أبو عبيدة عبد الله: اتصال مفاجئ من الإمام الصادق المهدي بالأمين السياسي للمؤتمر الوطني دكتور مصطفى عثمان إسماعيل، أطلعه من خلاله على تفاصيل اتفاق باريس. هذه الخطوة اتخذها المهدي إجراء احترازياً كي لا يقوم الوطني باتخاذ موقف سلبي تجاه الإعلان، قبل أن تتم مدارسته في هياكل المؤتمر الوطني المختلفة، لأن أي حديث عن توقيع مع الجبهة الثورية يجد الرفض والانتقاد، مهما كانت النتائج والمبررات، كما حدث للموقعين على ميثاق الفجر الجديد بكمبالا في الخامس من يناير عام 2013م. إذاً، المهدي كان ذكياً بإجراء ذلك الاتصال، والذي سعى من خلاله إيصال رسالة بأن ما تم في باريس، هو استكمال لما يقوم به من جهود لحمل قادة الحركات المسلحة على الحوار، وقد يكون بالفعل نجح في ذلك، حيث أكد المهدي في اتصاله مع مصطفى أن الإعلان اشتمل على نبذ العنف وعدم استخدام القوة، وهي خطوة مفتاحية، وأعتقد أنها تراجع من قيادات الجبهة الثورية عن المواقف المتعنتة من قبل بضرورة الإطاحة بالنظام بأية وسيلة، وهي تعد مكسباً كبيراً للمؤتمر الوطني حال تنازلت تلك القوى عن الآلية التي كانت تتمسك بها لإسقاط النظام، وهي الآلية العسكرية. لكن في المقابل هذا التنازل مرده إلى الموقف العسكري للجبهة الثورية في كل الجبهات بجنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، فقد مُنيت الجبهة الثورية بهزائم متلاحقة في تلك الجبهات كان آخرها في شمال دارفور عقب مقتل كاربينو هناك، فضلاً عن تحرير عدد من المناطق بجنوب كردفان كانت تمثل مناطق إستراتيجية لقطاع الشمال. على المؤتمر الوطني أن يستخدم إعلان باريس ويوظفه لمصلحته ومصلحة البلاد لدعم الحوار الجاري من خلال التعامل مع كل النقاط الإيجابية في الإعلان، والتي يتحدث عنها الوطني كثيراً كالحريات وإطلاق سراح المعتقلين وغيرهما من البنود التي يمكن أن نسميها بنوداً تمهيدية تساعد الأطراف المتشككة في إعادة الثقة والانخراط في الحوار. الفقرة التي يمكن أن تثير جدلاً في الإعلان هي الحديث أن يكون المخرج قومياً، وهي تعني بلا شك تكوين حكومة قومية أو انتقالية. فالانتقالية عارضها المؤتمر الوطني كثيراً، إلا أن موقفه ظل متماهياً من الحكومة القومية، حيث تحدث من قبل بشير آدم رحمة القيادي بالمؤتمر الشعبي عن عدم اعتراض الوطني على الحكومة القومية إلا أنه سرعان ما تراجع عنه. فستظل قضية أن يكون المخرج قومياً، ليست هي مطلب الكيانات التي وقعت إعلان باريس، بل كانت أحد المطالب التي دفعت بها القوى الوطنية المشكلة حديثاً من الأحزاب المشاركة في الحوار من جانب المعارضة باستثناء المؤتمر الشعبي الذي رفض شروط القوى الوطنية، وهي قضية في اعتقادي يمكن طرحها على طاولة الحوار والنقاش والتداول حولها، فالمؤتمر الوطني الذي قال مراراً وتكراراً إن كل القضايا محل الخلاف مكانها طاولة الحوار، على قناعة بالوصول لتفاهمات مع الأحزاب المعارضة لصيغة يقبل بها الجميع. بقراءة هادئة وبنفس بارد فإن إعلان باريس يعد مكسباً للحكومة رغم أنها لم تسع إليه، ومكسباً للمعارضة أو مكونات الجبهة الثورية ووعياً لأنها انتقلت من خانة التمسك بالخيار العسكري إلى خانة خيار العمل السياسي. رغم التفاؤل الذي ساد وسط كثير من المراقبين، إلا أن الخوف من القوى الدولية التي تجهض كثيراً من الفرص السهلة لتقارب السودانيين، يجب عدم ترك الفرصة لأي وسطاء للدخول لإتمام المرحلة القادمة، فطالما جلست الجبهة الثورية والصادق المهدي دون أية وساطة وتوصلوا إلى تلك النقاط، فبمقدورهم الوصول إلى المؤتمر الوطني والجلوس معه والوصول إلى الأهداف المرجوة، فقط أبعدوا الوسطاء والسماسرة وتجار الحرب. على المؤتمر الوطني أن يدرس ذلك الإعلان جيداً، ويتعامل مع النقاط الإيجابية باحترافية، ويحاول من خلال اتصالات عبر المهدي أو غيره، الوصول لتفاهمات حول بقية القضايا الأخرى.