في هذا الجزء أكد د. الأشقر أن هناك مؤشرات لإصلاح حقيقي في السودان، وأنه تجاوز مرحلة التغيير خلال عامين والاتجاه إلى حكومة انتقالية تؤسس لديمقراطية حقيقية تتوافق عليها كل القوى السياسية، وقال إن جزءاً من الأزمة السودانية يكمن في أن الأحزاب السياسية ليست سياسية بالمفهوم المتعارف، بل أحزاب ذات طبيعة طائفية وفكرية وليست فكرية سياسية. بينما وصف الأشقر موقف القوى السياسية التي تريد المشاركة بشروط في الحوار بالاحتيال، وأضاف أن الثورات العربية لم تؤثر كثيرا على السودان لحالة الحصار التي يعيشها، وأن الدول التي اجتاحها الربيع العربي لم تكن على وفاق مع السودان إستراتيجيا فأفرزت فائدة محدودة، من جانب آخر أوضح د. الأشقر ان أجندة قطاع الشمال بعيدة جداً عن الأجندة الوطنية التي يتفق عليها السودانيون، مما سيؤدي إلى عزله من قبل المجموعة التي تؤيده وكانت تستخدمه كمخلب قط، والعديد من تقاطعات القضايا السياسية. فإلى متن هذا الحوار: يصف البعض العلاقة بين إيرانوأمريكا بالغزل غير الصريح.. كيف ترى ذلك؟ عندما أسقطت أمريكا حكومة صدام حسين وغزت العراق حققت مصالحها وسياستها، وحققت مصالح عدوها إيران، ولا اعتقد أن هناك غزلاً غير معلن بينهما، فالعداء بين أمريكاوإيران حقيقي مع خلافنا مع الفكر السياسي الإيراني إلا أنه بصورة عملية حقق مصلحة أمريكية، وفي ذات الوقت حقق مصلحة إيرانية، وأعتقد أن صانع القرار الأمريكي كان آخذاً بعين الاعتبار انه سيحقق مصلحة لإيران لكنه لم يجد فرصة من أجل تعويض هذا النقص الإستراتيجي الذي يحوي المكاسب والخسائر، فوجد أن مصالحه أعلى على المستوى العالمي، بينما خسائره على المستوى الإقليمي ستكون لحلفائها وليس لها، من أجل ذلك صار هناك توازن بين أمريكاوإيران على المستوى الإقليمي وليس المستوى العالمي، وإيران أدركت ذلك، فدخلت في الصراع السوري ليس من أجل بشار الأسد "فهي ليست حريصة عليه" بل لحماية نفسها ومصالحها فنقلت المعركة من قلب إيران الى ساحة بعيدة عنها، والتي ان وجدت مصلحتها في انهيار الأسد ستعمل على ذلك، حتى دعمها للمقاومة في فلسطين فيه مصلحة إستراتيجية وفقاً لفلسفتها وبذلك تلهي أعداءها عنها. ما هي قراءاتك للأحداث الإقليمية التي تحدث وتأثيرها على الوضع السياسي في السودان؟ هذه الأحداث لم تؤثر كثيرا على السودان لعدة أسباب؛ فعلى المستوى الاقتصادي السودان يعيش في حالة حصار، كذلك الدول التي اجتاحتها الثورات العربية لم تكن على وفاق معه إستراتيجياً، وبالتالي كانت الفائدة المتبادلة بينهما محدودة، ايضاً انعكاسات الثورات العربية السالبة من وجود الحرب الأهلية عززت من مخاوف الشعب السوداني من أن محاولة تغيير النظام ليس بالضرورة مجيء نظام أفضل، فحتى يأتي هذا النظام ستسيل الكثير من الدماء والخسائر وقد ينهار المجتمع الذي لم يصل الى مرحلة أن يكون مجتمعاً ابن وطنه فمعظمه ابن قبيلته وجغرافيته. مقاطعة: إلى ماذا ترجع ذلك؟ جزء من الأزمة السودانية أن الأحزاب السياسية فيها أحزاب ليست سياسية بالمفهوم المتعارف، بل هي أحزاب ذات طبيعة طائفية وفكرية آيدولوجية وليست فكرية سياسية، وهي لها عراقتها وتاريخها ولكن مشكلتها تكمن في حرصها على خصائصها وتقديمها على البلد وشعبه، وهو يأتي من طبيعة التكوين وحمايته لنفسه والذي لا يقدم إضافة للمجتمع. وأذكر عند بداية ثورة الإنقاذ الوطني كانت هناك مجموعة من المفكرين تقول بضرورة انتزاع اللباس الطائفي، وجرت محاولات الانسلاخ عن الطائفية ولم تكن فكرة المؤتمر الوطني أن يكون حزباً للسلطة، بل حزباً للوطن وأن يكون المنتمي له ابن وطنه وأن يجتمع فيه الناس تحت مظلة الوطن وسقفه، ولكنهم لم يستطيعوا تحقيق هذا الحلم الكبير، وأصبح بنفسه حزباً طائفياً بالمفهوم السياسي. ماذا عن دعوة البشير للمعارضين للعودة والجلوس للحوار؟ في البدء لا بد أن نفرق بين الحوار وبين برنامج إنقاذي سياسي، فمنطق الحوار يكسب دائماً، وعندما دعا الوطني للحوار فهو يريد بذلك التأكيد على أنه لا توجد تعقيدات أو قيود مع خصومه وأنه يكسب دائماً، وأن الموقف قوي وأنه يستطيع أن يهضم الخلافات، وعندما يتقدم للحوار فإنه سيكون تحت سقف الوطن سعياً للائتلاف مع عناصره المكونة له، وأي شخص يرفض الحوار سيكون خارجاً عن الوطن، ولأجل ذلك تقول القوى السياسية التي تريد المشاركة إنها مع الحوار ولكن لديها شروط وهذا احتيال واضح. وبالتالي هل للحوار الذي يدور الآن مسار وآليات ليتحول الى برنامج أم لا، خاصة وعند إعلان الرئيس له في خطابه كنت خائفاً من اللغة التي صيغ بها الخطاب والتي لم تكن مناسبة "على الرغم من إعجابي بالأطروحة الفكرية المحكمة" ولكنها لم تكن تحتوي على برنامج وليس فيها وسائل، وأعتقد انه تسبب في مشكلات أكثر من حله لها، فحجم اللغة الفكرية العالية فيه وطبيعة صياغة اللغة جعلت الناس تشير إلى أن هذا الغموض يصلح في العمل الأدبي ولكنه لا يصلح في العمل السياسي، وسيؤدي إلى تلاعب سياسي كما صار تلاعباً في الألفاظ. ماذا عن الأحزاب التي قبلت بالمشاركة والحوار؟ هي شاركت في نهاية الأمر ولكنها كانت تنتظر مساراً تنفيذياً، وبعد الضجة التي حصلت تم استيعابهم لأنهم أدركوا أين المشكلة وهو دليل على حس سياسي عال في مؤسسة الرئاسة ووجود بعض العقول التي يجب أن تُشكر على تنبهها الباكر، والتي كان ينبغي أن تنتبه قبل حدوث هذا الإشكال، وخرج الرئيس بعد ثلاثة أيام بخطاب آخر فيه مسار وهدف ولو تأخر قليلا لتعقدت الحسابات في ظل عدم الثقة الموجودة بين الفرقاء السياسيين الذين سيشعرون بأنهم خُدعوا وأنه تم جرهم إلى مربع فوجئوا أن ما حوله متهدم، والمشكلة الآن أن المسار التنفيذي بطيء لحجم انشغالات الدولة والأمر يحتاج إلى وجود هيئة مع الرئيس من هذه الأحزاب مفرغة ومرتبطة بتنفيذ هذا المسار على أرض الواقع، والذي اعتقد أنه وكلما طال الوقت زادت الشكوك وضعُفت القناعات وسيكون ذلك خصماً على مسار الحوار الذي في مفهومه الإستراتيجي في السودان حقيقي خلافا لكثير من الأصوات السياسية الموجودة الآن، ومن خلال قراءتي للسلوك المصاحب في منظومة الحكم أن هناك مؤشرات لمسار حقيقي للإصلاح في السودان وأنه تجاوزه الى مرحلة التغيير الذي سنشهده خلال عامين في السلطة السياسية والتغير في منظومة السلطة وأرى ان الأمور تتجه الى حكومة انتقالية ستؤسس لحالة ديمقراطية حقيقية تتوافق عليها كل القوى السياسية السودانية. هل يمكننا القول إن النظام الحاكم قرأ الثورات العربية واستفاد منها جيداً؟ في تقديري إننا في السودان مقصرين في قراءة هذه الثورات ولم نستفد من تجربتها، ولكني اؤكد ان أكثر الجهات التي استفادت منها هي الأجهزة الأمنية لنشاطهم وفاعليتهم، فاستوعبت الحالات وقرأت الخيارات بزاوية ومداخل أمنية للقضية ومن نتيجة مؤداها أنني حريص على السلطة وأن هذه الثورات تناقض للسلطة وتمرد عليها، وهم ليسوا مخطئين واستفادوا منها بما يتناسب مع تخصصهم، وأعتقد ان هناك جهتين كان ينبغي أن تدرسا هذه الثورات، الحزب الحاكم وعقده للمؤتمر تلو المؤتمر والورشة تلو الأخرى، ولكنه لم يكن هناك حراك، والجهة الثانية هي الحركة الإسلامية. مقاطعة: لعل المؤتمر الوطني اعتمد على قراءة الجهاز الأمني للثورة ولهذا لم يعرها اهتماماً؟ أنا أخشى ألا يكون الأمر كذلك؛ فبحدوثه ستصبح القراءة قاصرة جدا فهي ليست سياسية هو أمر خطير، وكان ينبغي للحركة الإسلامية ان تراجع الأمر، حتى قطاعات المجتمع المدني لم تدرس الأمر، بل كانت هناك مجموعات ندوات ومذاكرات، وما أغضبني ان الأمر على المستوى الأكاديمي لم يجد الدراسة الكافية بالجامعات السودانية في كل التخصصات المعنية بالأمر ولهذا حدث التأخير. هل تعتقد أن قراءات الجهات الأمنية للثورات ستعطي نتائج إيجابية في مقبل الأيام؟ القراءة الأمنية كما ذكرت، تتجه نحو كيف لا نتعرض إلى مثل هذه الثورات، بمعنى عدم السماح بقيام ثورة ولا شك انهم أعطوا توصيات سياسية واقتصادية، وفي النهاية بعقليته الأمنية هو معني بكيفية منع هذا الأمر أن يتطاول على السلطة، وهذه التوصيات كانت موجودة ولكنه كان يقدم الأولويات الأمنية على الاهتمامات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهنا يأتي الخلاف، فهو يقرأ من المربع الأمني، وعنايته بتنفيذ تخصصه والحصول على ما يريد، بينما السياسي والاقتصادي ليس حاضراً بفاعلية الأمني، وبالتالي يحدث عدم التوازن، ولو تكاملت كل هذه الجهات لصارت هناك قدرة حقيقية على قراءة هذه الثورات، وأعتقد أن السودان يتمتع بحالة خاصة ويحكمه نظام سياسي بدأ بانقلاب عسكري ثم تكيف مع الواقع وتحول إلى نظام سياسي عبر الانتخابات وخرج من حالة انفصال جزء منه، وهي ظروف صعبة مع وجود حركة إسلامية فيها امتداد وانتشار على مستوى الوطن، وفيها حركة حكومة سياسية تشكلت في إطار حزب سياسي مهيمن.. إلا أن ذلك لم يفرز قدراً من الحريات للأحزاب في الساحة السياسية؟ هناك قدر لا بأس به من الحريات السياسية التي أعطت الأحزاب القدرة على الإعلان عن نفسها، وهناك بعض الأحزاب ضعيفة، وأخرى عاجزة ووصلت إلى مرحلة الشيخوخة، بينما هناك بعض الأحزاب ديكورية الشكل، وأخرى تشكلت لظرف وقد انتهى هذا الظرف، ولدينا في السودان أكثر من مائة حزب، ولا أريد ان أحملها الكثير لأن العمل الحزبي في السودان متأزم حقيقة، وحزب السلطة هو الأكثر راحة بينها، علماً بانه ينبغي ان يكون الأكثر إرهاقاً لان كل من يتصدر للسلطة سيكون عنواناً للمطاعن والنقد، وبالتالي القدرة على كيل الاتهامات له والتنقيص من شأنه سيكون هو الأبرز، بينما الأحزاب الأخرى ليست في السلطة ولن تُساءل وتحاسب عن قضايا الوطن الكبير، ومع ذلك لم تستطع أن تدخل في حالة موازية للسلطة او أعلى منها، دائما أقول ان تكون الأحزاب المعارضة هي الأولى لانها أكثر قدرة على النقد والتأثير وليس شرطاً أن تكون متفقة مع النظام الحاكم، ولكن الأحزاب الآن تسعى لإسقاط السلطة والأحزاب المعارضة الأخرى، وبالتالي أكثرت من أعدائها وخصومها، وفي النهاية ستتقوقع على نفسها وتتآكل من الداخل. شكل تواتر الأنظمة على السودان فكراً سياسياً لدى المجتمع السوداني لكيفية اختياره لنظام الحكم الذي يراه.. كيف ترى ذلك؟ أخاف جدا من هذا التشخيص لأنه تشخيص أكاديمي وليس تشخيص مفكرين، ونحن لا نملك الوسائل لدراسة موقف العقل الجمعي السوداني من هذه السلطات والأنظمة، والمجتمع السوداني يحتاج الى تشخيص أولاً لمعرفة ما يبحث عنه، هل يبحث عن القوي؟ وهل يقدر العقل ويبحث عنه ليقوده؟ أم يبحث عن استقرار سياسي وأمني، أم يبحث عما يسد جوعه أو عمن يعطيه حريته؟ البعض يرى أن المجتمع السوداني قوي ويميل الى القوي وأقول لهم كل الناس هكذا، وهي فطرة إنسانية، والقوة لها عدة معطيات عسكرية وسياسية وأمنية واقتصادية يحتاج لها الإنسان في حالته الفردية والجمعية لبناء توازنه الفكري وهويته العامة ويجب ألا نعزلها في بقعة جغرافية معينة سواء في السودان أو مصر أو غيرها، والآن العنوان الأكبر لما يريده الفرد السوداني هو ما يريده الإنسان، ولا يشغل باله نوع الحكم إسلاميا كان أم علمانياً أو غيره، فهو بعد أن يحقق له النظام الكفاف له يبحث عن شكل هذا النظام «مدني، عسكري، سياسي، علماني». ما رأيك في وسيلة اتخاذ القرارات الجمعية التي تتخذها الجهات المعنية؟ طبيعة الحكم في السودان لا مركزي، وبولاياته الكبيرة التي هي بحجم بلد، وبالتالي الأصل في هذا الأمر ان يكون في صالح السودن، وهو بذلك لم يقصر الظل الإداري بل اعطى الفرصة لأكبر قطاع شعبي أن يدخل في السلطة ولم يجعل هناك حزباً واحداً مثل الصين، إنما جعل هناك قدرة عالية على أن يتصعد الفرد بكل أجهزة الدولة من خلال منطقته، ولكن المشكلة التي تواجه السودان بانقسامه الى منظومة الدولة والمنظومة الحزبية، والتي تعتمد على مقدار النفوذ والتمثيل للقطاع الاجتماعي وليس بالضرورة أن يكون المُصّعد عن رضا، هي من سيئات العملية الديمقراطية بعدم تصعيدها للأكثر كفاءة بل الأكثر قرباً من الجماهير، ولذلك أقول دائما أن حالات الديمقراطية المثالية هي الأكثر ظلماً للناس الذين يصلون بهؤلاء الناس الى القيادة العليا، وبذلك تصبح كما هي مطلباً عبئاً، ولذلك لا بد من فصل الأجهزة الفنية عن عمل الترضيات السياسية، ولعمل التوازنات والترضيات لا بد من إنشاء هيكل معين يقوم بعمل توازن للترضيات. كيف تقرأ علاقة الأنظمة بالدساتير وكيفية وضعها؟ دعيني أقول وبالنظر إلى الكونغرس الأمريكي الذي يكون من جهازين تشريعيين هما مجلس النواب ومجلس الشيوخ، وفكرته تحقيق التوازن في «52» ولاية متفاوتة في النسبة السكانية، ومجلس الشيوخ يحكم الدولة ويمثلها وقيمها العامة ويحمي كل المجتمع ولا فرق بين الفرد والجماعة، وكل ولاية يمثلها شخصان سواء أكانت ولاية كبيرة أم صغيرة، وبهذا المنطق يستطيع أن يحقق التوازن وهو أعلى من مجلس النواب الذي يمثل سكان الولايات بموجب نسب معقدة قليلاً، فأوصلت هذه الدول الى قناعة أنهم ليسوا بحاجة الى دستور سواء أكانت بريطانيا أو إسرائيل، والولاياتالمتحدةالأمريكية دستورها يتكون من عدد من الكلمات فقط، ولكن نحن نأتي هنا ونخاصم بعضنا ونقسم المجتمع ونستنفره كل عامين أو ثلاثة كلما تأتي منظومة سياسية لعمل دستور يتوافق معها، إذن؛ هل يريدون الدستور حتى يختصموا وينشقوا؟ وبذلك المجتمع لن يتفق، ولذلك لا بد من تنظيم الحياة بمجموعة من القوانين التي يرتضيها المجتمع والدخول في تفاصيل حياته ولا تترك شاردة أو واردة إلا وتحدثت بها، وعند الوصول الى مرحلة أنك تستطيع أن تصيغ القيم المنظمة للمجتمع يكون لديك الخيار أن تجعل لك دستوراً أو لا، ولكن وضع الدستور في الأمام يعني أنك تريد ان ترسم المجتمع على مقاسك حتى وإن كانت نسبة المصوتين على الدستور «100%»، وفي هذا ظلم للجيل القادم الذي من حقه أن يرسم النظام الذي يرضيه، عبر وجود قوانين منظومة تتحمل التغيير وفقاً للحالة الديمقراطية ولكن لا تحكمها بفكر واحد، والمجتمع قادر على حماية نفسه في النهاية، ويستطيع تكييف نفسه بسرعة دون ثقافة المجتمع وضمن التراكم التاريخي والثقافي الموجود عنده مباشرة يعيد تشكيل نفسه، وبالتالي على الحكومة وبدلاً من الدخول في مغامرة جديدة والذي إن لم يحصل على «100%» تكون فيه مشكلة، ولذلك لا أرى أولوية للدستور الآن، ويجب أن يؤجل وتوضع نظم لكل عمل في الحياة ليصبح قانوناً لها بعد فرز الانتخابات، والتي تشمل قوانين اتحادية وبعد أن تتركز تترسخ وتعالج نفسها من خلال التجارب وتعدد القياسات حينها سيتم الوصول إلى الاستقرار وتصبح قيمة عليا في الدستور بعد فترة في كل القضايا. المفاوضات بين الحكومة وقطاع الشمال.. في أي الاتجاهات تسير؟ أعتقد أن السلطة في السودان الآن قد نضجت في اتجاه فلسفة التغيير والإصلاح، وهو موجود في السلوك السياسي على بطئه إلا انه سيجعل من السودانيين الموحدين ليس على برنامج سياسي وإنما على رؤية لإدارة خلافهم وتنظيمه سيجعلهم على كتلة واحدة، وقطاع الشمال مشكلته أنه ليس جزءاً من هذه الحالة لأن لديه حتى الآن فكر جغرافي ضيق ويحمل فكرا طائفياً انعزالياً وايضاً مشكلته الأكبر انه يحمل أجندة الدول الداعمة له، فكل حزب له علاقاته إلا انه لا يستطيع أحد أن يقول له افعل كذا أو كذا، لهذا قطاع الشمال يفعل ما يُملى عليه وأن عارضه سيغلق عنه صنوبر الماء المتمثل في المرتبات والأسلحة وكل أشكال الدعم، عندها يستخدمون أسلوب المناورة ويطيلونه مما يجلب المزيد من الأزمات للبلد، وتعني أن هذه المجموعة مع كبرها في السن وعدم تجددها لعدم واقعيتها ستذوب تدريجياً، ولذلك أنصح الحكومة ان تستمر في إعمار فكرة التغيير ودمج نفسها مع كل مكونات العمل السياسي في السودان حتى إن أدى ذلك لعدم دخولها في حوار مع المجموعات المسلحة والأحزاب السياسية والذي هو حوار تكتيكي أكثر منه إستراتيجي، ويتضح ان أجندتها بعيدة جدا عن الأجندة الوطنية التي يتفق عليها السودانيون، مما سيؤدي الى عزل هذه المجموعة من قبل المجموعة التي تؤيدها وستجد أن مصلحتها مع السودان القوي وليس مع مجموعات كانت تستخدمها كمخلب قط.