مدير إدارة الهجرة بوزارة العمل وتنمية الموارد البشرية محمد السماني، كشف عن هجرة ثلاثة آلاف وأربعمائة ثمانية وتسعين طبيباً خلال عام ونصف العام.. واعتبر على ما يبدو ان هذا الرقم ضخم، وأن له تأثيره السلبي في النظام الطبي في البلاد.. لكن السيد السماني لم يكشف لنا العدد الكلي للأطباء السودانيين في الداخل. كم طبيب الآن يعمل في البلاد من اختصاصي الي نائبه الى عمومي الي امتيازي؟! وهل تستطيع وزارة الصحة الاتحادية أو وزارات الصحة الولائية أن تستوعب كل الأطباء السودانيين بمختلف مستوياتهم في المستشفيات الحكومية بامتيازات مرضية، ويمكن أن يجابه بها الأطباء تحديات ومتطلبات الحياة؟! ألا تعني هجرة طبيب وجد فرصة عمل في الخارج فتح فرصة لطبيب موجود في البلاد؟! إن أمراضاً كثيرة يستعين المرضى المصابون بها في الاستشفاء منها بالأطباء في الخارج لغياب الإمكانات والمعدات الطبية الكافية هنا، والدولة اذا كانت لا تستطيع ان توطن العلاج هنا بصورة كافية رغم ان من شعاراتها الخدمية توطينه، فإن الطبيب المهاجر إذا عاد او لم يعد يمكن ان يستفاد منه في تصدير المعدات الطبية المتقدمة من مهجره الى وطنه، وهذه واحدة من ثمرات هجرة بعض الأطباء، وهو بعض قليل جداً بالمقارنة مع رقمهم الكبير. الآن عشرات كليات الطب الحكومية والخاصة وغير الحكومية والخاصة تخرِّج سنويا أطباءً جدداً، وسنوياً يترقى عشرات الاطباء من الامتياز الى العمومي ومن العمومي الي نائب الاختصاصي ومن نائب الاختصاصي الى الاختصاصي كامل التطور، ولا تتوفر لهم المعدات الطبية العلاجية الكافية نوعاً وعدداً، وجزء كبير من الروشتات التي يحررونها لعلاج المرضى لا يتوفر المكتوب فيها في معظم الصيدليات، وأحياناً كلها. ثم تقول الأخبار إن هناك أطباء عاطلين عن العمل الطبي بسبب عدم توفر الوظائف، وإن بعض هؤلاء الاطباء يعملون سائقي «أمجاد وركشات». اذن اذا هاجر مثل هؤلاء الاطباء فالسبب واضح، واذا هاجر غيرهم، فسيفتحون الفرص لهؤلاء ليترجلوا عن «الأمجاد والركشات». وتبقى الظروف الاقتصادية في خاتمة المطاف هي السبب الرئيس. وبمناسبة الظروف الاقتصادية ونحن نؤيد نظرية التنمية الريفية او التنمية الاقتصادية في الولايات، فإن الدولة منذ أن خصصت وزارة التنمية الريفية في عهد نميري وعين عثمان ابو القاسم وزيرا للتنمية الريفية، لو كانت جادة ووجهت الوزارة برسم الخطط لاصبحت عواصمالولايات الآن مع الحدود الجغرافية المفتوحة مدناً تجارية كبرى بعد إنعاش التنمية والاستثمار وسوق الصادر فيها، ولفضلها كثير من الأطباء المهاجرين والذين يسعون للهجرة الآن للعمل في الخارج، ولجذبت البلاد اليها أكبر الأطباء الاختصاصيين في العالم لتدريب وتأهيل أطباء الوطن من صاحب الامتياز الى نائب الاختصاصي إلى الاختصاصي احياناً. لكن غياب التنمية الريفية وتحويل المليارات الحكومية المفترض ان تخصص لها الى مواجهة متطلبات الخدمات في ولاية الخرطوم، هذا هو المقدمة لهجرة الاطباء وغيرهم طبعاً. إن التنمية الريفية التي تتحول اموالها الى الخدمات الاضطرارية داخل ولاية الخرطوم بسبب غياب هذه التنمية الريفية، هي ما ستوفر للدولة امكانات بناء المستشفيات في عواصم ومدن الولايات وتوفير المعدات المتطورة فيها. ولكن من يفكر في مشروعات التنمية الريفية؟! لقد فكر فيها نميري وخذله من حوله من المساعدين الفاشلين الرويبضات، وحسبنا الله ونعم الوكيل.