في زيارة استغرقت ساعات قليلة انهى المبعوث الأمريكي للسودان برنستون ليمان زيارة إلى القاهرة، نهار الخميس الماضي.. المبعوث حط رحاله في مصر الجديدة قادما من واشنطن عن طريق برلين...وفي خبر صغير ورد باستحياء منسوب لمصادر مصرية «ان ليمان التقى عدداً من المسئولين المصريين ومسئولين في جامعة الدول العربية لبحث آخر الأوضاع في السودان بكافة جوانبها المتوترة»...وعلى الرغم من ان المبعوث، لم يفصح عن نتائج الزيارة مثلما لم يفعل المسئولون المصريون ذلك، إلا ان مؤشرات كثيرة كفيلة بإزاحة الستار عن فحوى الزيارة ومدلولاتها الخفية منها والظاهرة. الزيارة العاجلة سبقت زيارة الرئيس السوداني للقاهرة بعدة ساعات، فالرابط بين الحدثين لم يكن ظاهرا على مستوى التنسيق في دهاليز الدولة المصرية، ولكن «ليمان» الذي يتأبط شر ملف السودان منذ سنوات تحكي أيام توليه الملف بأنه عندما يحط رحاله في القاهرة فإن ثمة شئ ما يتعلق بالخرطوم تحتاج واشنطن إلى تفكيكه في بلاد المحروسة...ومما يعزز الفرضية ويقوي الخيوط الرابطة بين الزيارتين «البشير وليمان» ان الأخير بعد لقاءاته بالمسئولين المصريين يمم وجهه صوب العاصمة الإثيوبية أديس ابابا حتى يلحق»طبخة المباحثات» بين الخرطوم وجوبا والتي تنتظر على نار هادئة غير مبالية بمهلة مجلس الأمن. الناظر لأي دور أمريكي جديد في المنطقة ذات علاقة بقضايا السودان لا يمكنه إقفال التغيرات التي ضربت المنطقة بفعل رياح الربيع العربي، وهنا يأتي سؤال يبدو مدسوساً في طيات عباءة زيارة ليمان «الخاطفة» للقاهرة بالتزامن مع زيارة البشير، هل تريد واشنطن من القاهرة دورا يتجسد في الضغط على الخرطوم بشأن إيجاد حلول للقضايا العالقة بين دولتي شمال السودان وجنوبه وقضايا منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان؟. مراقبون يذهبون إلى القول ان ليمان ربما وضع رسائل في بريد مصر عسى ولعل ان يتلقاها الضيف الزائر، دون ان يشعر احد بان هناك أجندة تملى على القاهرة في انتظار الزائرين من الخرطوم، ووفقا لمراقبين ان فحوى الرسالة لا يخلو من شيئين الأول رغبة واشنطن في الإبقاء على الدور المصري بشأن دولتي السودان وجنوب السودان وان اختلفت الأساليب والوسائل لتحقيق ذلك الدور والثاني، إيجاد مساحة للضغط على الخرطوم عبر الحكومة المصرية الجديدة، وهذه الفرضيات يمكن ان تظهر بوضوح بالنظر إلى نوعية الأجندة التي ناقشها ليمان مع المسئولين المصريين والتي كانت من بينها «إقامة منطقة عازلة بين الشمال والجنوب» وهذا من المطالب التي أثارت جدلا بين الطرفين في فترات سابقة، بالإضافة إلى قضايا المنطقتين. وبحسب أستاذ العلوم السياسية بروفيسور على الساعوري «ان أمريكا بلا شك تحاول ان تتأقلم مع الوضع الجديد بغرض المحافظة على الدور المصري الرائد في السودان» وبناء على هذا - الحديث للساعوري- فان زيارة ليمان تحمل مستوى من التنسيق في اتجاه رغبة واشنطن بالضغط على الخرطوم عبر القاهرة. لكن صفة «الإسلاميين» التي يتصف بها نظاما السودان ومصر ربما خلقت مساحة لسؤال آخر وهو هل القاهرة بنظامها الجديد قادرة على لعب دور في حلحلة قضايا السودان، سواء بإيعاز أمريكي أو برغبة مصرية؟ وما مدى تأثير النظام المصري في نسخته الجديدة على نظام الخرطوم القديم المتجدد؟ يبدو من الواضح ان واشنطن تريد ان تستغل مهارتها في العزف على وتر العلاقة المتميزة أو كما يتخيلها البعض بين حكومتي»الإنقاذ والأخوان»، لتمرير أجندتها الهادفة إلى تحقيق مساعيها في حل خلافات الخرطوم وجوبا، وفي هذا لا يمكن إغفال التطورات في الجارة إثيوبية والمتمثلة في رحيل زعيمها الحليف القوي لأمريكا الرئيس مليس زيناوي وما تركه من فراغ باعتبار ان الرجل كان ممسكا بملف دولتي السودان.. فبروف الساعوري يجزم بان أمريكا تسعى إلى تدجين النظام المصري ضد السودان فيما يتعلق بالقضايا محل النقاش ولكنه يقطع بأنها لم تنجح إلا عبر خيارات مختلفة من بينها «التأقلم مع الواقع انطلاقا من التغير في المنطقة او خلق مشاكل لمصر بأية صورة من الصور حتى تسهم في زعزعة نظامها» ويضيف الرجل «سلفا إستراتيجية النظام المصري الجديد ليست ضد الإنقاذ». بينما يتوقع المحلل السياسي د.عبده مختار بأن تفشل أمريكا في تدجين نظام مصر ضد السودان لخدمة مصالحها انطلاقا من النظام المصري الذي يبدو منسجما بصورة اكبر مع نظام الخرطوم، ويقطع مختار بان «زيارة ليمان هي مجرد مناورات من النظام الأمريكي لكي تحاول ان تجعل الخرطوم تفهم بأنها ما زالت موجودة في القاهرة، ويتوقع الرجل «بان تلعب مصر دورا في التوسط لحل خلافات السودان وجنوب السودان بالإضافة إلى القضايا الداخلية بعيدا عن الضغوط الامريكية لان المصالح المصرية تكمن في استقرار المنطقة»، وبعيدا عن النوايا الخفية ومكر السياسة فان الأيام المقبلة قادرة على توضيح ما إذا كانت مصر ستقوم بدورها بحياد بين السودان وجنوبه ام عكس ذلك، حيث كان مساعد الرئيس المصري عصام العريان قال في تصريحات سابقة ان بلاده تتمنى علاقات سلمية بين السودان وجنوب السودان وان مصر لابد أن يكون لها دور في تقريب وجهات النظر بينهما، وأن تعمل على مساحات اتفاق بينهما»