تجاوزتُ البوابة الغربية لعمارة أبراج الحرية، وعندما وصلت الطابق الثالث صعوداً بالسلم ظننت أني قد وصلت المكتب الذي أقصده، ولكن الخبر غير السار بعد الاستفسار أن المكتب يوجد في الاتجاه الآخر عبر البوابة الجنوبية، فأعدت الكرة ثانية لأصل أخيراً إلى مكتب بالطابق الثالث بعد أن ساورتني الشكوك في أنه هناك، لأجد محدثي وسط مجموعة من الناس. صفته الواضحة من خلال ردوده على أسئلة «الإنتباهة» الهدوء والموضوعية كما بدا لي، لا تنقصه الصراحة حتى تحفظاته يفسرها بوضوح، إنه ضيف «الإنتباهة» الأستاذ محمد عبد الله الدومة نائب رئيس حزب الأمة القومي، الذي دار معه الحوار في موضوعين رئيسين، هما قضية الحوار الوطني الذي نفض الحزب يده عنه، ومساعي الأمة القومي لاستعادة لحمة الحزب، في ظل ظروف سياسية وأمنية بالغة التعقيد ليس على المستوى الداخلي فحسب، إنما على المستويين الإقليمي والدولي أيضاً، كما لم يغفل اللقاء قضية قانون الانتخابات وتعيين كريمة المهدي نائباً لرئيس الحزب. في المساحة التالية تطالعون تفاصيل المقابلة. بداية أستاذ الدومة، متى اتخذ الحزب قرار تجميد مشاركته في الحوار؟ القرار تم اتخاذه من قبل المكتب السياسي للحزب في أول اجتماع له عقب اعتقال السيد الصادق مباشرة، حيث جمد أي حوار مع المؤتمر الوطني. لماذا لم تعلنوا عن التجميد إلا بعد خروج المهدي وسفره للخارج؟ هذا القرار بعد اتخاذه تم إعلانه مباشرة في وقتها. ولكن المهدي من سجنه كان يؤكد أن الحوار خيار إستراتيجي بالنسبة للحزب. لا. المهدي كان يتكلم عن أمر آخر، لم يكن يتكلم عن الحوار في الوقت الراهن، إنما عن الحوار كخيار إستراتيجي في المستقبل. فهو مؤمن أن الحوار هو الذي يحل أزمات البلاد. وكلنا نؤمن بأنه ما من حل للإشكالات التي تمر بها البلاد إلا بالحوار وهذا توجه إستراتيجي. من ضمن حيثياتكم للتجميد أن الوطني لم يف باستحقاقات الحوار. رغم أنكم وافقتم على الحوار دون شروط. مالجديد الذي دفعكم لتتحدثوا عن استحقاقات؟ كانت هناك مطالب فعلاً هي الحريات، ونتيجة لهذا أصدر رئيس الجمهورية قراراً متعلقاً بالحريات وأشياء ذات صلة بوقف إطلاق النار وموضوع السلام وإطلاق سراح المعتقلين، هذه مطالب تحدثنا بها منذ البداية، ولم تظهر بعد اعتقال المهدي. ولكن مطالبكم تلك لم تمنعكم من المشاركة في الحوار آنذاك. نعم. لأن الوطني قال إنه بالإمكان معالجة تلك المشكلات، بدليل أن الرئيس اتخذ قراراً فيما يتعلق بالحريات نتيجة لمطالبنا بذلك، ولكن ماذا حدث لهذا القرار هذا موضوع آخر. هل تقصد أن قرار إطلاق الحريات لم ينفذ؟ لم ينفذ طبعاً، لان قرارهم منذ البداية معيب، فلا يعقل أن ينص القرار على أخذ الإذن لعقد اللقاءات السياسية والعمل خارج دور الأحزاب بعد «48» ساعة من تقديم الطلب، ليه «48» ساعة؟ فالقرار منذ البداية لا يلبي طموحات المعارضة، فالقرار معيب بمعنى أن تعليق حرية العمل السياسي بإجراءات تقديم الطلب والنظر فيه والموافقة عليه بعد «48» ساعة، ونحن جربنا ذلك، قدمنا طلباً ومضت «72» ساعة ولم يعطونا الإذن. متي كان ذلك؟ بعد سجن المهدي. دعوتم لربط الحوار بعملية السلام. ما القصد من ذلك؟ نحن لم نربط الحوار بالسلام فقط، إنما هناك إجراءات أخرى، منها إطلاق سراح المعتقلين سياسياً وأيضاً المحكومين سياسياً، هناك مجموعة كبيرة جداً من المحكومين سياسياً في السجون، فهذه حزمة مطالبات، السلام ووقف إطلاق النار والشروع في مفاوضات السلام, وإطلاق سراح المعتقلين والمحكومين. ما هي رؤيتكم لمفاوضات السلام. هل تأتي الحركات المسلحة بالداخل للمشاركة وفق ضمانات أم ماذا؟ البدء في عملية السلام أولاً، بحيث تتاح الفرصة للحركات المسلحة، وبما أنها مسلحة لا يمكن أن تأتي للخرطوم ولذلك يجب أن يبحثوا لها عن منبر آخر سواء الدوحة أو بريطانيا أو أي مكان آخر، على أن يكون الحوار متزامناً، حوار الأحزاب بالداخل وحوارالحركات بالخارج. وليس بالضرورة أن يجتمعوا معاً، ولكن بالضرورة أن يكون هناك حوار مع هذه المجموعات لنصل للسلام. بموقفكم الجديد من الحوار انتقل الحزب إلى خانة تحالف قوى الإجماع الذي قدم تنفيذ شروطه على المشاركة في الحوار. هل بدا لكم أن موقف التحالف كان سليماً منذ البداية؟ ثمة أشياء حدثت يجب أن نرجع لها. كان هناك أمل أن يستفيد النظام الحاكم من التجارب، بحيث أنه مع الحوار تمضي عملية إعادة بناء الثقة كإطلاق سراح المعتقلين والمحكومين وعدم مصادرة الصحف والسماح بإقامة الندوات السياسية والتجمعات جنباً إلى جنب مع المفاوضات. نحن وضعنا كان مختلف صحيح، ولكن المعارضة الأخرى كان لها رأي منذ البداية أنهم لن يشاركوا في الحوار إلا بعد الاستجابة لشروطهم، أما نحن فكان اعتقادنا بأن عملية تلبية الشروط يمكن أن تكون مصاحبة للحوار، بحيث تكون في تنازلات مستمرة بإطلاق سراح المعتقلين والمحكومين وبدء مفاوضات السلام، ووقف إطلاق النار، وتوفير الحريات الصحفية والحريات عموماً، وأن هذه المطلوبات يمكن أن تمضي مع الحوار، وهذا لا يعني أننا أخطأنا أو أننا سذج، إنما نتيجة لثقتنا، إعتقدنا أن الوطني يمكن أن يقدم تنازلات، ولكن اتضح لاحقاً أن المؤتمر الوطني لم يكن جاداً في عملية الحوار، فهو يتحدث عن شيء ويفكر في آخر. فيم يفكر الوطني؟ الوطني من خلال طرحه للحوار يفكر في الحفاظ على أوضاعهم الحالية في الحكم، مع بعض التحسينات، ويسعون «لردف الناس» معهم في الحكم، لأنهم لا يريدون من الأساس التنازل. لا تنازلات لديهم، فهدفهم «ردف الآخرين» ليكونوا معهم ليتقاسموا «الكيكة» والمصائب «الماشة» على البلاد، والتفكير على هذا النحو تفكير غير سليم وغير أمين، الناس تفكر في خروج السودان من أزماته ومشكلاته، أما الوطني يفكر في مناصبهم ومقاعدهم في الحكم. هذا هو الفرق بيننا وبينهم. مرة أخرى. هل اتضح لكم صحة موقف تحالف قوى التجمع برهن المشاركة في الحوار بالاستجابة لشروطها؟ لا. أنا لا أقول صحيحاً أو غير صحيح، لكن ذلك كان موقفهم، نحن كان لنا موقف شرحته لك سابقاً، ففي السياسة طبعاً «ما في حاجة اسمها دا صحيح ودا غلط» , السياسة حسابات، كل يحسب بطريقته، ولكل معلوماته وأشيائه التي يعتمد عليها في اتخاذ القرار، قد نكون نحن مصيبين أو مخطئين، ولكني لا أقول أن فلاناً هذا أخطأ أم لا. لأن المجال ليس مجال أخطأت أم لم تخطئ لكن هي اجتهادات قابلة للمراجعات. تحدث حزبكم عن ضرورة تشكيل آلية حوار تجمع بين الأحزاب والحركات المسلحة رغم وجود آلية (7+7)؟ نحن الآن لاعلاقة لنا بآلية (7+7) على الإطلاق، وهي لا تعنينا، إنما تعني آخرين، فنحن لا نفكر بتلك الطريقة القديمة، إنما نفكر الآن في تجاوز هذه المرحلة، ولا بد أنك سمعت أن المهدي قال ل«ناس الوطني» عندما اتصلوا به: «أحسن الله عزاءكم»، بمعنى أن كل ما كان في المرحلة السابقة للحوار قد انتهى. ما هي مآخذكم على آلية «7+7»؟ الموضوع ليس في العدد، إنما أن عملية الحوار كلها «ما ماشي». نحن نفكر في أن الحوار لا بد أن يبدأ بأسلوب جديد ووسيلة جديدة وطريقة جديدة. أما الطريقة الحالية فقد جلب لها الوطني «82» حزباً ما معروف من أين أتى بهم؟ ومن هم؟ فهذا فيما أرى مضيعة للزمن ويمنح حقوقاً ل«ناس» آخرين لا يستحقونها، لا بد للحوار من الجدية، ولكن الحوار بالطريقة التي هو عليها الآن حوار غير جاد على الإطلاق. إذن ما هو الطريق الجديد الذي أشرت إليه؟ الموضوع قابل للنقاش مع السياسيين جميعاً، ولكن نحن نعتقد أولاً أنه يجب إغلاق صفحة الحوار السابقة وفتح صفحة جديدة، نحن الآن أقرب إلى قوى الإجماع الوطني، ولدينا سياسة جديدة فيما يتعلق بجمع الصف الوطني بجانب لم الشتات داخل حزب الأمة، لذلك نحن في الفترة القادمة نسعى لأفكار جديدة، ولا نريد أشياء يثبت لنا أنها لا تمضي قدماً للأمام مثل الحوار، فالحوار الآن «ما ماشي»، بدليل خروج حزب حركة الإصلاح الآن، ولا يوجد الآن حزب معارض حقيقي مع الحوار. ولكن المؤتمر الشعبي هناك؟ المؤتمر الشعبي أقرب للمؤتمر الوطني. فهم إسلاميون ولديهم أشياء مشتركة، وفي طريقهم للالتقاء ولا نمنعهم من ذلك. ولكن هم فيما بينهم لا يوجد بديل آخر أمامهم كحزبين، ولكني أتحدث عن المعارضة، فالشعبي معارض فعلاً ولكن قناعاته اختلفت الآن. كيف اختلفت؟ الشعبي أصبح أقرب للوطني، ولديهم أشياء أخرى لا علاقة لها بالسودان. وهي أهداف الإخوان المسلمين علي مستوى العالم، لذا هم يرغبون في الاجتماع مع الوطني لمعالجة هذه القضايا وفي النهاية يتحدون. هل ترى أن للشعبي أجندة خاصة بالحوار أكثر من قضية الوطن الكبرى؟ الشعبي والوطني لديهما أجندة خاصة تتعلق بهما كإسلاميين. وهذه ليست بالضروروة لها علاقة بقضايا السودان.إنما لها علاقة بالإخوان في السودان وحركة الإخوان على مستوى العالم، فهم ليسوا بعيدين عنها. هل نستطيع القول إن حزب الأمة في طريقه لنفض الغبار عن علاقته بقوى التجمع الوطني؟ نحن مع قوى التجمع ونتعامل معهم، واجتمعنا معهم كذا مرة. متى كان ذلك، وما الذي دار بينكم؟ دعي هذه التفاصيل لوقت آخر. ولكن كيف ذلك، ونشاطكم مجمد في التحالف منذ أكتوبر الفائت؟ لا. نحن فكينا التجميد، بعد خروج السيد الصادق، وقد تم اتخاذ ذلك القرار في المكتب السياسي،. إذن هل بلغتم قوى الإجماع بالقرار؟ في اتصال مع قوى الإجماع. أقصد هل أبلغوتهم بقراركم فعلاً؟ هناك اتصال معهم، وهذا لايعني أننا صرنا جزءاً منهم، فهذا غير وارد الآن، لكن أبلغناهم أننا على استعداد للجلوس معهم، وكل القضايا الخلافية السابقة فيما بيننا نحلها، وهذا ما نحن عليه الآن. وماذا كان ردهم؟ مرحبين طبعاً. ولكن هناك من لديه رأياً آخر، لا نستطيع القول إنه معارض لعودة حزب الأمة، ولكنه يرى أن هناك أشياء حدثت ما كان ينبغي أن تحدث. من هولاء المتحفظون؟ لا أريد أن أذكر أسماءهم، لو تذكري كان هناك من يتحدث عن محاسبة حزب الأمة؟ لا أذكر، هل هم الشيوعيون؟ لا. بغض النظر عمن هم أعتقد أنه لا تزال في نفوس أولئك شيء من حتى، ولكن حتى هذه الأشياء يمكن تجاوزها بسهولة، فالوضع الآن قابل أن يتجاوز الناس مثل هذه المسائل، بالذات حزب الأمة لديه استعداد أن يتجاوز هذه العقبات، ولديه من الإرادة ما يجعله يتخذ القرارات التي يراها لمصلحة السودان وليس لمصلحته كحزب.