ولاية جنوب دارفور، تكاد تكون الولاية الوحيدة التي تجاور ثلاث دول، تجاور دولة الجنوب ودولة أفريقيا الوسطى من الجنوب الغربي ودولة تشاد من الجانب الغربي، فهي ولاية مركزية وضعها أشبه إلى الدولة من كونها مجرد مقاطعة أو ولاية سودانية، خاصة وأن وضعها يُشكل أهمية كبيرة في التداخل الإثني بينها وبين هذه الدول، تشادوأفريقيا الوسطىوجنوب السودان، وكثيراً ما تتداخل هذه الإثنيات في الولاية، هذا التداخل مع طول الزمن أحدث تصاهراً بين المجموعات القبلية المتداخلة، وصارت الحياة مشتركة بين أبناء هذه الدول، حيث كل منهم من يجد في ولاية جنوب دارفور موطنه الثاني الذي يجد فيه من أبناء جلدته من هو مسؤول كبير في الولاية يدير أمور الناس فيها، ولم يجد في ذلك حرجاً حيث أن الولاية منذ قديم الزمان هي ولاية سلام وتعايش. وبنفس نمط الحياة المعروف في الولاية، من خلال التداخل الإثني، فإن ولاية جنوب دارفور هي أيضاً ولاية مركزية على المستوى الداخلي، فالولاية تضم قبائل رئيسة مثل البرتي والزيادية والزغاوة والتُنجر من شمال دارفور والقمر والمسلات والتاما والمساليت من غرب دارفور، هذا إلى جانب قبائل الولاية المعروفة من المجموعات الثقافية التي تشكل مكونات الولاية الإثنية على المستوى الداخلي، لذلك نجد أن هذا التصاهر والتداخل القبلي قد يؤثر على ممارسات الحياة بشكل أو آخر بصورة لم تكن محسوبة لدى الأمن عموماً أو الجهات القائمة عليه في مدينة نيالا تحديداً، فالتداخل القبلي الكبير، وأنماط الحياة المشتركة على المستوى الزراعي أو الرعوي أو التجاري قد أدى إلى الإندماج في الثقافة، رغم تعددها وتنوعها فقد أصبحت ثقافة واحدة تحمل من المشتركات ما هو موجود من ملامح في كل هذه الدول الثلاث خاصة المناطق الحدودية التي تتداخل أو تشترك فيها القبائل، نتيجة لوضع الحدود السياسية التي تقسم بعض القبائل إلى جزءين. هذا الوضع الاستثنائي في ولاية جنوب دارفور، والموقف الأمني المعقد الذي صار من الصعوبة بمكان حسمه فوراً وفق المراد، وكثيراً ما يغيب مثل هذا الوضع على المواطن نفسه، الذي يحتج على الأحداث التي تقع في مدينة نيالا عاصمة الولاية، خاصة وأن طاقم حكومة الولاية يضم أكثر من خمسة جنرالات والأمن ضائع، فالوالي اللواء الركن آدم محمود جار النبي، وقائد الفرقة «16» مشاة اللواء الركن أيسر حسين بشير ووزير التنمية العمرانية اللواء أمن دكتور عيسى آدم أبكر وقائد الشرطة وقائد جهاز الأمن المخابرات والأمن الوطني، إلى جانب الضباط معتمدي المعتمديات في الولاية، برغم هذا الوجود المكثف من رجال الأمن إلا أن أحداث السرقة والقتل وسرقة السيارات موجودة بصورة تفوق الحد النسبي في داخل مدينة نيالا، ويعود الأمر في مجمله إلى التفلتات في دول الجوار التي ترفد الولاية بمعظم رواسب الحروب الأهلية في هذه الدول التي تجاورها ولاية جنوب دارفور. الأمر الذي يشكل حماية قبلية داخلية خاصة للذي يأتي ويندمج مع مجموعته القبلية في الداخل ويصبح واحداً من أفرادها، ولكن تظل أهدافه قائمة، خاصة وأنه يأتي وهو يحمل مجموعة من السلاح أو سيارة أو يريد أن يغسل أموالاً سوداء في السودان الذي استمرت في غربه تجارة المخدرات كمهدد جديد يضاف إلى قضايا أمن الولاية، وخطورة تجارة المخدرات أنها تجمع بين المتناقضات، وتتجاوز كثيراً من الهواجس والمتاريس بين من هم مناوئين خارجين عن الدولة وغيرهم من المهتمين بالمخدرات كسلعة رائجة ومضمونة الكسب السريع، وأحياناً ما تقدمه لا يحلم به هذا الوسيط أو ذاك التاجر المحترف في المخدرات، هذا الكسب السريع كثيراً ما يحدث اختراقاً في الأمن القومي لدى الولاية، التي تُعد مدخلاً لأكثر من دولة، في إطار تعاون دول الجوار في المحيط الإقليمي مع البعد الدولي المتمثل في العالم الأول تحديداً الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل وفرنسا والغرب عموماً الذي يرى مصالحه في السودان. وقد كان هناك وجود لهذه الدول في تشار وأفريقيا الوسطى ودولة جنوب السودان، في إطار وضع سياسات تحوطاً لما يدور في السودان تجاه دول الجوار المذكورة والتي تعتبره أي السودان بعدها الإقليمي في المنطقة، فالوجود الإسرائيلي متنفذاً في غرب إفريقيا عطفاً على مركزه في الدول التي تجاور الولاية في إفريقيا الوسطى وتشاد ودولة جنوب السودان، وما حدث في هذه الدول من أعمال تستهدف السودان، سواء أكان في تشاد استغلت فرنسا وجودها المتنفذ وصارت بها الحال لحماية التجارة في أطفال السودان، أما إفريقيا الوسطى فإن الأحداث الأخيرة التي شجعتها فرنسا في قتل وإبادة المسلمين، فإن معظم المتضررين هم من السودان سواء أكان على مستوى القبائل المشتركة أو القبائل الحدودية التي تجمعها الصفة المشتركة في التعايش الأفريقي، الذي يتجاوز الحدود السياسية والتي يرى المستعمر أن هذه الحياة وفق ما يتصوره هو من رؤية أو أوضاع جديدة ينبغي أن تكون عليها الحال وهي رؤية المستعمر المسيطة في عقلية الأفارقة الوضيعة. وإذا أخذنا الأحداث التي وقعت في ولاية جنوب دارفور، هي أحداث فردية، برغم فيها السياسي والجنائي والذي يهدد أمن الدولة على المستويات الكبيرة، ولكن نجد الصفة الغالبة لهذه الأحداث إنها أحداث فردية، يقوم بها فرد أو مجموعة صغيرة تسيطر عليها فكرة الفرد تماماً في التنفيذ، وذلك لتصغير دائرة الاتهام وقوة الدافع والمهارة في التنفيذ والضحية هو السبب الأساس في الحدث، من خلال تصرف لا يدري أبعاده، وليس في حساباته على سبيل المثال سرقة مركز الصرف بالمنطقة الصناعية بمدينة نيالا كان في موقع قاتم وغير واضح ولا يصلح أن يكون مركزاً مالياً بتلك المواصفات، أما سرقة مرتبات القضائية فإنها استلمت من البنك بدون حراسة، وسرقة مبلغ السبعين ألفاً في هذا الأسبوع كان في وسط المدينة نهاراً جهاراً، وأخيراً الحادث المفجع موت معتمد كتيلة الأستاذ عبد الله يس، ويبدو أن وفد المعتمد نفسه متهم بحمل مرتبات المعتمدية، هذا إن لم يكن في الأصل العملية مرصودة من نيالا عاصمة الولاية، وفي هذا الشأن قوة حماية المعتمد وحدها لا تكفي، كان لابد من تخصيص قوة حقيقية لحراسة استحقاقات المعتمديات الشهرية. الأمر الذي يضاعف مسؤوليات الولاية الأمنية، بدرجة أنها غير منظورة على مستوى المركز، وهذه الأحداث الفردية من الصعوبة ضبطها وفق الإمكانات المحلية أو إمكانات الولاية المستحقة، ومن الملاحظ أن معظم هذه الأحداث يتم تنفيذها بدقة لأنها في إطار ضيق جداً، كما أن معظم هذه الأحداث التي وقعت وبشكل استفزازي للأجهزة النظامية يصعب معها ضبط الجناة، الأمر الذي يتطلب البحث الدقيق من هم وراء الجناة على المستوى الداخلي في الولاية، وكذلك خارج الولاية. هذا السؤال تترتب عليه إجابة مفصلية أن وراء هذه الأحداث جهات منظمة، سواء كان في البعد الإقليمي أو العمق الداخلي، هناك حماية حقيقية تجري للذين يرتكبون هذه الأحداث، خاصة إذا وضع في الاعتبار سرقة السيارات التي استشرت في الولاية، وبصورة أصبحت شبه عادية، ولم تكن هذه الحماية للجناة على المستوى الداخلي أو الخارجية غريبة في ظل ارتزاق الكثيرين من أبناء المنطقة عموماً الذين يقاتلون لصالح الحركات الداخلية في دول الجوار يقاتلون في تشاد ثم في ليبيا فدولة الجنوب وربما غداً في يوغندا، وبالتالي هذه الأوضاع المأساوية خلقت لوردات حرب الذين لا يرغبون في نهاية هذه الحرب واستتباب الأمن والاستقرار فيها.