عندما أقدم جهاز الأمن الوطني على فتح بلاغ ضد رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي متهماً إياه بانتقاص هيبة الدولة وإشانة سمعة قوات الدعم السريع، امتدح البعض الخطوة، مشيرين إلى أنها تفيد انتقال جهاز الأمن من محطة الاعتقال إلى تدوين بلاغ، بينما سخر بعض المحامين السياسيين ومنهم القيادي بالحزب الناصري الوحدوي الاشتراكي ساطع الحاج من الخطوة ووصفها بأنها مجرد محاولة للتظاهر بأن الحكومة دولة مؤسسات، ولم يكن في الحسبان أن يعاود الأمن كرة الاعتقالات مرة أخرى، باقتياد المهدي من داره أمس الأول حوالى الساعة التاسعة إلاّ ربعاً مساء إلى سجن كوبر. اعتقال المهدي يفتح الباب على مصراعيه للتساؤل عما إذا كان هناك تيار بالحزب الحاكم رافض للحوار الذي ابتدره رئيس الجمهورية في نهاية يناير الفائت؟ أم أن الخطوة جرت باتفاق بين الحكومة والمهدي؟. أمسية السابع والعشرون بقاعة الصداقة وبينما كان الجميع بانتظار مقدم رئيس الجمهورية ليلقي خطابه تجاذبت أطراف الحديثة مع الإعلامية والمنتج بفضائية الجزيرة مباشر درة قمبو حول الحوار فأبدت خشيتها من أن القيادات التي تم استبعادها من القصر وغيره من المواقع ستتجه لعرقلة الحوار، فأشرت بذلك إلى مدير وكالة الأنباء السودانية عوض جادين الذي استبعد صحة تلك التوقعات، وتجدر الإشارة إلى تواتر الأنباء التي أخبرت عن اللقاءات التي عقدها النائب الأول سابقاً علي عثمان محمد طه برئيس هيئة التحالف فاروق أبو عيسى، ورئيس الحزب الوطني الديمقراطي خالد عبد العزيز، وفي المقابل هل ينفي ذلك وجود تيار بالمؤتمر الوطني غير راضٍ عن الحوار الذي متى ما اكتملت أركانه وأفضى إلى الغاية المرجوة منه فإن الواقع عندها سيختلف عن اليوم الذي يفيد أن الوطني هو الحاكم بمفرده رغم جوقة ما يسمى ب (أحزاب الوحدة الوطنية)، فضلاً عن التغيير الأكبر ستفرزه الانتخابات التي سيتم الاتفاق حولها لا محالة، وستجري في مناخ مغاير لما كانت عليه في 2010، في هذا السياق يذكر أن المجلس الوطني في جلسته ليوم الأربعاء الماضي انتقد المهدي بشدة في حديثه عن قوات الدعم السريع، متجازواً الموضوع المقرر تناوله سلفا في المجلس، وعندما تقدم رئيس لجنة العدل والتشريع السابق بالبرلمان سليمان الفاضل بنقطة نظام تذكر بموضوع الجلسة وتشير انه لا يجوز للمجلس تناول قضية قيد التحري في النيابة، إلا أن رئيس البرلمان الفاتح عز الدين خاطبه بالقول إن المجلس هو الذي وضع لائحته وأنه أعلى من اللائحة نفسها، ويذكر أن نائب الرئيس حسبو محمد عبد الرحمن قد لفت في مخاطبة بعض لقاءات حزبه الحوار ماض وأنهم لن يلتفتوا للذين يعترضوا الحوار من حزبه، ويشير مصدر آثر حجب هويته أن قيادات الوطني تتباين ما بين قبول الحوار ورفضه، فبعض منها يقدم انتقادات ذاتية للحزب ويدعو للقبول بالآخر واحترام رأيه، والاستعداد للانتخابات القادمة مبكراً لأنها ستكون مختلفة عن سابقاتها، بينما يصف البعض الآخر الاستماع للأحزاب المعارضة عبر الحوار واتاحة الحريات بالفوضى. وبشأن فرضية أن البلاغ وتالياً الاعتقال قد جرى باتفاق بين الحكومة والمهدي، فالتفسيرات التي راجت أن الأولى بصدد رفع أسهم الثاني بعد أن أفل نجمه السياسي مؤخراً، خاصة عقب عودة مبارك الفاضل التي أربكت الحزب على نحو دفعه يغلق أبواب العودة في وجه مبارك بغلظة غير مبررة، خاصة أنه أعلن عدم مما نعته في لقاء المهدي. المهدي في تبريره للبلاغ الذي قيده الأمن في مواجهته قال في مؤتمر صحفي بمنزله عقب عودته من نيابة أمن الدولة التي تحرت معه بالخميس الماضي قال إنه لا يخلو من أمرين، الأول أن هناك قيادات بالوطني غير راغبة في الحوار والحل السلمي لازمات البلاد، لذا أرادوا أن (يطبوا الحوار)، فقصدوني باعتباري قد تبنيت قضية الحوار، أما الثاني فهو أنه ونظراً للمصداقية العالية التي اتحلي بها أرادوا إسكات هذا الصوت، أو على طريقة المثل الشعبي (دق القراف خلي الجمل يخاف). ومعلوم بالضرورة أن المهدي رغم معارضته للنظام إلا أنه كان الحزب المعارض الوحيد الذي كانت له مواقف إيجابية تجاه قضايا شائكة واجهت الحكومة، مثل غزو حركة العدل والمساواة للعاصمة الخرطوم في مايو 2008، وفي مذكرة التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الجمهورية 2009، فضلاً عن أن المهدي أعلن باكراً رفضه لتوجه تحالف المعارضة لإسقاط النظام بالقوة العسكرية، وتفاقمت خلافاته مع التحالف لدرجة تجميد نشاطه في التحالف منذ أكتوبر الماضي، وأخيراً كان الأمة القومي بقيادة المهدي من البدريين في الانخراط في الحوار الذي دعا إليه الحزب الحاكم، بل وله محاولات في دفع الرافضين للحوار إلا بشروط للانضمام إليه. يبقى أنه متى ما صحت فرضية أن ما يجري للمهدي بتدبير من رافضي الحوار بالوطني فيبدو أنهم قد أفلحوا في مسعاهم فهاهو الحزب على لسان أمينه العام سارة نقد الله قد أعلن عقب اعتقال المهدي مباشرة عن وقف الحوار مع الوطني، متهمة الحكومة بالتراجع عن كل وعود الحوار ورجعوها للمربع الأول، فهل سيبقى المهدي قيد الحبس لحين محاكمته أن رئيس الجمهورية سيتدخل في الأمر، باعتباره مبتدر الحوار وراعيه، وفقاً للقيادي بالوطني عبد الجليل النزير الكاروري الذي قال في حديث منشور بالصحف إن الوطني جاد في الحوار لأن الرئيس هو الذي ابتدره.