كانت أمسية الأربعاء الماضي من أجمل أمسيات «التواتة» وابنائهم المغتربين في دول المهجر، فقد ضم مركز توثيق تاريخ توتيجنوب مسجد توتي العتيق الآباء المؤسسين للمركز والأبناء المغتربين والحادبين على قضايا التراث والتاريخ والمعاصرة في تلك البقعة الأثرية من مدينة الخرطوم القديمة والتي تعتبر منبع الحضارة العاصمية، حيث لا يختلف اثنان مطلعان على كتب التاريخ خصوصاً سفر العلامة والمؤرخ السوداني الراحل د. محمد أبراهيم أبو سليم الموسوم ب «تاريخ الخرطوم» حول أن توتي التي بناها الرجال الصالحون من المحس القادمين من الشمال قبل نحو أكثر من خمسمائة عام وعلى رأسهم العارف بالله الشيخ أرباب العقائد هي أصل الخرطوم ومبتدأها، وما عداها من الأحياء هي بروز انتجته الهجرات المستمرة من الولايات بفعل اختلال موازين التنمية، ولعل بعض الآراء الحكيمة ترى ضرورة أن يكون معتمد الخرطوم من ابناء توتي وليس من أبناء الولايات النازحين لجهة معرفتهم بعموم تضاريس المنطقة، ولأن فيهم مهندسون وخبراء لا يشق لهم غبار في مجال التخطيط، ويكفي أهل توتي فخراً ودربةً وثباتاً أنهم ظلوا يصارعون البحر والأمطار قروناً دون كلل وهم ينشدون «ما شالونا باللواري»، ولم تضطرهم مواسم السيول والفيضانات والأمطار للسكنى في الخيام. ومن المدهش أنه رغم عبور توتي قروناً من تقلبات الزمان والصراع الخالد مع مواسم الفيضانات في ملاحم مشهودة، إلا أن الحبل الذي يربط بين تاريخها وحاضرها مازال غضاً طرياً يتحدى عوامل التآكل تمثله بحق المناشط التي يضطلع بها مركز توثيق تاريخ توتي منذ إنشائه في عام 2000م كمعلم بارز من معالم الجزيرة الأثرية ومحدث معاصر عن دور المحس في الدعوة الإسلامية وتأسيس الخلاوي وإيقاد نيران وأنوار القرآن. ولعل اللقاء الذي جمع أبناء توتي المغتربين مع إدارة المركز كان لمسة رائعة، حيث أوضح السفير فاروق مصطفى رئيس المركز في دورته الجديدة التي بدأت مطلع أبريل الماضي أن اللقاء هدفه التعريف بدور المركز وبرامجه وأهدافه، وأن المركز مفتوح للجميع، ولم ينس السفير تقديم أسمى آيات الشكر والعرفان للرئيس السابق للمركز المهندس قرشي عباس، وكان للكلمة التي ألقاها نائب رئيس المركز عبد القادر البرعي وقع جميل حينما قال بصريح العبارة مخاطباً المغتربين: «هذا اللقاء لا علاقة له بالتبرعات، وهو لقاء اجتماعي للتواصل، ونحن في المركز دعوناكم لتطلعوا على تاريخ أجدادكم وتتمسكوا به أكثر وأكثر، ولم ندعوكم لجمع التبرعات للمركز»، وتحدث في اللقاء عبد الله الزين الأمين العام للمركز، واستعرض ورقة النبذة التعريفية عن المركز، كما تحدث محمد عبد الوهاب نائب الأمين في الدورة السابقة شاكراً للمغتربين تلبية الدعوة، وقال إن آفة الناس والحكومة كذلك في كثير من الأمور أنهم يثقلون على المغتربين بطلباتهم دون مراعاة قسوة الغربة عند أولئك الناس المنتشرين في المهاجر بفعل الظروف والعوامل والسياسات الطاردة. لقد كانت أمسية رائعة جملتها مداخلات أبناء توتي من المغتربين، حيث كشف الأستاذ ماهر أحمد المغترب بالمملكة المتحدة أن حركة توثيق تاريخ توتي عبر المجتمع المدني مستمرة وقطعت اشواطاً كثيرة، حيث تم إصدار كتاب (Totti Traditional) «توتي التقليدية»، وهو جهد مشترك لجمعية توثيق المعرفة السودانية بالتعاون مع السفارة الأمريكيةبالخرطوم وجمعية توتى الثقافية ووزارة الثقافة والشباب والرياضة سابقاً، والكتاب صدر بثلاث لغات وفاز بجائزة اليونسكو، ونال اهتمام الباحثين في جامعة درم، واحتل مكانه في أكثر من مائة وسبعين جامعة، بالإضافة إلى مكتبة الكونغرس، واحتفت العديد من القنوات ووكالة الأنباء الفرنسية بالكتاب، كما قامت قناة «الجزيرة» بإنتاج فيلم وثائقي عن توتي بكلفة بلغت مائتين وستين الف دولار، وكل هذا يعتبر رصيداً لمركز توثيق تاريخ توتي يضاف بالطبع إلى ما نفذه المركز في دورته السابقة من إسهامات ثقافية وندوات ومحاضرات متعددة الموضوعات شارك فيها العديد من المختصين والباحثين. ولعل أبرز إسهامات المركز خلال احتفالات اعياد الاستقلال الندوة التي خصصت لتخليد ذكرى الشاعر المحسي القومي خليل فرح وكانت تحت عنوان «قدلة يا مولاي». وتحدث في اللقاء عدد من المغتربين منهم مبارك نور الدائم عبد الله النور رئيس الجالية بلندن دورة 2011 2013م، والدكتور خلف الله اختصاصي الأطفال وهو مغترب في بولندا، وتحدث آخرون وأشادوا بالروح الطيبة لإدارة المركز، وأطلق د. الهادي محجوب دعوة طيبة لتوسيع قاعدة أمناء المركز بدعوة الشخصيات المؤثرة من أبناء توتي وعلى رأسهم كمال حمزة وآخرون لاستكمال الصورة الجمالية للمركز، وقدم العديد من الحضور مداخلات وجدت الاستحسان، حيث اقترح محمد فرح عمل احتفالية كبيرة يحييها الفنان كمال ترباس لصالح المركز، وشاركت لجنة تطوير وتحسين وترقية الخدمات بتوتي ومثلها عمار وآخرون في حفل لقاء المغتربين، وأوضحت للمغتربين ما تقوم به من جهود لصالح أهالي توتي، وما تجده من رعاية من معتمد الخرطوم، وما أنجز على صعيد لجان الصحة والتعليم ودرء الفيضانات ومياه الأمطار.