لماذا نحس في زماننا هذا بأن معظم الأشياء الإيجابية فينا تسير منحدرة.. العادات نتملص منها والقيم ابتعدنا عنها الا من رحم ربي، وحتى فى الثقافة صرنا نتناولها سريعاً سريعاً.. الغناء الجديد أصبح بلا نكهة وكذلك الشعر.. كم نتمنى أن ترهف أسماعنا بقصيدة ملقاة بصوت شاعرها، ولا أدري حقيقة متى أقيمت ليلة شعرية كبيرة شعراً وحضوراً! او متى زار شاعر كبير محفلاً طلابياً يلقى عليهم قصائد من ابداعه ويكون قريباً منهم حياً بينهم، لماذا لا نحرص على الجيد من الأشياء.. لماذا نتركه يتسرب من بين أيدينا.. كم نغبط من عاشوا زمناً غنياً إبداعاً ورؤية.. وأذكر ما ذكره دكتور محمد الواثق صاحب قصائد أم درمان الشهيرة فى حواري معه بمكتبه بكلية اللغة العربية بجامعة الخرطوم العام الماضي، انه بدأ الإلقاء الشعري وهو طالب فى وادي سيدنا الثانوية، وكان ينال جوائز فيه، وهذا مما لفت نظر الأساتذة إليه وشجعوه ليس على أن يلقي فقط قصائد الآخرين وإنما أن يحاول بنفسه كتابة الشعر. وحكى لي كيف أن القاءه للشعر جذبه الى المسرح والتمثيل وصار ممثلاً بالإلقاء قبل أن يكتشف أنه لا يميل الى إلقاء شعره الخاص بل يتهرب جداً من أن يلقي قصيدة من شعره.. وهنا نتساءل عن التسجيلات النادرة بصوت الشعراء فى الإذاعة والتلفزيون كيف هي وبأي حال؟وهل نحرص على التوثيق الصوتي لمبدعين قامات بيننا، أو حتى لأصوات نادرة غير مكتشفة وغير معروفة؟.. ويكفي أن محمد أحمد محجوب لم يوثق لقصائده بإلقائه ولم نستمع للتيجاني يوسف بشير ولم نحظ بسماع إنشاد محمد سعيد العباسي.. ورغم تحسرنا على عدم السمع من هؤلاء، نجد أن هناك من الشعراء عكس هؤلاء ممن لا يحسنون إلقاء قصائدهم أو أن شعرهم وكلماتهم اقوى من دون قراءتهم لها.. وهذا ما تفضل به الدكتور الواثق أيضاً حين قال لى إن صلاح أحمد إبراهيم ممن تجد كلماتهم أجمل حين يقرأها غيره أو تغنى.. كذلك محمد عبد الحي لم يكن له حظ فى الإلقاء، وأن أحمد شوقي أمير الشعراء فى العصر الحديث لم يكن يحسن الإلقاء البتة، وكان يطلب من غيره القيام بذلك.. أما شكسبير وهو من أعظم كتاب المسرحية لم يكن ممثلاً فى حياته. ولماذا اختفت الليالي الشعرية؟ هل زهدنا فى الثقافة والتثقيف وأخذتنا مناحٍ فى الحياة لا تقدم ولا تسمن من جوع أدبي أو فني؟ أم هل فقدنا موردها ولم يعد لدينا ما يستحق أن نقدمه، وأننا تيتمنا وتيتم الإبداع فينا بعد رحيل تلكم الأسماء التي ذكرناها..