حوالى شهرين قضيتها في الفراش إلا من بعض الحركة القليلة داخل المنزل وذلك بعد أن انكسرت يدي اليسرى كسرًا مركباً استلزم إجراء عملية جراحية في مستشفى بيست كير الذي نشكر له اهتمامه الواضح بالمرضى كما نشكر الجراح الشاب عماد الدين مصطفى الذي أجرى العملية الناجحة بحمد الله.. أحداث كثيرة على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية حدثت خاصة على الساحة العالمية طوال هذه الفترة، كان أولادي الصغار يتسمّرون على التلفاز يشاهدون معظم الوقت قناة الأطفال في mbc3 يستمتعون بمسلسل دورا وبالمسلسل الطريف shaun the sheep أبطاله الخروف شون وبقية الخراف والكلب الذكي، تابعتهما وأنا على الفراش بالرغم من أنني لم أكن قبل ذلك أعطي اهتماماً لأفلام الأطفال الكرتونية، لكن بالمقابل حرمتني تلك الظروف من متابعة المسلسل الواقعي في مصر وهو إزاحة الفرعون من خلال ميدان التحرير حيث الرصاص الحي وبلطجية النظام بمطاويهم وعصيّهم بعضهم يمتطون الأبل لإفزاع المتظاهرين الثائرين تماماً كما حاول أبرهة استخدام الأفيال لضرب الكعبة الشريفة، بينما القناصة يتربصون عبر النوافذ فتسيل الدماء وتنسل الأرواح إلى بارئها راضية مرضية بإذن الله، فينهار حلم جمال مبارك إذ أن والده كان على مرمى حجر من تنصيبه «هم إذا عاوزين يجيبوه يجيبوه» هكذا أجاب الفرعون يوماً حينما سألته الصحافة عما إذا كان ينوي توريث ابنه أم لا؟ لكن دائماً للطغاة أمنيات وأشواق لا سقف لها تتمدد كل يوم وتتطاول كما يتطاولون على شعوبهم المقهورة بيد أن إرادة الله هي التي تفصل بين تطاول الطغاة وبين واقع جديد تسطره قسرًا بين سطوة سلطانهم، وفي تونس آثر بن علي ألا يطول الصدام بينه وبين الشعب فاكتفى بالمئات الذين قتلوا وآلاف الجرحى على الطرقات فرحل، لكن مبارك لم تخرجه إلا جمعات الغضب المليونية قبل أن يخرجه بيان طنطاوي الذي صنع مداده الثائرون بميدان التحرير، لكن إذا كان مبارك وبن علي ترجلا قسرًا فإن العقيد القذافي الذي توعّد الثائرين ب«بيت بيت وزنقة زنقة» يعاني الآن من الزنقة الكبرى التي لن تنفعه فيها كتائبه المقاتلة ولا جحافل أمنه ومخبروه المنتشرون في كل شبر من ليبيا فقد أزف الرحيل الأبدي الذي لن يؤخر ساعة واحدة بل ثانية واحدة لم يكتبها له الله في سدة الحكم، لكن شياطينه تمنعه من الترجُّل، وفي سوريا يتساقط الشهداء هنا وهناك ويصرُّ الأسد على البقاء في الحكم، وفي اليمن يتجمّع آلاف اليمنيين بشبابهم وكهولهم يطالبون بسقوط عبد الله صالح في خضم الرصاص ومسيل الدموع وحملات الاعتقال لكن صالح يستعصم بالرفض بيد أن قذيفة أرسلها الثوار أصابت صدره فاضطر إلى الذهاب للمملكة العربية السعودية لإجراء عملية جراحية بينما تعتبر الجماهير الثائرة هذه الخطوة بمثابة تخلي عن الحكم وعلى الأقل فهي ربما تفضي إلى عزله في النهاية، وتستمر العبر هنا وهناك، لكن من يعتبر؟ وعندما تنجح الثورات الشعبية يبرز لصوصها الانتهازيون الذين يتسللون إلى مفاصلها بمكر ثم يصبحون هم تروسها وآلياتها ثم لايمضي وقت قصير فلا يبق للجماهير صانعة الثورة بدمائها وعرقها إلا الذكرى وثمة هتافات تضيع في زخم الضجيج وآمال عريضة تم وأدها فتدرك أنها استبدلت الضغاة الدمويين بمغتصبين جدد يسلبون إرادتهم ومقدرات أوطانهم لكن دون طلقة من الرصاص أو ضربة من الكرباج أو زائر الفجر بسلاحه وقيوده، محتلين يجثمون على مفاصل السلطة بصناديق الانتخابات المزورة، فتنداح الفوضى وتغيب الخدمات الحيوية، وسرعان ما تحنُّ الجماهير إلى جلاديها السابقين فتستنسخ الحلقات ويعيد التاريخ نفسه بكل أحزانه ومراراته!