انفعالها بواقعها الداخلي ومحيطها الخارجي الوطني والإقليمي والدولي وتفاعلها وتعاملها مع ذلك كله بصفة عامة، وأثناء الفترة الماضية منذ نجاحها في الوصول إلى سدة الحكم والسلطة القائمة في السودان والهيمنة على مقاليد الحكم بسيطرة منفردة بدأت بانقلاب ثوري مدني وعسكري قامت به في العام 1989م واستمرت منهمكة ومنشغلة بالذي نتج عنه ونجم منه حتى الآن. وكان د. غازي قد أعد تلك الورقة وطرحها للمناقشة في بداية النصف الثاني من العقد الماضي، ومن المؤسف أنني لا أمتلك نسخة منها في الوقت الحالي حيث كنت قد أخذتها معي في هجرة إلى العاصمة المصرية القاهرة في العام المنصرم «2013»، ثم فضلت أن احتفظ بها هناك مع كثير غيرها بأمل العودة إليها في فترة وربما في هجرة لاحقة وفقاً لأقدارنا المسطرة والمشيئة الإلهية الحاكمة لها. بيد أن الذي يمكنني أن أشير إليه وأعمل على عرضه في الوقت الحالي، وفيما يتعلق بما أرى أنها عبارة عن الرؤى الجذرية المعبرة عن الجذور التي ينطلق منها د. غازي في الذي يقوم به الآن من نشاط وحراك في إطار الحوار الوطني وسياقه الداعي والرامي إلى إجراء الإصلاح الجذري المطلوب والمأمول والمنشود، فهو العودة إلى مقالاته اللافتة التي كتبها ونشرها في الصحف الصادرة بالخرطوم عام 2007 ثم جمعها ونشرها كدراسة ورؤية كاملة ومتكاملة في مجلة «أفكار جديدة» الفصلية الدورية التي كانت تصدر عن هيئة الأعمال الفكرية بالخرطوم وذلك في عددها الثامن عشر الصادر بتاريخ مارس يونيو 2007م. وقد كانت المقالات العميقة المشار إليها والتي جاءت لافتة لدى نشرها في تلك الفترة المتزامنة مع مقالات نقدية عميقة أخرى كتبها ونشرها آنذاك البروفيسور التجاني عبد القادر بعنوان «صورة لمستقبل السياسة السودانية».. وتحت عنوان: هل ينبغي أن تنشأ حركات وأحزاب سياسية جديدة؟ ذكر د. غازي أنه ما من شيء أعسر منالاً، ولا أخطر مأخذاً، ولا أريب ناتجاً من أن يتولى المرء تغيير الأوضاع القائمة «فعلى الذين يقودون التغيير أن يتوقعوا عداوة شرسة من خصومهم المستفيدين من الأوضاع القائمة، كما أن عليهم أيضاً ألا يتوقعوا سوى حماسة فاترة ومتشككة من مناصريهم المحتملين «وذلك على النحو الذي ورد في هذه المقولة المنسوبة لنيكولو مكيافيللي». ويشير د. غازي إلى أن التاريخ يصدق مكيافيللي، ويضيف: فقد خرج الحسين بن علي رضي الله عنهما بكل ما قد يتاح لرجل من حق ومشروعية دينية وسياسية إلى العراق وفي متاعه رسائل تؤكد أن سبعين ألف رجل سينصرونه بسيوفهم، وبقية القصة معروفة حيث تقلص العدد إلى سبعين فقط صمدوا معه في موقعة كربلاء. لكن من الخطأ الأخذ بهذا القول على إطلاقه. وهذا هو ما سنتوقف عنده غداً في معرض هذا العرض للرؤية الراهنة للدكتور غازي والجذور التي انطلقت منها كما نرى.