يرى بعض الدارسين والباحثين المهتمين بقراءة التطورات السياسية المهمة في التاريخ الحديث للسودان، أن القوات المسلحة السودانية كانت قد أضحت قاب قوسين أو أدنى من إنجاز مهامها وأداء الواجب الوطني المناط بها في القضاء على حركة التمرد الأولى التي كانت تنشط بالجنوب السوداني في مناهضة مسلحة للسلطة المركزية الوطنية الحاكمة، اثناء فترة الحكم الوطني العسكري الأول الممتدة من العام 1958م وحتى 1964، عندما تمت الإطاحة بذلك الحكم آنذاك لدى اندلاع ثورة أكتوبر الشعبية العارمة التي قامت بتفجيرها وأقدمت على تولي القيادة فيها القوى السياسية المدنية التي كانت معارضة لذلك الحكم. بيد أنها وكما ذكرنا أمس فإن المرحلة الفاصلة، التي نرى انها قد فرضت نفسها وأضحت شاخصة وماثلة كحقيقة بارزة وواضحة، فيما يتعلق بطبيعة العلاقة بين القوات المسلحة والقوى المدنية الناشطة والفاعلة والمتفاعلة والمتنافسة على المستوى السياسي في السودان، وذلك فيما يتصل بالمواقف المتعلقة بكيفية التصدي للحركات المتمردة المناهضة للسلطة الوطنية المركزية الحاكمة، قد كانت هي تلك التي جاءت حادثة أثناء الفترة اللاحقة لحركة التمرد الثانية التي انطلقت أيضاً من جنوب السودان، وأقدمت على القيام بها الحركة الشعبية بقيادة زعيمها وملهمها ومرشدها الراحل د. جون قرنق في العام 1983. وبناءً على هذا فربما قد يمكن ويجوز القول إن ما سعت له الحركة الشعبية لدى اقدامها على القيام بحركة التمرد المسلحة الثانية المناهضة للسلطة الوطنية المركزية الحاكمة في السودان، وذلك بشأن تطلعاتها التي كانت طامحة وطامعة في الانتقال بما تقوم به من تمرد مسلح والامتداد به من الجنوب إلى الشمال، وكما عملت على ذلك وشرعت ونشطت فيه بالفعل، قد كان هو الامر الذي أدى إلى ما نرى انه قد صار بمثابة مرحلة فاصلة ونقطة تحول حاسمة على النحو الذي اشرنا له وإلى ما نتج عنه وترتب عليه بشكل ملموس ومحسوس، في طبيعة العلاقة التي صارت واضحة بشأن ما تقوم به القوات المسلحة في ادائها لواجباتها وما يتصل بذلك فيما يتعلق بالمواقف السياسية للقوى المدنية بشأن رؤيتها لما يجب في هذا الصدد وبهذا الخصوص من اجل التصدي للحركة المتمردة المناهضة للسلطة المركزية الحاكمة. وبينما قد يمكن ويجوز القول أيضاً في سياق هذا الإطار لرؤية ما جرى، إن الحركة المتمردة التي تولى قيادتها زعيم الحركة الشعبية، وملهمها ومرشدها الراحل د.جون قرنق انطلاقاً من جنوب السودان في العام 1983، قد كانت واحدة من الاسباب الملهمة والمؤثرة والمعضدة للانشطة المدنية المعارضة والمناهضة للسلطة المركزية الوطنية الحاكمة آنذاك، بقيادة الزعيم الوطني الراحل المرحوم جعفر نميري الذي تولى قيادة الحكم الوطني العسكري الثاني في السودان منذ العام 1969 وإلى أن تمت الإطاحة به في الانتفاضة الشعبية المناهضة له والمعارضة لحكمه بإسهام من الحركة الشعبية في العام 1985، بينما قد يمكن ويجوز مثل هذا القول في معرض التحليل لما جرى والتسهيل الذي أسهمت به الحركة الشعبية المتمردة في مناهضة مسلحة للسلطة الوطنية المركزية الحاكمة على النحو الذي أدى وأفضى إلى الانتفاضة الشعبية والإطاحة بنظام حكم الزعيم الوطني الراحل المرحوم جعفر نميري في العام 1985.. فإن الامر الذي فرض نفسه أيضاً من جهة أخرى في تلك الفترة وأضحى من الامور الشاخصة والماثلة والمؤثرة بحدة شديدة الوطأة الضاغطة أثناء الفترة الانتقالية اللاحقة للإطاحة بنظام الراحل نميري والحكم الوطني الديمقراطي الذي أتى بعده في تجربة ثالثة للممارسة الوطنية للديمقراطية والتعددية الحزبية، والتي برز فيها حزب الأمة بقيادة زعيم الأنصار ورئيس الوزراء السابق السيد الصادق المهدي، قد كان هو ان التصدي للحركة الشعبية المتمردة في مناهضة مسلحة للسلطة الوطنية المركزية قد صار هو العامل الحاسم في تحديده لطبيعة العلاقة بين القوات المسلحة والقوى الوطنية المدنية الفاعلة والمتفاعلة والمتنافسة الناشطة، على المسرح السياسي في السودان منذ ذلك الحين وحتى الآن كما نرى ونواصل غداً إن شاء الله.