ندى محمد أحمد: والربيع العربي يهصر العنب في حلقوم الإنقاذ.. تلك هي عبارة الكاتب الشهير إسحاق إحمد فضل، عندما قدمت الانتخابات بتلك الدول وهي مصر وتونس وليبيا الاسلاميين، ولكن من الذي قال ان الآخرين سيتركون الاسلاميين يهنأون بحصادهم او يدعون قطار الديمقراطية يمضي للنهاية التي تقود للانتخابات التالية، فكان ان اطاح العسكر الرئيس المصري محمد مرسي، وواجهت تونس الكثير من القلاقل التي اداراتها بحكمة، وها هي النسخة الثالثة من محاربة الاسلاميين تطل بوجهها في ليبيا، بظهور اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يقود عملية الكرامة العسكرية التي تهدف لإبعاد الاسلاميين من سدة الحكم، ولما كانت ليبيا مجاورة للسودان فإن عدم استقرارها سيلقي ظلاله الثقيلة لا محالة على البلاد، وفي هذا الاطار دارت فعاليات المؤتمر الصحفي الدوري لامانة الشباب بالمؤتمر الشعبي الذي تحدث فيه بطبيعة الحال مسؤول العلاقات الخارجية بالحزب د. بشير آدم رحمة الذي مهد لكلمته بأن السودان في قلب افريقيا يؤثر ويتأثر بدول الجوار، فهو في مطلع التسعينيات كان له تأثير اقليمي واضح من خلال دوره في التغيير في إثيوبيا وإريتريا وتشاد، وابعد من ذلك كان عنصراً فاعلاً في الصومال، فضلاً عن ان هناك من يشير لبصماته في افغنستان، ولا يخلو مثل ذلك التدخل من تبعاته السلبية التي جرت عليه اتهام مصر له بمحاولة اغتيال رئيسها آنذاك محمد حسني مبارك، وترتبت على ذلك الاتهام قرارات من مجلس الامن مازالت البلاد تعاني منها لليوم، اما ليبيا بقيادة العقيد معمر القذافي فقد كان لها در مؤثر في السياسة الداخلية للبلاد بدعم الحركات المسلحة في دارفور، ولما كانت ليبيا عاملاً لعدم الاستقرار في المنطقة فقد كان هناك رأي سوداني وتشادي والي حد ما مصري منذ الثمانينيات لانهاء حكم القذافي، ولما قامت الثورة الليبية تدخلت قوات حلف الاطلسي بمسوغات انسانية، ولكن في حقيقة الامر كانت لذلك التدخل علاقة وثيقة بالنفط الليبي الذي يعد من اجود انواع البترول وبمجاورة ليبيا لاوروبا ايضاً، ولما كانت الانظمة الدكتاتورية لا تبني منظمات مجتمع مدني وتعتمد على القبلية، كان أن انتشرت القبلية عقب سقوط القذافي، وتكاثرت المليشيات العسكرية وحاول كل اقليم الانفصال، ولما كانت العقلية العربية تنزع للمركزية رفض المؤتمر الوطني «البرلمان الليبي» الفدرالية، بالرغم من ان ليبيا قبل الحرب العالمية الثانية كانت ثلاثة اقاليم، وكما هو معلوم فإن الانتخابات الليبية اسوة ببقية دول الربيع العربي قدمت الاسلاميين، في الوقت الذي تنامي فيه العداء الغربي لما يعرف بالاسلام السياسي عقب احداث الحادي عشر من سبتمبر بامريكا، ليتخذ الغربيون من الاسلام السياسي «بعبعاً» لاخافة شعوبهم، لذا كان القرار بإنهاء حكم الاسلاميين، وكانت البداية بمصر، ثم تونس التي تجاوزت المؤامرة بحكمة راشد الغنوشي، وعرج بشير على التحركات الاخيرة للواء حفتر بأنها حصان طروادة لإنهاء حكم الاسلاميين، مستبعداً نجاحه في ذلك، لتفشي السلاح في ليبيا، وتوقع ان تقدم الحكومة الليبية علي عملية تفاوض داخلة تقود لتطبيق الحكم المركزي، وابدى مخاوفه من تدخل بعض دول الجوار لصالح طرف ضد الآخر، واذا حدث ذلك فهي الطامة الكبرى، وقال: اذا رغب كل من السودان ومصر وتشاد في التدخل في ليبيا عليهم ان يتدخلوا للاصلاح وليس لصالح طرف ضد الآخر، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل هذه الدول الثلاث تتفق على موقف واحد مما يجري في ليبيا؟ وقارن بشير بين ليبيا القذافي وليبيا اليوم بقوله: بالأمس كانت السلطة المركزية بيد القذافي، واذا حدث أن انفلتت الامور تماماً فإن الحركات السودانية المسلحة القابعة في أقصى الجنوب اليوغندي لا بد ان تجد لها موطئ قدم في ليبيا، وبالتالي ستسعى للتدخل في السودان من دارفور، وأبدى مخاوفه مما يجري في ليبيا بقوله: اذا افلح اعداء الاسلام في انهاء حكم الاسلاميين في ليبيا علينا ان «نبل راسنا». وأعرب بشير عن قلقه من التنافس العربي على الساحة الليبية، في اشارة الى تباين مواقف تلك الدول من الإسلام السياسي، وفي مقدمتها مصر ودول الخليج التي أعلنت جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية «السعودية والإمارات والبحرين»، مقابل قطر التي تدعم الإسلام السياسي، وعلى هذه كان الشقاق بين تلك الدول الذي تمظهر في سحب السعودية والبحرين والإمارات لسفرائها من قطر، ولهذا فإن تدخل الدول الاخيرة اذا حدث فإنه سيكون لدعم حفتر، أما اذا تدخلت قطر فهي ستدعم الإسلاميين، والغرب رابض هناك لحماية مصالحه التي قد لا تتفق مع المصالح الليبية إن لم تتناقض معها، فالصورة قاتمة بالفعل، ولا أحد يدري مآلاتها على المستوى الليبي وانعكاساتها علينا في السودان.