كنا ولا زلنا نفخر أن بلادنا بها من المتعلمين - عموماً - من تفخر بهم ومن العاملين في الحقل الصحي والطبي من تفخر بهم خصوصاً .. وقد ساهم المتعلمون ببلادنا بعلمهم وخبراتهم في بلاد كثيرة وكانت لهم البصمات الواضحة - ولا تزال- ولا يقتصر ذلك على البلاد العربية فحسب وإنما على مستوى دول العالم أجمع، فللمتعلم السوداني دور أين ما اتجهت .. هذه حقيقة لا يختلف عليها اثنان بل هي واقع مشهود ومعروف، والمؤسف أن تكون بلادنا وهي بهذا المستوى في الإسهام في نهضة التعليم والطب والهندسة في بلاد عديدة إلا أنها فقيرة في بعض المؤسسات والجهات وثقافة كثير من الأفراد من أبسط الأمور وأضرب الأمثلة التالية وهي من واقع ما رأيت لتكون نماذج وأمثلة وربما القارئ لديه من نوعية هذه الأمثلة والنماذج: 1- زرت أحد المستشفيات الخاصة الراقية بالخرطوم وأعجبتني أشياء كثيرة بالمستشفى لكني فوجئت لما كنت في المصعد وبه أكثر من عشرة أشخاص وإذا بممرضة بالطابق الثاني وهو الطابق الذي به غرف العمليات تدخل المصعد ومعها طفل حديث الولادة لا زالت أمه بغرفة العمليات وبكل بساطة أغلق المصعد واستمر المسير حتى الطابق الرابع والمصعد مكتظ بمرضى وغيرهم !! وتكرر هذا المشهد في خلال ساعة واحدة ثلاث مرات !!! لا أدري هل إدارة المستشفى تجهل خطورة هذا الإجراء ؟! وهل الفريق الطبي بالمستشفى لا يهمه كثيراً صحة هذا الطفل حديث الولادة الذي يبقى في مكان صغير مغلق ومعه حشد من الناس وربما بينهم من يحمل مرضاً معدياً أو فيروساً فتاكاً ؟! وقد أخذ المستشفى من ذوي المرأة وأهلها كل ما يريد من رسوم وبالقدر الذي يروق له ، لكنه لم يستطع أن يوفر لهم أماناً ، ولم يستطع الوفاء بأبسط قواعد السلامة لطفل حديث الولادة خرج من بطن أمه قبل خمس دقائق. 2- زرت قبل أيام بنك الدم المركزي للتبرع لأحد المرضى ، ومعلوم أنه تم توحيد الجهة الخاصة بالمتبرعين في هذا المركز ما جعل الأعداد به كثيرة طوال اليوم ، حتى إن المتبرعين ينتظرون مدة من الوقت في انتظار السرير الشاغر ، ومما لاحظت أن المتبرع لا يعطى من «العصير» ولا حتى الماء !! ما يعوض به هذا المجهود الذي بذل ويعوض كمية الدم التي فقدها في لحظات ، وهذا عرف صحي معلوم ، وأثناء وجودي رأيت أحد المتبرعين قد سقط على الأرض بعد أن سحب منه الدم !! ولمّا سألت الفني الموجود عن عدم وجود هذا العرف لديهم أفاد بأنه لا توجد ميزانية لهذا البند !! فأصبت بدهشة وعجبت ففي الوقت الذي تتعامل به دول عديدة مع المتبرع بالدم بأرقى أنواع المعاملات حتى وصل الحال في كثير من الدول أن يؤتى للمتبرع بالدم في بيته ويسحب منه الدم في داره تقديراً ووفاءً لجوده بهذا المُنفَق العزيز ، ونحن من نُعَلِّم كثيراً من المجتمعات مثل هذا العرف إلا أن مؤسساتنا باتت فقيرة منه !! وحتى إن لم يكن لهذا البند ميزانية فإني على يقين أنه لو فتح باب التبرع لجاد أهل الخير وغطى هذا الاحتياج !!وأما الغرفة نفسها ونظافتها في تلك اللحظات وعدم وضع شيء على أسرّتها حيث يتبدّل المتبرعون فشأن آخر !!! 3- رأيت سيارات «النفايات» تجوب الشوارع ورأيت العجب العجاب !! رأيت بتلك السيارات التي تريد تنظيف الشوارع بها شباباً يغوصون بأرجلهم داخل النفايات التي يجمّعونها وليس على أرجلهم الأحذية التي تعصمها من تلك النفايات ، ورأيتهم يحملون الأكياس وأيديهم مكشوفة ليس عليها غطاء !! فتتلطخ الأيدي بتلك الأكياس ، وهم يبقون الساعات الطوال بمجاورة تلك النفايات وليس على أنوفهم «كمامات» تغطى بها !! فقلت : ما هذا ؟ ألهذه الدرجة يكون الإهمال في العناية بصحة الإنسان ؟! وكم سينقل هؤلاء العمال من العدوى بمباشرة أيديهم لأماكن الشرب والأكل العامة ؟! وهذه السيارات تجوب كل الأحياء بهذا المشهد !! هذه وغيرها كثير مظاهر حزنت لرؤيتها .. فلما رأيتها وقارنتها بما عليه مجتمعنا من وعي بل إسهام في الوعي في مجتمعات كثيرة زاد ألمي .. فما أقسى أن يكون العمل يناقض العلم بل يناقض أبسط المعلومات ..