جاءتني هذه القصة في الواتساب، واستأذنت مرسلها في نشرها والتعليق عليها وهاهي القصة.. وبعدها تعليق مختصر.. ولاحقاً يأتي التحليل بإذن الله «أبرار ثم أبرار.. و مبررات» ميرغني وأبرار زوجان لم تمض سنة على زواجهما وشاء الله ان يكون رمضان الحالي هو اول رمضان لهما في عش الزوجية... ميرغني عرف بأنه رجل اجتماعي بحكم نشأته في بيئة شعبية تقليدية على العكس من زوجته أبرار التي نشئت وعاشت في بيئة تعودت فيها على حياة العزلة والانغلاق... ورغم إدراكها للفوارق بينها وبين ميرغني الا انها قبلت به على مضض بعد ان يئست من ان تجد من يفهم طموحها ورغباتها وبعد ان بدأت مظاهر العنوسة تدب في اوصالها... ورغم محاولات أبرار قبيل بداية شهر رمضان إقناع زوجها بضرورة إحضار «شغالة» مؤقتة لتساعدها في فترة رمضان كما تعودت ان ترى في بيت اهلها.. إلا أن زوجها بفكره وفهمه التقليدي رفض ذلك تحت شعار «انا معرس ليه اذا حتأكلني الشغالة» ... في صباح يوم الجمعة فاجأ ميرغني زوجته أبرار قائلاً... اسمعيني انا ح اكلم جيرانا «العزابة» الفي راس الشارع يجو يفطروا معانا اليوم ... ورغم محاولاتها اقناعه بتأجيل تلك «العزومة» ليوم آخر تستنجد فيه باخواتها وامها الا انه وباصرار «ولداحة» سودانية اصيلة اصر ان يكون اليوم هو يوم الزينة و«العزومة» المرتقبة. وهكذا خرج زوجها وعاد سريعاً محملا »بالاكياس« واغراض اعداد «افطار العزابة» ، وجلست ابرار مرغمة في اعداد الاصناف المختلفة من الطعام ومتحملة لتدخلات زوجها وتعليقاته واوامره لها.... يا ابرار «اللقمة» دي مالك عاملاها بسيطة زيديها واعمل ليك كم كورة كدا احتياطي .. الناس ديل يمكن يكونو كتار..فتجيبه ابرار وهي تكتم غضبها ... سمح بزيدها انت بس امرق لي من هنا ...ميرغني ... وبعدين دا ملاح شنو العاملاهو حبة دا ... زيديهو بس ما يطلع خفيف ... وعملتي التوم لسلطة الروب ولا نسيتيهو .. العزابة ديل بكون بحبوها بالتوم ...فتجيبه ابرار ... اي عملتو ليها ما نسيتو .. بس بزيدو امرق خليني اشتغل ميرغني ... خلاس زيديهو لاني ما شامي ريحتو ..... انتي الفول شديتيهو من قبيل عشان ما يكون لسه قوي ....فتجيبه ابرار وقد تملكتها العصبية ... نجضتو من قبيل في النار ... وهكذا »تفنن« ميرغني في التأكيد والتعكير على زوجته والتي بذلت جهداً إضافياً في كتمان غضبها وتأذيها من الحاحه ، وهي تردد في نفسها دا شنو الراجل دا ... التقول صايم ليهو شهرين ...وهكذا ظلت في حالة حركة دائبة حتى انتهت مراسم الافطار ومغادرة «العزابة» مخلفين وراءهم اكوام من «العدة» التي تكدست في المطبخ وانصرف معهم زوجها لمشاهدة إحدى مباريات كأس العالم، لتنهمك من جديد في غسل تلك الاوعية حتى جاوزت الساعة الواحدة صباحاً ... توقفت بعدها لدخول زوجها المطبخ بعد عودته من المشاهدة ليطلب منها في عجالة ... يا ابرار ختي لينا العشاء ...فتجيبه صائحة بغضب .. خليني اخلص غسيل باقي العدة دا وبعداك نتعشى ..ميرغني .. انت ناسية انا شغال بكرة... ما بقدر انتظرك تخلصي .. ختي لي براي وانتي اتعشي براحتك لما تخلصي وما تنسي بعدين تعمل لي كباية شاي بلبن اتسحر بيها قبل الاذان ...وهكذا امضت ابرار الليل كله في غسل «العدة» حتى بدايات الصباح وعند «الامساك» بايقاظ واعداد الشاي لزوجها ... وما ان انتهت من مهامها واستلقت مغمضة عينيها للنوم لدقائق الا وهي تصحو على اسئلة زوجها المتكررة لها .. ابرار الشراب الاسود وين ... ابرار انتي ما كويتي لي القميص اللبني داك ليه ... ابرار الحزام وين ولم تصدق نفسها حينما غادر زوجها المنزل متجهاً الى عمله ... وبدأت الشمس تزداد حراراتها بسرعة غريبة كانها تستعجل الرحيل حتى قاربت الخمسة واربعين درجة رغم ان اليوم لا زال في اوله ... وبدون مقدمات ضمن تلك «السخانة» اللامتناهية تنقطع الكهرباء فجأة .. ليعم الصمت في الكون ويتحول المنزل الى قطعة من جهنم وينعدم الهواء الا من بعض انفاس تأتيك من وراء الجحيم .. ... وابرار قد انهكها التعب والترحال في رحلة الشتاء والصيف ما بين «البرندة» والجلوس في «ضل المزيرة في الحوش» .. وبين كل لحظة واخرى تبلل ثوبها بماء «الازيار» البارد ... ورغم كل ذلك كانت كل محاولاتها تبوء بالفشل وفي كل لحظة تشعر بزيادة الحرارة ... وهي تسب وتلعن في سرها ادارة الكهرباء والحكومة ومن اخترع الكهرباء دفعة واحدة ... فجأة يرن هاتفها لتجده زوجها ... فتبتدره قائلة ... ميرغني عاين الكهرباء قاطعة والبيت ما بنقعد انا بمشي ناس امي ... انوم هناك وبعدين تعال سوقني. ميرغني .. ناس امك شنو .. انا ضربت ليك عشان اقول ليك في كم نفر «عزابة» معانا هنا في المكتب حيجو معاي الفطور.. وقالوا بحبوا القراصة عشان ترميها ليهم بعدين... وهنا لم تتمالك ابرار اعصابها فانفجرت فيه منفعلة ... يقرصك إن شاء الله الدبيب اليلحقك حبوبتي.... اقول ليك تعبانة ماشة انوم تقول لي دمعة ... الدمعة الما تلقاها... وميرغني على الطرف الاخر وقد ألجمته الدهشة وهو يحاول ان يتمالك أعصابه ونبرة صوته ... ابرار مالك في شنو ... جنيتي .. اللهم اني صايم ...ابرار ... مالي ما بجن ... حسي عمايلك انت وحكومة السجم دي ما بتجنن ... يحرقكم الاتنين في يوم واحد... حسي دي سخانة يقطعو فيها كهرباء ولا يعزمو فيها عزابة... كل يوم عزابة عزابة... عذبتني وكرهتني رمضان ميرغني ... ابرار ...ابرار استغفري دا شنو البتقوليهو دا ...ابرار ... بعدين اسمع انا من الليلة دي انا لا ابرار ولا دفار ... انا اسمي مريم وامي حبشية ومش رمضان دا ... اها خليتو ليكم انت ورئيسك خشو بيهو الجنة .... ثم تتناول كوب ماء من الزير الذي كانت تجلس بجواره لتشربه دفعة واحدة وتغادر منزلها وتختفي.... وفي صبيحة اليوم التالي كان عنوان الصحف ... اختفاء زوجة وارتدادها بسبب «رمي القراصة» من أصل المسألة: أبرار .. وميرغني وهذه النهاية.. ما هي الرسالة وما هو المغزى؟ وهل هذه النهاية حتمية..؟ واذا كان المؤلف يريد ان نفهم انها حتمية.. فهل تخدم قضية الإيمان ام قضية الارتداد؟..أعجبتني القصة في البداية.. والحبكة الدرامية.. والاسلوب .. والتشويق .. ولكن في النهاية فجعت.. لان المؤلف اما ان يكون عدواً لئيماً وخبيثاً ..او يكون صديقاً ساذجاً وجاهلاً ..فبالرغم انه من اول شروط الابداع في تأليف القصة ان لا يتدخل المؤلف تدخلاً مباشراً في رسم صورة الشخصيات او بالانحياز ..أي ان ذلك لا يعني الا يتدخل مطلقاً حتى يترك القارئ في حيرة امام سلوك الابطال.. يدري أخيار هم أم أشرار.. وهنا نتساءل هل ارتداد أبرار مبرر أم غير مبرر في هذا السياق حسب موقف المؤلف؟.. إن قلنا مبرر فذاك طعن في الاسلام.. وان قلنا غير مبرر.. فليس هناك في السياق ما يدل دلالة قطعية على هذا..