ماراثون الاستفتاء قد انتهى، وها هو الجنوب بدأ يتهيأ لتكوين الدولة، وما بين هذا وذاك تظل القوى السياسية في الشمال في حالة ترقب وحراك إيجابي تارة، ومضاد تارة أخرى، خاصة أحزاب المعارضة في مواجهة أحزاب الحكومة، وفي هذا تتداخل اتجاهات القوى السياسية؛ اختلافاً، تحالفاً، استقطاباً. إذن فالكرة تتدحرج نحو المواقيت المهمة من عمر السودان الدولة ذات الاتحاد الواحد بين الدولتين، أو الدولتين بدون اتحاد، من هنا وحتى ما هو قادم من تداعيات، والكل ما زال يجمع -حكومة ومعارضة- على ضرورة توفر حراك وطني عام بعيداً عن أجواء التوتر والشحن العقدي أو الطائفي أو الاستقصائي، حراك يمكن البلاد من العبور بنجاح ويعزز من قيمة الدفاع عن المصالح الحيوية التي تربط الشمال والجنوب، فما بين الجنوب والشمال روابط وعوامل دفع تتغلب على كل عوامل الإبعاد والتجافي والتمزيق، حتى نجعل من الحدث المقبل حدثاً للأمن والاستقرار والسلام، لأن ذلك كله لن يتأتى إلا بسلوك سياسي راشد ومسؤول من كل القوى السياسية، شمالها قبل جنوبها، فهل ستشهد الأيام القادمة حضوراً وطنياً حتى نتجاوز المعضلات التي تواجه السودان في ظل الانفصال والتهيئة لدولة الشمال؟ مساحة من الحوار جمعتنا بالأستاذ التجاني مصطفى يس الأمين العام القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي، حيث توجهنا إليه في هذا الحوار الذي ننشر اليوم حلقته الأخيرة بعدد من الأسئلة وبدأنا هذه الحلقة بالسؤال: { تردد في الآونة الأخيرة أن بعض حركات دارفور دعت إلى ضرورة تخصيص منصب نائب رئيس كيف تنظر لهذا المطلب؟ - مسألة نائب أو غيرها اعتقد أن هذه لن تحل مشكلة دارفور ،فالمشكلة الدارفورية واضحة جداً ذلك في أن هناك أسبابا موضوعية لهذه المشكلة، وبالتالي فالتعامل يجب أن ينصرف نحو هذه الأسباب الموضوعية للأزمة وليس لمعالجات نهائية شكلية. { وهل المعارضة هي على قلب رجل واحد من هذه القضية؟ - المعارضة فيما يتعلق بالمعالجات بالنسبة للمطالب المطروحة من قبل حركات دارفور أو غيرها تقريباً هي قريبة من بعضها البعض وهي ما تتعلق بالنصيب في الثروة والسلطة وغيره والاهتمام بالتسمية والخدمات بالنسبة للإقليم من تعويضات واستقرار للنازحين. { في ظل الدعوة لتوسيع قاعدة المشاركة من قبل الحكومة وفي ظل الدعوة للحكومة القومية من قبل المعارضة قد يعلو هنا صوت الأحزاب ذات الثقل الجماهيري سواء أكان في الدعوة الأولى أم الدعوة الثانية وقد تنشأ تحالفات هنا وهناك فمن الذي سيحمل صوتكم من هذه الأحزاب الكبيرة؟.. ومن تفضلون أن تتبعون؟ - نحن نتبع لمصلحة الوطن ولا نتبع لأي طرف سياسي آخر موجود في الساحة، ولو جدنا حزبا مقنعا بالنسبة يمكننا أن نتوحد في حزب واحد ولكن نحن ننطلق من مصلحة بلادنا ومن المعالجة الحقيقية لمشاكلنا، لأننا نشعر بأن السودان منذ الاستقلال وحتى الآن لم يستقر وهذه مسألة غير طبيعية إذ أنها تدلل على أن هناك تراكم أخطاء. { ما هو تصوركم للدستور القادم؟ - الدستور بالتأكيد هو يحدد الموجهات الأساسية بالنسبة للدولة وبالتالي فهو يجب أن يؤمن على مسألة الحريات والتعدد وحقوق الإنسان والديمقراطية والتبادل السلمي بالنسبة للسلطة، وعليه إذا جاء دستور وعمل على تثبيت هذه المبادئ الأساسية للدولة الحديثة في السودان فلا نقول إذن نحن يجب أن نقصي الدين من حياة الناس باعتبار أن هذا الموقف والقول غير عملي، فالدين يظل عنصرا مهما جداً في حياة المجتمعات الإنسانية ، وبالتالي يجب أن لا نسمح أيضاً بموجب الدستور بأن يصبح الدين هو عامل مصادرة لحقوق الناس، فيجب أن يضمن الدستور مسألة الحريات وأن لا يسمح بالاستغلال للأغراض السياسية ، فالدستور القادم يجب أن يضع حدا لمسألة عدم الاستقرار السياسي في السودان، ويجب أن يرسم صيغة الحكم المستقبلية للسودان، وهذه المسألة أهميتها ليست للشمال فقط بل حتى بالنسبة لمستقبل العلاقة بيننا وبين الجنوب، ومثلما قلت لك فنحن لسنا يائسين من استعادة الوحدة، وبالتالي فالشمال يجب أن تتم فيه الإصلاحات السياسية المطلوبة ، وأن تمارس فيه الحقوق وتكون محمية بالدستور والقوانين. والشمال حتى الآن بالرغم من الإنفصال له تأثيره من كثير من الدول المحيطة به، وله علاقاته الممتدة. { هل أنتم كحزب تمسكون بالعصا الآن من النصف ما بين الحكومة والمعارضة؟ - نحن لا نمسك بالعصا من النصف، لأن موقفنا واضح من كل القضايا السودانية، ومنهجنا في التعامل مع القضايا الوطنية هو منهج مسؤول يضع مخاطر المرحلة والمخاطر التي يمر بها السودان في الاعتبار وبالتالي نتعامل بعقلانية مع أزماتنا السودانية، ولنا رؤيتنا لكيفية معالجة هذه المشاكل، ونملك كامل الاستعداد للتحاور مع أي كان في سبيل أن نصل بالسودان إلى بر الأمان، وقد يفسر البعض هذا الموقف بغير ذلك (أي مسك العصا من النصف) ولكن هذا التفسير هو غير صحيح، فتعاملنا هو متجرد ووطني ومسؤول ، لأننا ليس من بين اهتماماتنا ولا من ضمنها الوصول للسلطة او المشاركة فيها على الأقل الآن، بقدر ما ينصب جل اهتمامنا في كيف يستقر السودان؟. { إذا قلنا إن الطائفية في السودان هي تتمثل في أسماء المعروفة فإلي أي طائفة أنتم تميلون في ظل فكركم العقدي أو بعيداً عنه؟ - نحن نميل لمن يقف مع حق الشعب السوداني، ونعتبر أن الطائفية هي الآن واقع موجود في مجتمعنا ولا نستطيع أن ننفي وجود الطائفية بجرة قلم، فهي مسألة تخضع لعوامل تتعلق بانتشار الوعي في السودان والتعليم، وبالتالي الطائفية هي تتراجع الآن وهي ليست كما كانت في السابق. { ما أقصده هنا ماذا عن الأحزاب التقليدية؟ - الأحزاب التقليدية هي في تقديري مواجهة بتحد حقيقي ذلك في أنها إذا لم تجر الإصلاحات الطبيعية فلن يكون لها مستقبل نهائياً، وبالتالي فالأحزاب الطائفية إن وجدت السلطة أو لم تجدها فليس لها مستقبل إذا استمرت متمسكة بذات النهج، فهي تعتمد الآن على التبعية الطائفية ، فالأحزاب التي ترتبط بطوائف مطالبة بالتحديث بحيث تكون لها برامج ونظم تدبر بها شأنها السياسي. { هل يشمل الإصلاح الذي ننشده هذه الحركة الإسلامية؟ - بالتأكيد بما في ذلك الحركة الإسلامية، لأن الحركة الإسلامية تحاول أن تعتمد على التأثير الديني على المجتمع دون اعتبار لمسائل أخرى. { هل حزب البعث الذي تنتمون إليه بعيد كل البعد عن ما آلت اليه بعض الأحزاب الحاكمة مثل تونس ومصر الآن؟ - أنا في تقديري أن حزب البعث في سوريا هو بعيد من هذا المآل لأن الحزب له تجربة طويلة ومكتسبات حققها على الأرض، وعنده مواقف مبدئية من قضايا المنطقة، بل هو رأس الرمح الآن في قضايا الاعتداء على هذه الأمة، وهو موجود فيه نظام حكم ليس مغلقاً بل فيه مشاركة من قوى سياسية. { هل نيفاشا الآن يمكنها أن تكون مكان اعتزاز سياسي وفخر؟ - بالطبع لا، فنيفاشا بالنتائج كان يمكن أن تكون أفضل من ذلك وتستحق التقدير والحفاوة. { هل هي ملخص لتقرير دانفورت؟ - بالتأكيد دانفورث له دور أساسي فيها، ونحن نعتقد أن نيفاشا رسمت بدقة متناهية في سبيل أن تصل للنتيجة التي وصلت إليها، فنيفاشا لو كانت هي حلا حقيقا فيه تناغم لما كنا نحتاج لأن يحدث انفصال، وبالتالي إذا كان الانفصال هو ثمن للسلام فهذه هي قاعدة غير صحيحة، فكان من الممكن أن تكون القاعدة للسلام مسألة أخرى مثل العدالة والمساواة في المجتمع، ولكن من المؤسف أننا دفعنا وحدة بلادنا ثمن للسلام حتى الآن نحن غير مطمئنين عليه. { كيف تقرأ مستقبل قطاع الشمال في الحركة الشعبية؟ - هو فشل في أن يلعب الدور المهم والأساسي له من خلال وجوده في الحركة الشعبية، فوجودهم كان لعدة أسباب أهمها المحافظة على وحدة البلاد. { هل تتوقع أن يكون سلفاكير هو رجل الجنوب الأوحد؟ - الزعامة غير محسومة في الجنوب، ويمكن أن تكون مجال صراعات في المستقبل القريب بالنسبة للجنوب، فالحركة الشعبية الآن لا تستطيع أن نقول إنها حركة قائمة على أساس فكر راسخ أو رؤية سياسية متكاملة وبالتالي سيكون فيها صراع سياسي إضافة للصراعات الأخرى التي هي أصلاً موجودة. { تلتقون مع الترابي وحزبه ضمن منظومة القوى السياسية المعارضة كيف التقيتم وأنتم مختلفي الأيدولوجيات؟ - لقاؤنا مع الترابي هو كلقائنا مع الآخرين من القوى السياسية لنا اختلافاتنا معه، وهناك قضايا وطنية اقتضت أن تلتقي القوى السياسية مع بعضها البعض ومن ضمن مكونات هذه القوى السياسية حزب المؤتمر الشعبي. فالوطن الآن يتطلب وحدة الجبهة الداخلية، والخروج من الأزمات التي تأخذ بتلابيب السودان الآن ما في مجال سواء توحد الجبهة الداخلية ، لأننا في ظل ضعف جبهتنا الداخلية مرت كل أشكال التآمر على السودان، وبالتالي حتي نوقف هذا التآمر الدولي لابد من وحدة الجبهة الداخلية، وبالتالي وفي إطار أهمية تلاقي القوى السياسية واتفاقها على رؤى معينة للخروج بالسودان من المأزق نحن على استعداد للالتقاء مع أي طرف سياسي شريطة أن يكون هذا الالتقاء قائما على أساس القاعدة الوطنية، وبالتالي فنحن لا نريد أن نتعامل مع القوى السياسية من خلال منطلق الخصومات السياسية بقدر ما نتعامل من منطلق مصلحة السودان والآن مصلحة السودان تقتضي تلاقي القوى السياسية لأننا الآن في مرحلة مخاض، عليه فنحن محتاجون لأن نخرج بالسودان من هذه الأزمات، وبعد ذلك يمكننا أن نتناقش حول كيفية إدارة السودان ونختلف في البرامج ، فنحن كقوى قومية لنا اختلافاتنا مع الحركة الماركسية والحركة الإسلامية والقوى التقليدية ، ولكن هذا ليست لها أولوية الآن لأن الأولوية الآن هي في كيف نحقق الاستقرار للسودان، فإذا اتفقنا على كيفية معالجة الأزمة السودانية لا يهمنا بعد ذلك من سيحكم، وهذا ما قلناه للمؤتمر الوطني.