لم تغادر ذاكرتي الكلمات التي رددها الراحل محمد إبراهيم نقد في لقاء الصحافة والسياسة بمنزل الإمام الصادق المهدي قبل حوالى ثلاثة أعوام من الآن: بأن الشاعر الغنائي وشاعر أغنية الحقيبة الشهير بود الرضي قال في مدح زوجته في قصيدته الشهيرة (ست البيت) دايماً زاعجاني بي قوم صلي، وقد حاولت تدارك الأمر يومها بتصحيح بيت الشعر ولكن ربما كان قصد الراحل نقد من ذلك هو التوظيف الأيدلوجي بجعل الصلاة أمرا ثانويا حتى عند من يحفظون القرآن من أمثال الشاعر ود الرضي الذي له من الملح والطرائف في حياة الخلوة والحيران وشيخ الحيران ما يشي بأن الخلوة لم تكن كلها ألواحا ودق فلقة وجلبا للماء والحطب وضغطا من جانب الشيخ على حيرانه كي يحفظوا ويعيدوا العودة المرة والحلوة.. قال ود الرضي في ديوانه: شيخنا قال لينا إنتو حرفتو أراكم يا مباديل كلكم هفتوا شيخنا يا شيخنا إت كان شفتو تجدع الكراس والفكي تكفتو وود الرضي المهموم بصلاته والمسرور بحثه عليه من جانب ست البيت لم تأت كلماته علي النحو الذي ذكره الأمين العام للحزب الشيوعي الراحل: (( دايما زاعجاني بي قوم صلي )) ولكنه قال: بس «فقط» إزعاجا لي قوم صلي. معناه أن زوجته لا تزعجه ولا تطلب منه شيئا غير أن تقول له: قوم صلي ... وهذا يعني أنها تكون معه في ونسة وضحك وغزل ولكن عندما تأتي الصلاة لا تقول له زوجي الحبيب قد أذن الآذان أو الصلاة حان موعدها بل كانت تأمره مباشرة بأن قوم صلِّ والشاعر حسب ذلك إزعاجا ولكنه إزعاج دون إزعاج بل من المحببات لدى هذالزوج وهي أيضا «ست البيت» قد فعلت مع الشاعر ما كان يفعله الحبيب المصطفى مع أهله حيث روت عائشة رضي الله عنها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجالسنا ونجالسه ويحادثنا ونحادثه فإذا جاءت الصلاة كأنه لا يعرفنا ولا نعرفه». والأستاذ نقد عليه رحمة الله كان ضمن حوزة صوفية هي حوزة السادة الأدارسة حيث تقدم خليفة السادة الأدارسة للصلاة على جنازته وكان من بين الذين صلوا على الراحل نقد الشيخ الدكتور حسن الترابي والإمام الصادق المهدي وكثير من الشيوعيين الذين صلوا خاشعين علي الجنازة قبل الانتقال للمنزل وإنطلاقة تأبين الراحل التي حدثت في ذات اليوم. وكانت شهادات الشهود للأمين العام للحزب الشيوعي كلها بإيمان الرجل وكان إيمانه كإيمان العجائز وامتدت علاقته بالقرآن لمرحلة أبعد من التلاوة والتدبر ولكن العلاقة وصلت مرحلة التعمق والتفسير وقد اطلع الراحل نقد على كل التفاسير القديمة والتقليدية ولم يجد فيها ضالته فقصد صديقه وزميله«ابن حنتوب» حسن الترابي وطلب منه أن يمده بتفسيره للقرآن المعروف باسم التفسير التوحيدي والترابي يكتب اسمه في التفسير التوحيدي هكذا «حسن الترابي» من غير ألقاب وقد أخذ حديث المتحدثين في تأبين الفقيد محمد إبراهيم نقد كل النهار وكان أيضاً الترابي هو آخر المتحدثين في التأبين وكان قد بدأ حديثه قبل الغروب وكان الشيوعيون قد نبهوه إلى أن يختصر لأن صلاة المغرب على الأبواب ونادوا الطليعة الشبابية بالحزب بأن تهئ المكان للصلاة وعندما حان الوقت رفع الحزب الشيوعي السوداني الآذان لصلاة المغرب وقامت الجموع وهي بالآلاف في تلك اللحظة بأداء صلاة المغرب في جماعة. ومن حسن الحظ أو لسوئه لا أدري أن الجماعات السلفية التكفيرية لا شأن لها بالشيوعيين ولكنها تبذل الجهد في تكفير المتصوفة وتطلق لنفسها العنان في إخراجهم من ملة الإسلام «جماعات وأفراداً».. والشيوعيون السودانيون لا يكفرون بالله ولكنهم يكفرون بالديمقراطية والحرية والتبادل السلمي للسلطة وهذا كفر دون كفر لكون الديمقراطية هي الشورى بين المسلمين وممارسة الشورى على أرض الواقع لا تحدث إلا من خلال الديمقراطية بآلياتها المعروفة وهي الانتخابات والتنافس بين الأحزاب بما فيها حزب الرحمان وحزب الشيطان وهذا أمر مسموح به أن يكون هناك حزب يدعو للإسلام وحزب آخر هو حزب يدعو للكفر كما كان في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد استدرك الصديق صلاح شعيب على ما ذكرته من تأييد كتاب يساريين وشيوعيين للانقلاب العسكري على الديمقراطية في مصر، وكان صلاح قدأبلغني في رسالة ودية بأنه ليس بشيوعي ولا يساري. والمحنة هنا ربما لم تكن محنة فرد ولكنها محنة تيار بأكمله كان ينافح ويكافح ما أطلق عليه دكتاتورية الإنقاذ وعندما وقع الإنقلاب العسكري في الجارة مصر ضد النظام الديمقراطي وثورة 25 يناير هلل اليساريون والشيوعيون «على وجه التحديد» ومعهم القوى التقليدية السودانية منطلقين من الخصومة السياسية للإخوان المسلمين وللإسلام السياسي وهم في ذات الوقت حلفاء للمؤتمر الشعبي في المعارضة، وقد عبر الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي كمال عمر المحامي عن خيبة أمل حزبه من موقف أحزاب المعارضة التي قال إنهم كانوا يضحكون علينا عندما تحالفوا معنا على تحقيق الديمقراطية وإسقاط النظام وقاموا بتأييد الانقلاب العسكري في الجارة مصر وأبعدوا حليفهم في المعارضة وهو الشعبي «عن اجتماعات الهبة الشعبية في سبتمبر» وتحركات الشارع السوداني المعروفة بالاحتجاجات على زيادة أسعار المحروقات. ولم تنل القوى اليسارية في مصر خيراً من خيانتها للديمقراطية وتحالفها مع العسكر ضد الحكومة المنتخبة والرئيس محمد مرسي وآخر الخيبات اليسارية هناك ما حصل عليه مرشح الرئاسة عن ما أسماه قوى الثورة حامدين صباحي وما حققه من إنجاز صفري كبير وهو يضفي الشرعية على سيطرة العسكر على السلطة، فالحصاد في كل الأحوال هو الهشيم الذي تذروه الرياح لقوى ليس لها مبدأ ترتكز عليه ولا موقف حقيقي تستند إليه. بل أن بعضهم عندما يتم تذكيرهم بخطأهم الإستراتيجي وإجرامهم في حق الحرية والديمقراطية يقولون إن الإسلاميين في السودان لا يعتبرون ما حدث في 30 يونيو انقلابا عسكريا وهذا هو العذر الأقبح من الذنب كما قالت ناشطة سياسية مصرية للشعب المصري من على قناة الجزيرة وهي تتساءل كيف تقوم القوى السياسية في مصر بدافع الانتقام والحقد على الإخوان المسلمين بتسليم البلد للجيش، هذا هو العذر الأقبح من الذنب وهو العذر الأقبح من الذنب لدى القوى السياسية السودانية التي تعتقد أن الإسلاميين في السودان ينكرون وقوع انقلاب عسكري في السودان في 30 يونيو 1989م وهذا غير صحيح فقد وضح الإسلاميون أن ما حدث هو انقلاب عسكري أدت إليه ضرورات أمنية وتقديرات واعتبارات في ذلك الوقت وأن باب الحوار مفتوح للخروج من الحلقة الجهنمية المتمثلة في الديمقراطية ثم الانقلاب العسكري وهذه الحلقة منذ استقلال السودان وعلى القوى السياسية السودانية أن تتفق على أن الديمقراطية والحرية هي الطريق الوحيد والأفضل للتداول السلمي للسلطة والحوار المطروح الآن هو امتداد لهذه القناعة التي ترسخت لدى الإسلاميين والحركة الإسلامية في السودان ولكن القوى التي لا تؤمن بالديمقراطية وبالحوار هي التي تعرقل مسيرة الحوار وذلك لقناعتها بأن الشعب لن يأتي بها عن طريق صندوق الانتخابات وخيارها هو العمل المسلح والجبهة الثورية وما يمكن أن يدخل السودان في النفق المظلم نفق الصراعات الإثنية والدموية وكي يتحاشى الجميع هذا المأزق لا بد من المضي قدماً على طريق الحوار وإزالة كل القيود وتهيئة المناخ بإلغاء وتعطيل القوانين المقيدة للحريات وإعلان وقف شامل لإطلاق النار ودعوة حاملي السلاح للمشاركة في الحوار الوطني والاتفاق على الدستور الدائم للبلاد وجعل الانتخابات هي الفيصل بين القوى السياسية في الوصول لكراسي الحكم كما أن النظام المتبع هو نظام التمثيل النسبي الذي يشرك الجميع في إدارة البلاد. مع إقرار المواطنة والابتعاد عن أي نوع من أنواع التمييز سواء بسبب العرق أو الدين أو اللون أو الجهة .