أكد الخبير الاستراتيجي بروفيسور حسن مكي أن دعوة الحوار الوطني التي انتهجتها الحكومة لم تحدث أية تغيرات إيجابية على الأوضاع في السودان، مبيناً أنه مع بداية الحوار تفاقمت الأوضاع الاقتصادية.. وتخوف حسن مكي من أن يكون الحوار مسرحاً لاخراج قرارات مبيتة لدى الأحزاب، متوقعاً حدوث ثلاثة سيناريوهات، وقال حسن مكي في هذا الحوار الذي أجرته معه «الإنتباهة» بمكتبه بجامعة أفريقيا إن حزبي الأمة والشعبي لا يستطيعان تغيير واقع السودان لخوفهما على مصالحهما الخاصة. وعن قضايا الفساد الأخيرة أضاف قائلاً إن ما يحدث عبارة عن صراع أجنحة داخل الوطني. وتحدث حسن مكي في هذا الحوار عن الأحداث الدائرة في دولة الجنوب، مبيناً أن الجنوب دخل مرحلة اللا عودة، وهذه وغيرها من المحاور التي عرضناها على البروفيسور حسن مكي، فأجاب عنها بكل وضوح.. فإلى التفاصيل: حوار: آمال الفحل دعوة الحوار الوطني التي انتهجتها الحكومة أخيراً هل تتوقع أن تحدث تغييرات إيجابية على الأوضاع في السودان؟ الآن السودان في محنة وليست هناك أخبار سارة ما عدا الخبر الذي ينص على تمكن قوات الشرطة من ضبط «700» مليون حبة مخدرة، وهذا إنجاز كبير من الشرطة، وفي تقديري يجب أن يُكرم هؤلاء وتوضع على رؤوسهم التيجان، وألا يتم التقييم على الخبر، والآن مع بداية الحوار الوطني تفاقمت الأوضاع الاقتصادية وارتفع سعر الدولار مقارنة بقبل الشروع في الحوار، فهل يمكن بذلك أن نقول إن الحوار انعكس إيجاباً على الأوضاع. كيف تنظر إلى موقف القوى السياسية من الحوار الوطني، خاصة حزب الأمة القومي والمؤتمر الشعبي والحزب الاتحادي؟ قال تعالى: «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا.....الخ» وأنا في اعتقادي أن أي لقاء مهم، لكني أخشى من الأجندة الذاتية، وأن يكون الحوار مسرحاً لإخراج قرارات مبيتة. بعض أحزاب اليسار اتهمت الأمة والشعبي بمساعدة الحزب الحاكم لإخراج مسرحية الحوار الوطني.. كيف تقِّيم ذلك؟ أولاً هذه الأحزاب تحرص على وجود أحزابها وتحرص على تراب هذا البلد، ولكنها تتخوف من استمرار الإنقاذ، فهي الآن لها أكثر من أربعة وعشرين عاماً خارج السلطة، لذلك هم يريدون نصيباً من السلطة، ولكن بالرغم من ذلك سوف تكون الحروب معلقة لأن الانسداد السياسي والبطالة والعجز ليس من أجندتهم، فأجندتهم خاصة وذاتية، فالمؤتمر الاقتصادي الذي أُقيم خير مثال لذلك، فهو عبارة عن مهزلة لافتقاره إلى أوراق علمية وشخصيات لها خبرة. كيف تقرأ الوجه الآخر للمعارضة؟ هذه الأحزاب تعتقد أن هذه هي فرصتها، وندوة الحزب الشيوعي أثبتت ذلك، وأن هذه الأحزاب موجودة، والدليل على ذلك كثرة الأعداد التي جاءت إلى الندوة، وأنا في تقديري أن أي معارض الآن يكسب والحزب الحاكم الآن يتصدع، فالآن خرج غازي وكون حزب الإصلاح الآن، كذلك مجموعة الطيب زين العابدين فهذه المجموعة كانت على صلة بالحركة الإسلامية، والآن هناك تشرذم وتشقق والجهات الحاكمة غير قادرة على الاستئناس. أجمع العديد من المختصين على أن الأحزاب الرافضة للحوار ضعيفة.. ففي تقديرك لماذا يصر المؤتمر الوطني على دعوتها؟ الحكومة الآن ضعفت والمؤتمرالوطني أضعف لأن يحملها إلى دورة جديدة، لذلك تريد أن تشتري دورة جديدة من القوى السياسية الأخرى من الشعبي والأمة، لأن المؤتمر الوطني عندما أجاز وثيقة الإصلاح الداخلية أصبح ليس في مقدوره تولي رئاسة الدولة. هل تعتقد أن المعارضة في المرحلة المقبلة ستنقسم إلى يمين ويسار؟ النخبة أصلاً هي يسار ويمين سواء أكان ذلك في عهد نميري أو غيره، ولكنها تحت الضغط كانت كاتمة، لكن الآن من الأفضل أن تبرز لأنها سوف تؤدي إلى مدافعة. لكن هل انقسام المعارضة إلى يسار ويمين يمثل دافعاً إيجابياً؟ ما يتم من انقسام داخل الوطني أو داخل الأحزاب الصغيرة يكون سلبياً لكن الكيانات السياسية إذا واجهت الحكومة بطريقة سلمية فهذا هو الشيء الإيجابي. طيب ما هي توقعاتك للسيناريوهات في المستقبل؟ الآن توجد ثلاثة سيناريوهات في السودان: السيناريو الأول هو حدوث عمل عسكري، لأن الجيش شعر وأدرك ما يحدث، وأدرك التساهل في الفساد في دواوين الحكومة، كذلك أدرك التساهل أمام المخدرات في شرق السودان، لذلك التمرد والانقلابات والانفجار ليس بعيداً. أما السيناريو الثاني فهو ارتفاع الأسعار وتأزم الوضع المعيشي الذي يجعل الناس يخرجون إلى الشارع في ما يعرف بالانتفاضة، فقد تنتصر الحكومة لكن سوف يكون الثمن كبيراً جداً، أما السيناريو الثالث فهو تبليغ الناس بالإصلاحات، ولكن ليست هناك إصلاحات، وهذا يؤدي إلى فشل ما يسمى الإصلاح، ويقتنع الناس بأن الحكومة تناور وهذا يؤدي إلى إحباط كبير وضغط خارجي. كيف تنظر إلى انعكاسات الحرب الدائرة الآن في دولة الجنوب وتأثيرها في الأوضاع في الشمال؟ الآن الجنوب دخل مرحلة اللا عودة، والآن هو دولة سلاح، والحرب التي كانت بينه وبين الشمال لم تدخل المدن الكبيرة، بل انحصرت في مدن صغيرة مثل كبويتا وتوريت، لكن الآن عكس السابق فالحرب مشتعلة في بانتيووملكالوالرنك ومدينة واو، والآن مدينة ملكال تحولت إلى مدينة أشباح، كذلك مدينة الرنك بكل خيراتها سوف تتحول إلى مدينة أشباح، والبترول أيضاً سوف يتحول إلى نزاع وحرب فيما بينهم. وكيف تقيم دور دول الجوار الإفريقي في ما يدور في الجنوب؟ إفريقيا الوسطى لم تعد دولة، ولكن كبار ضباط الجيش متعاطفون مع دكتور رياك مشار، أما يوغندا فهي متعاطفة ومشتركة في الحرب مع الرئيس سلفا كير. وهل يوجد وجه شبه بين ما يدور في دولة الجنوب وما يدور في رواندا؟ نعم ما يجري الآن في دولة جنوب السودان هو عبارة عن رواندا مصغرة، والآن فاق عدد اللاجئين أكثر من مليون لاجئ، فإذا استمر هذا الحال سوف نشهد حالة رواندا في جنوب السودان.. حرب وإبادة جماعية ومجازر ووفيات بالجملة. لكن الانفصال كان مخططاً من قبل دول أوروبية.. فكيف تنظر إلى موقف الدول الأوروبية تجاه ما يدور الآن في الجنوب؟ الدول الأوروبية الآن حائرة، والآن صرفت أموالاً طائلة على جنوب السودان بمسببات خاطئة، منها المجاملة القنصلية، أما إسرائيل فكانت تسعى لكي يكون حصارها متقدماً حتى في شمال السودان، وكانت هذه الدول جميعها تعمل لأجندتها الخاصة، ولم تترك الجنوب يعمل لأجندته، ولكن عندما حدث لدولة الجنوب ما حدث شعروا بالذنب. ما تم الآن في قضايا الفساد هل تعتقد أنها حكم قضائي أم معالجة سياسية كما وصفها البعض؟ هي صراعات أجنحة داخل المؤتمر الوطني، لكني أشيد بجهود جهاز الأمن السوداني لأنه هو الذي كشف هذا الفساد، كذلك أشيد بالشرطة السودانية لأنها استطاعت كشف فساد المخدرات، كذلك أشيد بالقوات المسلحة لأنها رغم الفساد مازالت تدافع عن حدود السودان وأمنه ومطلوبات سلامه، فما يحدث الآن عبارة عن صراعات أجنحة، وللأسف الشديد الجهاز القضائي أُضعف وكل الاجهزة أُضعفت، فبينما كان المجلس الوطني يتحدث عن التجنيب كان يحدث العكس في العمل التنفيذي. في ظل هذه المتغيرات أين ما يسمى الحركة الإسلامية؟ الحركة الإسلامية غير موجودة. بصراحة هل هي غير موجودة أم مغيبة؟ قولي كما تشائين في ذلك.. فهي غير موجودة.