يبدو أن مهمة الإقعاد بالسودان انتقلت بسهولة للأسف وفي ظروف غامضة جداً إلى المحروسة، إذ تكشف للعيان تكالب وخطل آلة إعلامها المرسوم بعناية للقيام بهذا الدور، ويبدو كذلك أن الهجمة غير المبررة على الخرطوم وثيقة الصلة بالمصالح المادية، وما شعارات محاربة الإرهاب في المنطقة والسودان على وجه الخصوص التي تخرم الآن كل الآذان، وأكاذيب حماية الخليج وإسرائيل من هجمات إرهابية، والمواقف الداعمة للغرب في هذا الملف إلا أدلة دامغة على ذلك. والغريب بالفعل هذا التزامن بين الحملة البربرية على السودان بأيادٍ شقيقة وبين واقع جديد مفروض على المشهد السياسي المصري، وكأن المحرك لكل هذه الخيوط يستهدف بالأساس قوة وتماسك الدولة المصرية، ذلك لأن الداعم القوي لمصر ولدورها في المنطقة والمساند لها في قضايا تمس أمنها القومي كملف مياه النيل، هو بلا شك السودان .. وأن فقدان هذا العنصر الحيوي في المعادلة لهو فقد كبير سوف تتضرر منه مصر أولاً وأخيراًً. الذين انساقوا دون أن يعوا مخاطر توتر العلاقة بين البلدين سخروا السلاح المؤثر جداً على الشارع المصري المسكين، وهو الإعلام الحكومي المصري جيد الإسفاف والتلفيق والذي قاد حملة رعناء للضغط على السودان بالباطل للحصول على مكاسب في قضايا إستراتيجية مثل سد النهضة، بجانب محاولة إحباط ثورات الربيع العربي والانتقام من كل الأنظمة التي أنتجها الربيع، وكذلك كل من ساندها. وبجانب استخدام آليات الضغط الإعلامي اتجهت أذرع الدولة العميقة التي تحرك السياسة في مصر إلى أُسلوب آخر تم تجريبه من قبل إبان نظام مبارك، وهو أُسلوب إيواء الحركات المسلحة وتوفير العلاج وإعادة التنظيم لقياداتها، بجانب التواصل مع دولة جنوب السودان بصورة سالبة تماماً كما كان يحدث قبل الانفصال، فضلاً عن إثارة قضايا خلافية مثل قضية حلايب وقضايا مسيئة مثل تهريب سلاح سوداني للإخوان وأكاذيب مثيرة للشفقة مثل الترويج لوجود معسكرات للجيش المصري الحر بالسودان، ودعاوي تمويل السودان للصراع القبلي في صعيد مصر بعد الوديعة القطرية الأخيرة، وانتهاءً بسقطة الترويج لحرب السودانيين على مصر بنقل الملاريا إلى أسوان. والضرورة تحتم إعادة النظر في بناء وشائج الصلة الحكومية وفق مقتضيات المصالح المشتركة كرد للعدوان، وكإفشال لمحاولات الإذلال، خاصة أن دولة محترمة مثل مصر لم تتخذ من الندية منهجاً معاشاً قط في تعاملها مع السودان، وكان نهجها المستمر والدائم هو النظر من علٍ وبأنف شامخ ومزدرٍ.