درجت الصحافة في مناسبة تشكيل الحكومة على المستويين الاتحادي والولائي على المطالبة بتغيير الوجوه التي تكلست بتناوبها على كرسي الوزارة بصيغ مختلفة، وفي المقابل هناك من يسعى للبقاء في موقعه مهما تطاول عليه الأمد، ولما كان لكل قاعدة شواذ فإن هناك ثمة من يعتذر عن المناصب التي توكل إليهم ما يسبِّب بعض الحرج للجهات التي اختارتهم، وللإنقاذ في حكوماتها طيلة العقدين الماضيين نصيب ما لمنسوبيها في الاعتذار عن المواقع الحكومية، ومن ذلك أن القيادي النافذ بالمؤتمر الوطني د. غازي صلاح الدين فبعد إتمام سلام نيفاشا اعتذر عن منصب مستشار الرئيس الذي عُرض عليه آنذاك، لاعتقاده أن المنصب لا يعدو أن يكون شرفيًا ليس إلا، ولكن الإصرار على تسميته «مستشاراً» دفعه للاجتماع بالرئيس عمر البشير زهاء الثلاث ساعات، وصفه غازي بالاجتماع الأهم له مع الرئيس، ليبدي قبوله بالمنصب، وما لبثت الأيام أن أثبتت ثقل الموقع الذي تولاه، وقاده للإمساك بملف العلاقات مع الجارة تشاد، كما تولى ملف مفاوضات سلام دارفور بالدوحة، الى أن أوصله إلى توقيع وثيقة الدوحة مع حركة التحرير والعدالة.. وشهدت تسعينيات القرن الماضي اعتذار الشيخ عبد الجليل النذير الكاروري عن حقيبة وزارية في ولاية سنار، وكذا عثمان الهادي إبراهيم العضو المنتدب السابق لشركة شيكان الذي نأى عن القبول بالوزارة الاتحادية في العقد الأول من هذا القرن، رغم توليه لهذا الموقع في فترة زمنية سابقة، وفي التسعينيات يذكر اعتذار وزير الدولة الحالي بالخارجية صلاح ونسي عن تقلده «معتمدًا» لمحلية كلبس بولاية غرب دارفور، وفي البحر الأحمر وبعد إعلانه «معتمدًا» لمحلية بورتسودان اعتذر خالد الحسيني وهو أحد كوادر الأمن الخاص بالخرطوم عن التكليف، وفي السياق سجلت الأيام اعتذار معتمد عطبرة السابق المجاهد/ الهادي محمد علي عن موقع معتمد لمحلية جبل أولياء بالخرطوم، حتى أن مساعد الرئيس د. نافع استدعاه في الأمر ذاته فشرح له أنه بحاجة لتقييم تجربته السابقة في عطبرة، فقبل نافع حجته وأشار إلى والي الخرطوم عبد الرحمن الخضر بتسمية آخر، وكان أن تم ترشيحه للمجلس الوطني ممثلاً عن دائرة عطبرة، وقد كان.. ولما كان ترشيح القيادات يمر عبر المكاتب القيادية والسياسية للولاية ومن ثم لمؤسسات الحزب الاتحادية، التي تجيزها أو تعدلها بالاتفاق مع الولاية المعنية، لا يخلو الأمر من أبواب أخرى تُطرق في الشأن ذاته من باب علاقة الحوار بشيخه ربما، يذكر اعتذار الناجي محمد علي عن تلبية تسميته «معتمداً» لمحلية كرري، وإن أعلن لاحقا قبوله للمنصب، وعن رفض محمد عبد الله شيخ إدريس معتمدية جبل أولياء قال عندما سُئل عن ذلك إنهم كمنسوبين للحزب لا يرفضون القبول بأي منصب تنظيمي يتم تكليفهم به، أما المواقع التنفيذية في الحكومة فهم غير ملزمين بها ويتركوها لطالبيها، وفي المقابل هناك من يشير إلى أن طموحه أكبر من الولاية، فاهتمامه ينصب على المركز. وفي حكومة الخضر نفسها ولكن في حكومة ما بعد الانتخابات اعتذرت رجاء حسن خليفة عن التكليف بوزارة الرعاية الاجتماعية لأسباب تتعلق بتكملة مشوارها كأمين عام اتحاد المرأة، قبل أن تتولى الأمانة سارة اليجا وذلك عقب إعلان اختيارها، وإن كان واقع الحال يشير إلى ترفع رجاء عن الوزارة الولائية فقدراتها وموقعها في الحزب والحركة الإسلامية أكبر من تلك الوزارة وقد كان، حيث اختارها الرئيس مستشارة له، وعلى النقيض من ذلك جاء اعتذار القيادي حاج ماجد سوار عن رئاسة المجلس الأعلى للشباب والرياضة، على خلفية عمله بتسميته «وزير اتحادي» للموقع نفسه واقع الحال يؤيد ما ذهب إليه الكاتب الصحفي د. كمال حنفي الذي أثبت أن دواعي التنصل من المنصب تأخذ كل حالة على حدا نظرًا لاختلاف الدوافع والأسباب، مشيرًا إلى أن مسألة الاعتذار ليست قصرًا على عهد الإنقاذ فأضابير السياسة في الحكومات السابقة مليئة بمثل تلك المواقف، ويفسر الأمر في حديثه ل (الإنتباهة) من خلال حكومة الخضر الأخيرة بأنه يعود لعدم اكتمال دائرة المشورة مع الشخص المعني، أو قد يكون الطموح في منصب أكبر هو الدافع أو الانشغال بالأعمال الخاصة، مستبعدًا فرضية عدم القبول لعدم التجانس السياسي، نظرًا لأن المؤتمر الوطني هو الذي يشكل الحكومة، ولا يحدث ذلك إلا في حالة الحكومات الائتلافية، أو تقدير الشخص المعني بصعوبة التعاون مع رئيس مجلس الوزراء في حالة النظام البرلماني، وكلا الحالين لم يحدث مع الوطني في اتصالاته مع حزبي الأمة القومي والاتحادي الأصل، فمحادثاته لها لا تتم عبر الأفراد إنما بالاتصال بمكاتب وأمانات تلك الأحزاب التي تتخذ القرار السياسي للحزب. على كل يبقى الترفع عن المناصب مسألة نسبية تتفاوت بين الساسة والحكومات التي تسعى لضمهم إلى تشكيلتها، ولكن يا ترى هل هناك من اعتذر لفرضية التعقيدات الراهنة ومشقة الوفاء بالالتزامات والواجبات حيال المواطنين والوطن؟.