تنشط هذه الأيام مجموعة من اللوبيات ومجموعات الضغط الأمريكية المتحالفة مع الحركات المتمردة بالسودان، والمعادية للحكومة السودانية في التمهيد لإطلاق حملة خلال أغسطس الجاري تستهدف السودان، بدعوى ضرورة قيام تحرك دولي فاعل من أجل حماية المدنيين وحقوق الإنسان...الخ. وأُطلق على الحملة «تحرك حاسم من أجل السودان»، ويقول منظموها إن الرئيس البشير - بالطبع رئيس جمهورية، حكومة السودان! - أطلق في أبريل «2013م» حملة عسكرية عرفت «بالصيف الساخن» زاعمين أن الحكومة السودانية كثفت من هجماتها التي تستهدف المدنيين في ولايات جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، ومن ثم «شرّعت» الحكومة ما أسموه ب«الجنجويد» تحت اسم «قوات الدعم السريع»، وكذلك الزعم بأن السودان يمنع وكالات الغوث من الوصول إلى المحتاجين بتلك المناطق والتي سموها ب«المهمشة». تحرك فعال وبحسب الموقع الإلكتروني للحملة، فإن العنف الدائر في السودان أدى إلى مقتل المئات ونزوح مليون ونصف المليون نسمة من المدنيين، الذين تتهددهم المجاعة والتطهير العرقي في كل من السودان وجنوب السودان!. وتهدف الحملة إلى حث الولاياتالمتحدةالأمريكية للقيام بتحرك فعّال من خلال الدبلوماسية وجهود حفظ السلام ومساعدة الفئات الأكثر ضعفاً. وتقود التحرك الجديد المناوئ للسودان، من خلال حملة العمل الحاسم، مجموعات الضغط التي أئتلفت تحت مُسمى «العمل من أجل السودان»، والذي يضم حوالي «86» منظمة، بعضها له تاريخ طويل من العداء للسودان، وبجانب واجهات للحركات المتمردة. ودعا المنظمون المواطنين الأمريكيين العاديين، من الولاياتالأمريكية للإنضمام إلى الحملة، من خلال التوقيع على «عريضة» ستوجه إلى وزير الخارجية الأمريكي، جون كيرى؛ والمندوبة الأمريكية لدى مجلس الأمن، سامنثا باور؛ ومستشارة الأمن القومي سوزان رايس، ومطالبتهم بالتحرك الديبلوماسي في شأني السودان وجنوب السودان. كما تشمل الحملة، بجانب العريضة المفتوحة، حوار يتزامن مع «اليوم الإنساني العالمي»، والذي يصادف «19 أغسطس»، حيث يتم النقاش حول الأحداث الراهنة حول قضايا البلدين، حث «الحضور» على طرح الأسئلة على الخبراء في الشأن السوداني، و الناجين«كذا!»، فضلاً عن عقد لقاءات مع أعضاء الكونغرس عن الولاياتالأمريكية الخمسين، لحثهم على دعم خطة «التحرك الحاسم». تحدي السودان وتقود حملة «التحرك الحاسم من أجل السودان» عدة منظمات منها: «العمل من أجل السودان»، «زمالة كارل ويلكنس»، «الاتحاد من أجل إنهاء الإبادة»، «آي آكت»، «مراقبة العالم اليهود»، «ستاند»، وتدعّى هذه المنظمات أنها تعمل من أجل إنهاء التطهير العرقي والعنف الإثني، في السودان وجنوب السودان. كما «تزعم» هذه المنظمات، أن القليل من الأمريكيين واعون، بما يجري من تصعيد عنيف للصراع، وأن وسائل الإعلام تجاهلت تناول هذه الصراعات العنيفة والمدمرة بالسودانييْن. وأشارت المنظمات إلى أن ما أسمته «التحدي» يتطلب جهوداً عظيمة من الولاياتالمتحدة، والتي اتهمتها بأنها ليس لها نفوذ إيجابي في الوقت الراهن، في حالتي السودان وجنوب السودان، وهو ما يتطلب منها تعزيزاً مهماً لجهودها من أجل «دبلوماسية المحاسبة والعواقب وحفظ السلام والغوث والحماية». فرضيات مضللة وتنطلق المنظمات ومجموعات الضغط من فرضيات مضللة، فهي تتحرك لتعبئة «الغوغاء» لتبني ومناصرة قضية ما، عبر أشكال التواصل المختلفة: توقيع عرائض، توجيه رسائل مفتوحة إلى المشرّعين والمسؤولين والتنفيذين، تنظيم مظاهرات ووقفات إحتجاجية، تجمعات، جلسات سماع للشهادات، ومعَارِض... الخ، دون تقديم القضايا المٌتبناة، في سياق حقيقي موضوعى، بمعنى التحرك وفق شعار «تبنَي، تحرَك ، أفهم لاحقاً». كما يحاول البروفيسور محمود ممداني، المفكر وخبير الشؤون الأفريقية، ومؤلف الكتاب «العُمدة» في قضية دارفور«ناجون ومنقذون:دارفور، السياسة والحرب على الإرهاب»، والذى أُعتبر تناوله للقضية الأكثر موضوعية، وقد فندت حقائقه حجج منظمة«أنقذوا دارفور»، ويجادل«ممداني» بأن مجموعات الضغط، مثل «أنقذوا دارفور»، والتي قادت أضخم حملات مناصرة عرفتها الولاياتالمتحدة منذ حرب فيتنام، أنها كانت تتحرك في سياق سياسي، مثل شعار «الحرب على الإرهابيين»، والذي تبنته الولاياتالمتحدةالأمريكية، تحت إدارة بوش الابن، وحقبة هيمنة تيار «المحافظين الجدد»، والدفع من أجل التدخل العسكرى، أكثر من دوافع تقديم النزاع في دارفور على حقيقته، و في سياقه الصحيح، ومن أجل التماهى مع أجندة «المحافظين الجدد» الراغبين في إعادة غزو العالم عسكرياً، بحجة نشر الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان والحرية وحماية الشعوب. حلفاء التمرد إن نزعة التضليل، وتناول الموضوعات على أساس متيسر، منزوعاً عن سياقاته لدى مجموعات الضغط التي تقود حملة للتحرك ضد السودان، تتبدى في الخط بين الأوضاع في السودان وجنوب السودان تحت شعارىِْ «الإبادة» و«التطهير العرقي»، وذلك من أجل دفع القوى الكبرى- خاصة أمريكا- للتدخل في شأن البلدين. على الرغم من التحليل الموضوعي، يقول إن هذه المجموعات بالنتائج الراهنة شريكة في الاقتتال بين حلفائهم السابقين من قادة الحركة الشعبية بجنوب السودان، كما أنها شريكة في معاناة مواطني جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، من خلال إطالة أمد الحرب ودعم المتمردين بتوفير الدعم العسكري واللوجستي والإعلام والدبلوماسية، في الوقت الذي تسارع فيه إلى إدانة الحكومة السودانية، والتي يُحّتم عليها القانون الدولي، حماية مواطنيها والتصدي للحركات المتمردة، والتي تتعمد خلق حالات النزوح واللجوء، وتدمير المنشآت الخدمية ومشروعات التنمية، فضلاً عن الاختطاف والتجنيد القسري، بحق المواطنين في المناطق التي تنشط فيها الحركات المتمردة، وتلوذ المنظمات الدولية المعادية للسودان بالصمت إزاء تلك الإنتهاكات الخطيرة للقانون الدولى الإنسانى، بل تجد تلك التصرفات التى يقوم بها المتمردون غطاءً سياسياً وإعلامياً من دول كبرى ومنظمات عالمية. معايير مزدوجة ومن المفارقات هنا، ان هذه المجموعات التي تمارس تضليل الرأي العام العالمي، من خلال إلصاق التهم الجزافية، كالإبادة والتطهير العرقي، بحق السودان، وتستخدم كافة أشكال التدخل والإهتمام بالقضايا الداخلية، بما فى ذلك إستخدام الأقمار الإصطناعية، بحجة مراقبة النشاطات العسكرية الحكومية، وزعم تجنيب المدنيين ويلات الحروب، تغض الطرف عن الجرائم البشعة، التي قامت بها دولة الكيان الصهيوني، خلال عدوانها الأخير على «غزة»، حيث شاهد العالم بأسره أدلة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، والتطهير العرقي الممنهج، على شاشات التلفاز، وبصورة لا يرقى إليها الشك، كما هو الحال في حالة قضايا السودان، والتي تقوم الروايات حولها فى أحايين كثيرة على المزاعم والإختلاق، وأختفت تماماً صور ضحايا العدوان الصهيونى على الأبرياء من الصفحات والمواقع الإلكترونية لتلك المجموعات،مع أن الصور الآتية من قطاع غزة أضطرت حتى وسائل الإعلام المعروفة بتحيزها للوبى الصهيونى وعدائها لعدالة القضية الفلسطينية، الى عرض وتناول تلك «المحرقة»، وهو ما يكشف إزدواج المعايير لدى تلك المجموعات. اختلاق «الناجين» ومن أكثر مظاهر الإختلاق والتزييف لدى مجموعات الضغط المعادية للسودان، فى سياق حربها المستمرة عليه، عرض بعض الشخصيات المتحدرة من مناطق النزاع فى السودان- والذين يتم تلقينهم ألفاظ وعبارات وحركات جسمانية ، تضفي نوعاً من المصداقية وتثير التعاطف- وتقديمهم أمام الرأي العالمي ووسائل الإعلام، على أنهم «ناجين» من المجازر والتطهير العرقي في السودان، وهنا محاكات سمجة لمفهوم «الناجي» في سياق ضحايا مأساة «الهولوكوست»،التي أرتكبها الألمان ضد اليهود، والتي خلّدت أبعاداً مأساوية في مخيلة المواطنين الغربيين، مما يدفعهم إلى التعاطف بسرعة مع شعارات وجهود المنظمات التى تتصدى لمساعدة ما يُطلق عليه بضحايا التطهير العرقي فى أى مكان فى العالم. قلب الموازين على ان أهم دوافع حملة التحرك الحاسم في السودان، وبعيداً عن العواطف والدوافع التي يراد إجاشتها، حول الأوضاع في السودان، هو قوات «الدعم السريع»، والتي قلبت الموازين بشكل دراماتيكي يهدد مشروع حركات التمرد في السودان والمتحالفة مع مجموعات الضغط الغربية، فالنتائج والمؤشرات الأولية لحملة «الصيف الحاسم»، والتي قادتها هذه القوات بجانب القوات النظامية الأخرى، قد كسرت شوكة التمرد، فى المرحلة الأولى منها، وتخشى اللوبيات والدول الكبرى التي تقف وراءها، نجاح حملة «الصيف الساخن» في تحقيق أهدافها المعلنة، بإنهاء التمرد في السودان بالحسم العسكري، بعد أن رفض المتمردون إبداء الجدية في مسارارت التفاوض السلمي. ثانياً الهزيمة العسكرية والميدانية، تعني الهزيمة السياسية للمشروعات المدعومة من الخارج، ك» السودان الجديد»، و»الجنوب الجديد» و»السودان الكبير» ... الخ، وهي مشاريع ناظمة لتحركات ومواقف دول كبرى وإقليمية وحلفائها من المتمردين. ثالثاً: هزيمة التمرد تعني إفتقاد الأطراف الخارجية أوراق الضغط التي يمكن عبرها إخضاع وإبتزاز السودان ومساومته سياسياً وإبقاؤه على هذه الحال ؛ رابعاً: إنهاء التمرد يعني فرض السلام بالقوة، وبالتالي إنتهاء مبررات إستقطاب الدعم والتبرعات والتي تُجبى باسم مساعدة المتضررين، خاصة مسألة إنهاء وجود «معسكرات» تشد إليها الوفود والمنظمات الأجنبية، الرِحال، وتضخيم الأوضاع داخل تلك المعسكرات؛ خامساً: تدرك هذه المجموعات أن الحسم على الأرض، سيقوي موقف الحكومة السودانية سياسياً وعسكرياً، لا سيما في ظل تراجع النفوذ الأمريكي في السياسة الدولية، وشل قدرة الولاياتالمتحدة على قيادة تحرك عسكري ضد أى دولة، بعد فشل تدخلها في العراق وأفغانستان، والنتائج الكارثية التي ترتب عليها؛ سادساً: تراجع الاهتمام الأمريكي والغربي عموماً بالشأن السوداني، لصالح الاهتمام بالتحولات والتحديات الجيواستراتيجية، والتي تؤثر على مصالح الغرب، أكثر من قضايا السودان، والتي يدرك صنّاع القرار في الغرب أنها مصطنعة، من قبل مجموعات الضغط ليس إلا!!