كما أكد لي صديق عزيز وأخ نبيل أثق في مصادره ومصداقيته وعمق قراءته لما يجري وسبر أغواره، فقد أعرب مرشد الحركة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة وملهمها وزعيمها التاريخي، الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي المعارض د. حسن الترابي، في حديث ليس للنشر كالعادة أدلى به أخيراً، عن ارتياحه للصعود السياسي الحالي للفريق أول ركن بكري حسن صالح الذي ارتقى على المستوى الرسمي، ليتولى منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية ضمن ما يسمى ب »الوثبة« المزمعة التي أعد لها حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وأعلن عنها السيد رئيس الجمهورية ورئيس الحزب المشير عمر البشير، وذلك على النحو الذي أتى وأدى كمقدمة لما جرى من إقالة لكل من النائب الأول السابق الأستاذ علي عثمان محمد طه، والمساعد السابق للرئيس نافع علي نافع، والوزيرين السابقين للطاقة والري والسدود د. عوض الجاز وأسامة عبد الله من مناصبهم الرسمية والحزبية خلال الفترة القليلة المنصرمة. وبناء على هذا فربما يمكن ويجوز القول إن المغزى البعيد المدى للحوار الحالي الجاري من أجل الوطن بين الرئيس البشير وشيخ حسن إنما قد يعني أن كل منهما قد أدرك أن العبرة المستخلصة والدروس المستفادة من التجربة، وما جرى فيها، وما ينطوي عليه ذلك من دلالة منذ الانقلاب الثوري المدني والعسكري الذي أقدمت على القيام به النخبة المدنية والعسكرية الممثلة للحركة الإسلامية السودانية والمعاصرة، والتي نجحت وفقاً لذلك في الاستيلاء على سدة مقاليد الحكم والسلطة الحاكمة والسيطرة عليها بهيمنة منفردة في الثلاثين من يونيو 1989، إنما تتمثل في أن ما يسمى »المفاصلة« التي شهدتها هذه التجربة في العام 1999 لم تكن خطوة موفقة رغم أن هناك من يرى أنه لم يكن هناك مناص منها أو بديل لها أو سبيل بدونها لإعطاء الفرصة للاستمرار في هذه التجربة على النحو الذي جرى بعدها منذ ذلك الحين وحتى الآن. وكما هو معلوم فقد كان السبب الأساس والرئيس الذي أدى للمفاصلة هو تصاعد الشكوى والشكوك بين كل من الرئيس البشير والشيخ الترابي، حيث كان الأول يجأر بالشكوى مما يرى أنه محاولة من الشيخ الترابي لفرض الهيمنة والسيطرة الشخصية المنفردة على تسيير دفة مقاليد الحكم والسلطة الحاكمة من خارجها في السياق والإطار الدستوري والقانوني المرسوم لها، وهو الأمر الذي أدى الى تصاعد وتفاقم الشكوى التي كانت متزايدة لدى الرئيس البشير فيما يتعلق بالمغزى والدلالة والأهداف البعيدة المدى لما كان يرى على النحو المشار إليه حينها، بينما كان الشيخ الترابي يشكو من جانبه في ذلك الوقت من وجود محاولة يرى أنها كانت قائمة وسارية وجارية ونابعة من مسعى تنشط فيه بعض الشخصيات المدنية والعسكرية النافذة والمتنفذة في السلطة الحاكمة، أخذت تعمل وفقاً لرؤية كانت تنطلق منها من أجل تهميش شخصها وعزله والخروج عليه والانفكاك من أسره والتخلص سحره وتأثيره، والانطلاق بعيداً عنه وبمعزل عنه ودون اكتراث أو اقتناع برؤيته أو اتفاق معه عليها بل وربما الاختلاف معها حولها وبشأنها. وفيما يبدو فقد تزايدت مثل تلك الحالة من الشكوى والشكوك التي كانت سائدة وماثلة وأضحت متفاقمة ومتصاعدة لدى كل من الرئيس البشير والشيخ الترابي بعد ما حدث بالنسبة للأخير عندما تعرض للمحاولة والمؤامرة الهادفة لاغتياله والقضاء عليه أثناء الزيارة الشهيرة التي قام بها لكل من الولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا في النصف الأول من تسعينيات القرن الميلادي الماضي، بينما أضحت مثل هذه الحالة المماثلة من الشكوى والشكوك متزايدة ومتصاعدة ومتفاقمة لدى الرئيس البشير عندما فوجئ على ما يبدو بالمحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس المصري الأسبق أثناء وصوله إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا للمشاركة في قمة إفريقية انعقدت هناك في العام 1995، وهي المحاولة التي تعرضت السلطة الحاكمة الراهنة والقائمة في السودان حينها ونتيجة لها إلى المزيد من التدخلات الخارجية الضاغطة عليها بحدة شديدة الوطأة وثقيلة الوزن من جانب القوى الإقليمية والدولية الكبرى النافذة بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية. وبالطبع فإن مما يندرج في سياق هذا الإطار للرؤية لما جرى من أزمة سابقة كانت متأزمة بين كل الرئيس البشير وشيخ حسن يتضمن أيضاً ما حدث بالنسبة للوجود السابق لأسامة بن لادن الزعيم السابق لما يسمى بمنظمة القاعدة الإسلامية المتطرفة في السودان، إضافة إلى ما حدث بالنسبة للوجود السابق للإرهابي العالمي كارلوس في السودان آنذاك. ونواصل غداً إن شاء الله.