قبل حوالي أربع سنوات فتحت الهيئة القومية للغابات بلاغاً في نيابة حماية المستهلك، ضد هيئة السلوك الحضري التي يترأسها العميد «م » يوسف عبد الفتاح وذلك لقطعها الجائر للأشجار والنخيل بعدد من محليات الخرطوم حسبما أوردت الزميلة صحيفة «الوطن» آنذاك. وقالت إن رئيس جمعية حماية المستهلك د. شلقامي وعضو جمعية حماية البيئة قد هدد باللجوء للقضاء، لوقف ما أسماه بالحملات الجائرة التي يقودها يوسف عبد الفتاح مستشار والي الخرطوم ورئيس ترقية السلوك الحضري التي نتج عنها ما وصفه بمذبحة الأشجار وحرمان المواطن من الظل الظليل والمشهد الجميل، مشيراً إلى أن تلك الحملة طالت أشجار «دار الحنان» بالقرب من مطار الخرطوم. ولعل هذا الحدث الذي أشارت إليه الصحيفة وقتها، أعاد إلى الأذهان الصورة الذهنية التي رسمتها حملات العميد يوسف عبد الفتاح الميدانية في أرجاء العاصمة المختلفة، ولتقريب الصورة ففي بداية الإنقاذ هبط العقيد آنذاك يوسف عبد الفتاح من طائرة مروحية لتفقد المتأثرين بالسيول وعندما شاهده أحد المواطنين وهو يقفز إلى الأرض بطريقة رياضية قال« عامل زي رابو » الطرفة رواها أكثر من مرة العميد يوسف عبد الفتاح للوسائط الإعلامية المختلفة، فأصبحت لقباً طريفاً لم يتضجر منه العميد، ففي تلك الفترة حيث كان يوسف عبد الفتاح نائباً لوالي الخرطوم واتسم بالعمل الميداني، في معظم ساعات اليوم يتفقد الأفران لضبط المخالفات المتمثلة في الوزن أو عدم صلاحية الصواني المستخدمة، كما يقود حملات تجميل العاصمة والعديد من الخدمات وفي كل هذه المهام كانت الكاميرا التلفزيونية تصحبه و أحسب أن معظم الناس لم يعروفوا اسم الوالي العميد محمد عثمان سعيد رحمه الله في تلك الفترة، فقد كان بزهده المعروف وعدم شبقه للأضواء لم تحركه الغيرة فظل ساكناً يدير مهامه في صمت، بينما نائبه استأثر بالأضواء كلها وإعجاب الجماهير التي طال عهدها بالعمل الميداني المتعلق بمصالحها وهمومها اليومية. وفي تلك الأجواء الثورية ذات الطابع الراديكالي في تلك الفترة المبكرة من عمر الإنقاذ، أخذ العقيد يوسف بصلاحية الوالي بتفويض الثقة والانجاز أن يتخذ بعض القرارات الإيجازية على طريقة المحاكم الميدانية فصادر بعض السيارات وأغلق بعض المخابز، لكن عندما سئل لاحقاً بعد سنوات طويلة من الحدث قال إن طبيعة المرحلة اقتضت ذلك، فقد كانت البلاد تواجه أزمات في البنزين والدقيق بعد أن ورثت وضعاً صعباً من الحكومة الحزبية التعددية، بيد أنه أكد أن القرارات كانت للتخويف وأن كل السيارات تم إرجاعها لأصحابها وأن تصاديق الأفران المتوقفة عادت إليها، لكن لعل ما يستحق التوقف أن تلك الحملات الميدانية التي شنها العقيد عبد الفتاح آنذاك اتسمت بالأداء الفردي في حركة التغيير، ولم نسمع بأن الولاية في تلك الفترة كانت لها إستراتيجية محددة حول هذا الأمر، فهل الصواني التي تم تشييدها من جديد أو العديد من الإصلاحات في المنشآت المختلفة كانت هناك رؤية هندسية أوتخطيطية بشأنها؟، أم أنها اتكأت فقط على خيال العقيد عبد الفتاح، وربما يذكر الكثيرون أن حملات عبد الفتاح الميدانية أطاحت ببوابة السكة حديد الأثرية، والتي خرجت قوات الاحتلال الانجليزي من خلالها نحو قطار السكة حديد الذي أقلها في رحلة الجلاء الأخيرة من الوطن، لكن العقيد استبدلها آنذاك بأخرى والمعروف أن هذه البوابة التاريخية وثقتها الكاميرا السينمائية وجنود الاحتلال يخرجون عبرها من خلال فيلم الاستقلال الشهير، وبالطبع فإن الحملات الإصلاحية التي يقوم بها الآن العميد« م» يوسف عبد الفتاح في أنحاء العاصمة واللمسات الجمالية مطلوبة في حد ذاتها و تعتبر عملاً إيجابياً فالآن العاصمة أكثر ما تحتاج إلى المتابعة الميدانية المباشرة، فالصرف الصحي يستبيح قلب الخرطوم في مرات عديدة في الشهر وربما في الأسبوع وتنفجر أنابيب المياه في العديد من المناطق بالولاية، والعديد من الحفر تتربص بالآمنين، لكن إذا كان التاريخ مطلوب إعادته فيما يختص بهذه المتابعة اليومية الميدانية من سعادة العميد يوسف، فإن حرفية جزئياته المتعلقة باتخاذ القرار الفردي غير مطلوب استنساخها بطبيعة الحال مرة أخرى، بعد حوالي خسمة وعشرين عاماً من قيام الإنقاذ، فالولاية الآن لديها مجلس تشريعي وإدارة هندسية وتخطيطية، لهذا ليس من المطلوب أن تتنزل هذه الصلاحيات لدى جهة واحدة ناهيك أن يكون فرداً واحداً، مهما حسنت نواياه وخلص عمله لله.