أجرته: آمال الفحل تصوير: متوكل البيجاوي كشف نقيب المحامين دكتور عبد الرحمن إبراهيم الخبير القانوني والقيادي بالمؤتمر الوطني، عن أبرز ملامح الدستور الدائم الذي يتم إعداده، وقال إنه يتحدث عن واقع سياسي تعددي وحريات وحقوق الإنسان ونظام حكم رئاسي ونظام فيدرالي لا مركزي وثروة للولايات. أكد د. إبراهيم في الحوار المطول الذي أجرته مع «الإنتباهة» بمكتبه بالخرطوم، أن الحوار مع الأحزاب قد قطع مراحل متقدمة إلا أنه عاد وقال إن عين الأحزاب لم تغادر كراسي السلطة ونهجها كما كان قبل عشرين عاماً «البلد بلدنا ونحن أسيادها»، وشدد على أن وجود نواب للحركة الشعبية بالبرلمان لا يسنده قانون أو منطق، وقال إنه لا يتسق أن يكون للحركة الشعبية حزب باسمها أو ممثلون للشعبية في البرلمان وهي حاكمة في دولة أجنبية. وامتدح د. عبد الرحمن تعيين الحاج آدم نائباً لرئيس الجمهورية، وقال إنه كان معارضاً لقناعات وعاد أيضاً بقناعات. وغيرها من أسئلة ومحاور متعددة طرحتها «الإنتباهة» أمام الدكتور عبد الرحمن إبراهيم نقيب المحامين وعضو وفد التفاوض لمفاوضات نيفاشا. أولاً كيف ينظر الدكتور عبد الرحمن الخليفة إلى احتواء حكومة الجنوب لتحالف الجبهة الثورية الذي أثار جدلاً واسعاً؟ هذا تجمع متآمرين ويستهدف هوية السودان وتاريخه وحاضره، وهو تجمع محكوم عليه بالفشل لأنه ليست لديه أسس فكرية ولا منهل، وهو أداة في أيدي الاستعمار الغربي والصهيوني، وحكومة الحركة الشعبية تريد استخدامه تمويهاً لإخفاقاتها الداخلية، وهو ليس أمراً جديداً، وهو تجمع للحاقدين والعنصريين والعلمانيين، وتجمع كهذا لا يكتب له نجاح. البعض يرى أن هذه الخطوة واحدة من إفرازات نيفاشا فما قولك؟ هذا ضرب من ضروب التأويل البعيد وليس من إفرازات نيفاشا، وهذا أحد إفرازات الإخفاقات السياسة الحزبية السودانية التي فشلت في التوصل إلى السلطة، وتريد أن تصل بقوة السلاح والاستعانة بالأجنبي، ويعتبر أيضاً ذلك حالة إحباط حاد لبعض المجموعات التي لم تر لنفسها مستقبلاً سياسياً، لذلك تحاول هذه المحاولة الانتحارية. هناك أزمة اقتصادية وقضايا أمنية بالنيل الأزرق وجبال النوبة، عموماً كيف تنظر إلى الوضع السياسي الراهن هناك؟ أولاً المسألة الاقتصادية ليست قاصرة على السودان ولكنها مشكلة عالمية، والسودان ليس جزيرة معزولة عما يدور في العالم، ولكن هناك محاولات جادة لاحتواء تفلت الأسعار، وجزء من الزيادة مربوط بأسباب اقتصادية، وجزء منها بعوامل مرتبطة بالسوق نفسه ومضاربات البعض، وهذا يتطلب من الدولة واجباً كبيراً جداً لاحتواء الأمر. ومن الجانب الآخر ما يدور في النيل الأزرق وكردفان هو حلقة من حلقات مشروع كبير كانت تضطلع به الحركة الشعبية، وهذه حلقة من حلقات تآمر الحركة الشعبية لا تنفك أو تنفصل عنها، ولا تستطيع أن تدير شيئاً دون مشورة الحركة الشعبية الأم أو تدبيرها، ومعلوم أن قيادة الحركة الشعبية كانت بالنيل الأزرق وجنوب كردفان أو ما يسمى «قطاع الشمال» هي إحدى مكونات الحركة الشعبية التي صارت جزءاً من خميرة العكننة في الجو السياسي العام في السودان، وبما أن الحركة أصرت على أن تنفصل فهي تريد أيضاً أن تكون لها أيادٍ وأصابع في الشعب السوداني فهذا من ضمن المخطط، وبما أنه قد أجهض وأحبط فقد أصبحت الحركة في إشكال كبير، فوجودها في السودان ليس له ما يبرر بتلك الواجهات والتسميات والأسماء والسياسات، ولم يعد هناك مبرر لوجود كهذا أبداً. في تقديرك ألا تعتقد أن ما يجري الآن في غالبية الوضع الاقتصادي والسياسي هو إفراز لاتفاق نيفاشا؟ لا نستطيع أن نقول إن الوضع له قاعدة انطلاق معينة، فالأوضاع تتراكم لمعطيات كثيرة وعديدة، ومحاولة تحمل نيفاشا كل أخطاء التطبيق هذا تجافي العقل والمنطق السليم، فنيفاشا في ظروفها كانت أفضل ما يمكن أن يُقدم، أما طريقة التطبيق ومحاولة الحركة الشعبية استغلالها فهذا أمر لا يقلل من نيفاشا، فالعيب في نوايا الطرف الآخر الذي كان يبيت النوايا منذ البداية، ولهذا أنا لست مع التفسير الذي يلقي بكل المشكلات الحاضرة الآن في نيفاشا. ماذا كان يدور في الغرف المغلقة بنيفاشا وما هي التفاصيل التي تمت ولم تنشر؟ لم تكن بنيفاشا غرف مغلقة بل كان هناك تفاوض بين طرفين، فهي أجندة توضع ومسائل تناقش ويتفق عليها وأخرى ويختلف حولها، في محاولة التوفيق بين الجانبين. كيف تنظر إلى تكوين الجمهورية الثانية؟ تأتي الجمهورية الثانية وقد تخلص السودان من عبء كبير ومن معوقات كبيرة، فوجود الحركة الشعبية كان عامل تخزيل وعاملاً معوقاً، وأحد العوامل التي تريد أن تقعد بالسودان وتجره إلى مهالك كثيرة، ولكن الآن انطلقنا وتحررنا من هذه الجزئية، وأكثر ما تحاول به المعارضة السودانية به كثير من العبث السياسي، لذلك لا أعتقد أنه سيهدد انطلاق الجمهورية الثانية. الدستور الانتقالي مازال سائداً.. فهل نستطيع القول إن السودان يعيش الآن فراغاً دستورياً؟ السودان لا يعيش أبداً أي فراغ دستوري، والذي يتحدث عن فراغ دستوري لا يعرف عن الدستور شيئاً، والدستور الموجود الآن سوف يظل قائماً، وهو الدستور السائد لحين وضع دستور جديد. إذن هو دستور اتفاقية السلام؟ قولي كما شئت لكن هو الدستور الانتقالي لسنة 2005م، وكل المواد المتعلقة باتفاق السلام مع جنوب السودان قد سقطت، ووصفه بدستور السلام هذه محاولة توجد بها إثارة. من الذي يكلف بوضع الدستور هل هو حزب بعينه أم قوى سياسية؟ الذي يضع الدستور هو كل القوى السياسية، وفي مقدمة تلك القوى السياسية المؤتمر الوطني نفسه، وكل القوى السياسية تشارك فيه إلا من يرفض، ويشارك أيضاً الاكاديميون والمثقفون، وتشارك فيه قطاعات المجتمع كافة، وهو ليس حكراً على الأحزاب وحدها، فهو للشعب السوداني كله. في تقديرك ما هي أبرز ملامح الدستور القادم؟ من ملامح الدستور القادم أن يتحدث عن واقع سياسي تعددي، ويتحدث عن واقع حريات وحقوق إنسان، وشكل حكم رئاسي ونظام فيدرالي لا مركزي، وثروة للولايات لكي تنهض.. هذه هي تقريباً ملامح الدستور القادم. هل تم الاتفاق مع الأحزاب على هذا؟ لا أدري، فهذا يتعلق بالأحزاب نفسها، وأنا لست معنياً بذلك، لكن المسائل العامة محل اتفاق، أما التفاصيل فلكل حزب أجندته الخاصة. قضايا حقوق الإنسان ترتبط في أكثرها بالحريات الصحفية والحقوق المدنية للمواطنين.. ما هو تعليقك؟ توجد في السودان مجموعة من الصحف التي تصدر يومياً، ولا يوجد هذا الكم الهائل من الصحف في الوطن العربي والإفريقي أو غيره، ونجد أن الحريات الصحفية أحياناً تصل حد التفلت، وتتجاوز ذلك وتظهر فيها عناوين رئيسية للإثارة، وتكون أحياناً مخالفة للنظام العام، ولكل حرية قيود يحددها القانون، والحريات التي يحددها الدستور ينظمها القانون، والحريات المتاحة الآن فيها قدر كبير جداً للصحافيين، وما كانت تتهامس به المعارضة على صفحات بعض الصحف نتأذى منه، ولكن هذه ضريبة الحريات، وهذه الحريات قد ارتضيناها. العالم المتقدم تقوده منظمات المجتمع المدني ويعوَّل في السودان أن تقوم المنظمات بدور مماثل.. لكن غالبية هذه المنظمات تُتهم بأنها تنتمي للمؤتمر الوطني.. كيف يستقيم ذلك؟ ما الذي يقصد بالمجتمع المدني؟ فالأطباء هم مجتمع مدني، وكذلك المحامون والمعلمون والعمال، وهذه قائمة تقوم بدور فاعل، لكن في أي مكان في الدنيا الخيار ليس بين الحزب الحاكم ومنظمات المجتمع المدني، وليس هناك صراع بين هذه المنظمات إلا إن كانت منظمات مرهونة أو مرتبطة بأجندة خارجية. في ظل التشريعات والقوانين هل تعتقد أن قانون الصحافة الحالي مقبول؟ «أهل مكة أدرى بشعابها» وأنتم أعلم بقانون الصحافة ما له وما عليه.. لكن في ما يختص بقانون الأحزاب فهو قانون منظم لعمل الأحزاب، وهو قانون رائد جداً، لكن في النهاية هذا دوره للتعامل مع التعقيدات التي يبرزها الواقع في الممارسة العملية. وجود محاكم وطنية للنظر في الاتهامات المتعلقة بحقوق الإنسان والجرائم المتعلقة بمناطق النزاع هل يقي السودان من التدخل الأجنبي؟ هذا التدخل ليس لعدم وجود محاكم، لأن التدخل يأتي في إطار تآمر غربي صهيوني لتطويع السودان البلد الذي يعتقدون أنه لم يأتِ لبيت الطاعة بعد، وإن لم يتم هذا سيحاولون إيجاد منفذ آخر، لذلك يجب سد الثغرات في وجوه هؤلاء. ما هو تكييف الوضع القانوني والدستوري في تقديرك للنواب الجنوبيين «برلمانيو الحركة» في المجلس الوطني؟ هؤلاء النواب كانوا يمثلون حركة سياسية وهي الآن حركة دولة أجنبية، وهذا أمر محسوم برجوعهم الى الجنوب.. ولا سبيل ليكونوا أعضاءً في المجلس طالما أنهم أصبحوا ممثلين لدولة أجنبية.. ولا يوجد وضع في العالم يقبل بوجود حزب سياسي لدولة أخرى في داخله فهذا لا يجوز. بالرغم من بعض الآراء الرافضة لاتفاق الدوحة خاصة من قبل بعض الحركات وأحزاب معارضة.. كيف تنظر للاتفاق؟ اتفاق الدوحة محاولة جادة من جانب الحكومة والحركات الموقعة عليه، فهذا جهد استغرق فترة طويلة واستصحب تجارب سابقة، وحاول تجاوز كل الإخفاقات السابقة، وأعتقد أنه حل حقيقي لتجاوز الإشكال في دارفور. استصحب المتحفظون على الاتفاق تجربة اتفاقية أبوجا وفشل حركة مناوي والتخوف من تكرار التجربة.. كيف يتفق ذلك مع ما ذكرت؟ لا مقارنة بين مناوي والسيسي، فالسيسي يتمتع بقدر عالٍ جداً من الثقافة، وكان رجل دولة حين كان والياً، ويجد كل الاحترام من أهل دارفور، وعمل بمنظمات إقليمية ودولية وله تجارب.. لكن مناوي رجل محلي وليس لديه تراكم خبرات في السياسة.. إذاً الحديث عن مقارنة يكون مجحفاً جداً بالنسبة للسيسي.. وأنا متفائل جداً بالاتفاق. الإعلان المفاجئ والسريع لمنصب نائب الرئيس وقبول الحاج آدم بالتكليف.. ما هو تعليقك على ذلك؟ أولاً الحاج آدم لم يخرج عن الالتزام بخط الوطني، وكان عفيفاً حتى في معارضته، ولم يغالِ ولم يتطرف، ومعارضته كانت حول قناعات، وعودته إلى أحضان الوطن كان جزء منها أيضاً على قناعات، فالحاج آدم رجل حكيم، ومن واجبه الوطني قبول هذا الأمر، وأعتقد أن الترشيح صادف أهله. ما هو تعليقك على تشكيل الحكومة الجديدة والحوار الذي يدور مع الأحزاب وتأخر إعلانها؟ أعتقد أن الحوار قطع مراحل مقدرة، لكن عين الأحزاب لم تغادر كراسي السلطة مهما قالوا، وعندما تتحدث الأحزاب عن مطالب فهذا أمر ينقص كثيراً من وضع المعارضة.. لأن مشاكل الوطن وهم الوطن لم تأتِ أولاً، لكن السلطة هي التي تأتي في الأولوية، لذلك لست متفائلاً بمشاركة الأحزاب، وكنت أرجو لتلك الحوارات أن تفضي إلى اتفاق حقوق عامة حول قضايا وطنية كبيرة، بدلاً من التركيز على المحاصصة والإلحاح على طلب السلطة، وبعض الأمر وصل حد من السخف بإقحام الهيئة القضائية والقوات المسلحة والشرطة والخدمة المدنية، كأنما السودان أصبح «كعكة» تأتي المعارضة عليها «بالسكين» لتأخذ نصيبها، متجاوزين بذلك قواعد وطنية ثابتة لكن الحكومة نادت بتكوين حكومة عريضة؟ مازالت الحكومة تنادي بحكومة عريضة، والأمر مفتوح للكل إلا من أبى، لكن إذا كان البعض يرى أن هذه العريضة يجب أن تكون كلها لهم ماذا تفعل في ذلك؟ ودعوة الحكومة لحكومة عريضة قد يكون البعض فهمها خطأ بأن ذلك ضعف من الحكومة، وأنها في موقف يمكن أن يمارس فيه عليها المزيد من الضغوط لتستجيب لمطالب الأحزاب، بدلاً من أن تقابل بأريحية أهل السودان لتوسيع ماعون المشاركة السياسية. فخامة رئيس الجمهورية قال إن السودان ليس ملكاً للمؤتمر الوطني.. هل هذه دعوة للتسامح ومشاركة الأحزاب؟ نعم.. لكن كل ما يُقال أن الأحزاب السياسية تنطوي على قدر من الانتهازية، فهنالك مَنْ يعتقد أن البلد ليست للمؤتمر الوطني بل له هو بدلاً من أن تكون للجميع، خاصة أن هذه أحزاب بعضها له شعارات قديمة «البلد بلدنا ونحن أسيادها»، وهذه الأحزاب تعيش على وضعها قبل «20» عاماً، ولا تستطيع أن ترى التغييرات التي حدثت.