قصة مستحضرات التجميل أخذت منحنى آخر.. لقد أخذت الفضائيات تستضيف مدام فلانة ومدام علانة ولا أدري إن كان ذلك إعلاناً مدفوع الأجر أم أنه خدمة قصدت بها الفضائيات تقديمها للمشاهدات. تأتي خبيرة التجميل لتتحدث عن صالونها وموقعه وهي تكرر ذلك عدة مرات حتى يعلق بأدمغة البنات ثم تبدأ في شرح الخطوات التي تتبعها من غسيل للوجه وأقنعة وماسكات وكريم الأساس وهذا يمثل سنة أولى تجميل من مرحلة الأساس تلك. وأول شيء تزيله إزالة تامة لا هوادة فيها هو الحواجب التي وضعها الله سبحانه وتعالى في مكان إستراتيجي لتكون خط الدفاع الأول للعين ضد الشوائب ذات الذرات الكبيرة حتى لا تجد لها طريقاً نحو العين. ومن حكم الله سبحانه وتعالى أن جعل العين لا تعلو على الحاجب. يُزال الحاجب ليحل محله حاجبان مرسومان يلتقيان في خط الأنف دون «التقويسة» المعهودة في الحاجب. ومن ناحية بصرية وعند علماء الديكور فإن الخطين الأسودين المتقاربين أفقياً يوحيان بوجود دائرة سوداء بينهما عن طريق الخداع البصري وتبدو الأنف أكثر طولاً. وإذا تمعنا في أي كريم لغسيل الوجه فقط ستجد أنه يحتوي على المواد الكيميائية التالية أو أكثر منها: حامض السالسيليك - ماء صوديوم لورامفستيت صوديوم مايرستويل ساركوسينيت صوديوم ترايديكيث سلفيت - سوربيتول جلسيرين بيق 120 ميثايل جلوكوز دايوليت دايسوديوم إيداتا بي إتش تي بانثينول ميتاكلورو ايسوسيازيلين سلفيا اوفيشيناليز أوليوباربيدينيس صوديوم دايهادوراستيت فيتامين ب 5 وشاى أخضر.. كل هذه المواد الكيميائية يمتصها جلد وجه الفتاة في عملية غسيل فقط كبداية لفتح الطريق أمام مواد كيميائية أخرى أقوى شكيمة وتأثيراً وأنفذ إلى أنسجة داخلية تنطلق منها أوعية دموية وعصبية رئيسية إلى أعضاء رئيسية كالكبد والكلى والدماغ ولا يدري أحد مفعولها التراكمي بعد عدة سنوات. إن التلفزيون جهاز خطير وهو الذي يشكل الوعي والمزاج الجماعي. وبرنامج مثل «أفراح أفراح» التلفزيوني الذي تقدمه قناة النيل الأزرق بالرغم من نبل مقاصده فهو قد رسّخ شكلاً نمطياً للعرس السوداني في جميع أنحاء السودان وفي خارجه.. إذ لا بد من زفة والزفة تتطلب ذهاب العروس إلى الكوافير ومراكز التجميل التي فتحت أبوابها للنساء والرجال. ولا يمكن أن تتحرك عروس من منزل والدها مباشرة إلى صالة الزفاف فلا بد أن تقضي نهارها كله في صالون التجميل. برنامج أفراح أفراح من أكثر البرامج تسجيلاً لنسبة مشاهدة عالية لأننا شعب «شناف» ولا نجد برنامجاً نمارس فيه هذه الهواية وفي منازلنا والعائلة مجتمعة في ليلة خميس الجمعة إلا ذلك البرنامج. العائلة كلها تشترك في عملية «تشنيف جماعي» : شوف العريس بتهابل كيف... شوف العروس مجلبطة كيف... ومالو فستانا دا عامل كدا؟ وطبعاً دي باروكة.. هي.. قالت إن شاء الله أغلبوا بالمال ويغلبني بالعيال...هئ.. هئ.. هئ. إلخ. ولكن ما يهمني هنا هو أنني لاحظت أنه في جميع المقابلات التي تجريها مذيعات البرنامج مع عائلة العروس تظهر الأم داكنة البشرة وكذلك الأب والخالة والعمة والحبوبة إن وُجدت... ولكن على غير الخريطة الجينية تبدو البنت بيضاء فاقع لونها وعلى المشاهدين مراعاة فارق اللون. وفارق اللون هذا هو ما تجتهد فيه صالونات التجميل من سكب لكريمات ومفتحات تحتوي على مركبات استيرودية خطرة ربما تؤثر مستقبلاً على الإنجاب. عندما تسلمت السيدة فلفولة كرت دعوة مكتوب عليه: السيدة فلفولة وكريماتها حملت معها: كريم ديانا وبوندز وسو هوت وفير آند لفلي وفييد أوي وبست ميراج. آخر الكلام: دل على وعيك البيئي.. لا تقطع شجرة ولا تقبل ولا تشتر ولا تهد هدية مصنوعة من جلد النمر أو التمساح أو الورل أو الأصلة أو سن الفيل وليكن شعارك الحياة لنا ولسوانا. ولكي تحافظ على تلك الحياة الغالية لا تتكلم في الموبايل وأنت تقود السيارة أوتعبر الشارع.