تؤكد تحريات جهاز الموساد أن جهاز أمن حزب الله لا يشك قط في إخلاص أحمد الحلاق ووطنيته لحزب الله.. إلا أن تنفيذ عملية الشيخ عبيد خلقت حالة نفسية من الخوف تملكت أحمد الحلاق من رأسه إلى أخمص قدميه.. دفعت حالته النفسية وخوفه الشديد مما يقال حوله من أثر عملية اختطاف الشيخ عبيد.. وتحت ضغوط شديدة.. اضطر لأن يغادر الناقورة إلى قريته (برجا) شمالاً.. بعد غياب طويل عن أسرتهم.. وفي برجا كان اللقاء مثيراً مع زوجته الأولى فاطمة.. وابنته وهيبة التي بلغت العاشرة من عمرها وابنه هيثم الذي يصغرها بعامين.. لقد لفهم عناق طويل مفعم بحرارة اللقيا مليء بأهازيج الفرح التي اختلفت بمشاعر الشوق والدفء.. وبدأ الحلاق ضعيفاً آسفاً أمام اللقاء الحميم.. ولقاء زوجته الحار العفوي الذي أظهر طيب معدنها وأسالتها.. وتسامحها رغم مرارة الهجر والوحدة حيث عانت من تربية طفلين يافعين. مع ما ترامى إلى مسمعها من زواجه من أخرى.. فساقت نيرانها تلاطفه في بشاشة رغم حرمانها طيلة سنوات الغياب والهجر.. فوق كل ذلك معتزة تطلب رضاه وعطفه.. فتملكته أحاسيس الندم.. وثارت بنفسه أوجاع شتى أضرمت عليه نيار الندم.. فتساقطت دمعاته حرى باللواعج.. حيث عاهد أسرته على ألا يغيب عنها أبداً.. وماهي إلا أيام.. أن غادر برجا إلى بيروت بعد ما ترك لفاطمة مالاً ليس بالقليل.. وما أن وصل بيروت.. عادت إليه هواجسه مع الخوف والهلع.. إلا أن الأحداث والأحوال في بيروت طمأنته حيث شعر بالأمن.. فرجال حزب الله رحبوا به.. بل وطلبوا منه موافاتهم بتحركات أعوان إسرائيل في الجنوب.. ولما سألهم عن كيفية اختطاف الشيخ عبيد إلى إسرائيل.. أجابوه بأن ثمة خونة كانوا يقودون فريق الكوماندوز الإسرائيلي.. وهم بصدد التوصل إليهم.. ولما سألوه عن السبب في تغيبه كل تلك الشهور أنبأهم بأنه رزق بمولود جديد ولد مريضاً.. فاستلزم ذلك منه البقاء في الناقورة.. وبعد تلك التي قضاها في بيروت.. عاد الحلاق ثانية إلى الناقورة في ثوب جديد مغاير .. فأسرع بمقابلة رئيسه «رجاء ورد» يلح في إعفائه من العمل.. حيث أنه لن يستطيع أن يتعامل معهم وكل خلية في جسده ترتعد خوفاً من اكتشاف أمره.. لكن ضابط الموساد الشرس لم ينصت إلى حديثه.. وقذف إليه بعض الدولارات لتسكن خوفه.. وما كانت أموال الدنيا كلها في تلك اللحظة أهم عنده من حياته.. وأمنه.. لكن الضابط «دينيه البياضي».. أشفق أخيراً على الفأر المذعور.. المتهالك ومنحه إجازة طويلة من العمل.. فالعميل الخائف في عرف أجهزة المخابرات من السهل كشفه وسقوطه.. وفي حالة كشفه سيكون سقوطه مدوياً قد يقوده الى الانتحار.. فالحالة النفسية المستقرة، والبعيدة عن أحاسيس الخوف.. هي التي تجعل العملاء والخونة.. يستمرون في تماديهم في خيانة أوطانهم حيث يتمكنون من التغلغل والعمل والإنتاج في سهولة. لكن في حالة تمكن الذعر منهم، يكونون في تلك الظروف غير الطبيعية أكثر عرضة للخطأ فالسقوط، من هنا يتم احتواء أمثال هؤلاء.. وتهدئتهم بواسطة خبراء نفسيين ينأون بهم عن جو الإحساس بذنب الخيانة.. ينزعون عنهم الخوف بتصوير بطولاتهم وأعماله على أنها خارقة وبعيدة عن الخيانة.. وإنما لأجل السلام والأمن بشتى الأطراف.. هكذا خضع الحلاق للفحص النفسي والتحليل العميق.. وجاء بالتقرير النهائي أنه «يعاني حالة ذعر PANIC متأخرة.. قد تصل به إلى مرحلة الهذيان Delirium وبعد عرضه على أحدث أجهزة (اختبار تداعي الكلمات) Word association test جاء التقرير لصالحه: «ينصح بتوقفه عن العمل مؤقتاً لفترة لا تقل عن عام». بناءً على ذلك.. قبع أحمد الحلاق بالناقورة مشغولاً بمحله التجاري.. وبزوجته حنان الياسين التي حملت للمرة الثانية.. وفي أكتوبر 1992م وضعت حنان الياسين ابنتها «باسكال».. وبدأ العد التنازلي لنهاية جاسوس الموساد في لبنان.. في فجر 21 سبتمبر 1996م تم كشف أحمد الحلاق.. بأنه جاسوس لجهاز الموساد هو وزوجته حنان الياسين وذلك بعد حوالي سبعة أشهر من اعتقاله في جنوبلبنان هو وزوجته حنان الياسين التي حكم عليها ب «15» عاماً مع الأشغال الشاقة.. ونفذت عملية الإعدام على زوجها أحمد الحلاق في باحة سجن روميه الداخلية ببيروت ودفن بقريته.. * الحلقات القادمة: اختطاف الشيخ الديراني من لبنان