صندوق إعمار دارفور هو أحد مخرجات اتفاقية الدوحة التي وضعت معايير كثيرة لعودة الإقليم الذى عانى الكثير من الصراعات التي أدت لخروجه عن دائرة الاستقرار، ليأتي تعويل تلك الاتفاقية عليه باعتبار أنه من الآليات التي يجب عليها إعادة المنطقة لما كانت عليه. ولكن رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على تكوينه يرى الكثيرون أن ثمة شيئاً لم يتحرك من مكانه، وأنه لم يوفق لما كون لأجله من إعادة إعمار البنى التحتية وتمكين المهاجرين الذين هجروا قراهم من العودة مرة أخرى للانخراط في التنمية المطلوبة. وفي هذا الحوار وضعت «الإنتباهة» الأستاذ هاشم حماد مدير صندوق إعمار دارفور أمام هذه الأسئلة الجريئة.. وكانت ردوده لا تخلو من شفافية.. فإلى نص الحوار: الصندوق متهم بأنه لم يحرك ساكناً في تنمية الإقليم منذ تأسيسه؟ هذا الحديث غير صحيح، لأن الصندوق تم تكوينه وفق اتفاقية الدوحة لدفع عجلة التنمية بالإقليم، ومهامه هي المهام المنصوص عليها في وثيقة الدوحة لسلام دارفور، واهم المشروعات هي تمويل مشروعات العودة الطوعية وإعادة التوطين باعتبار ان عودة النازحين المتكدسين حول المدن والمعسكرات تمثل اضافة حقيقية لتنمية الاقليم، باعتبار انهم المنتجون الحقيقيون للمساهمة في دفع عجلة الانتاج، لا سيما ان دارفور تساهم مساهمة كبيرة في الدخل القومي، فالحرب في دارفور أثرت كثيراً في اقتصاد الاقليم بخروج المشروعات الاقتصادية من زراعة ورعي، فهو يزخر بثروة حيوانية كبيرة جداً. ومن مهامنا ايضاً تمويل بعض المشروعات المتمثلة في الشرائح الضعيفة مثل المرأة والطلاب، بجانب برنامج التمويل الاصغر وتمويل مشروعات البنى التحتية عبر استراتيجية تنمية دارفور التي تمت مناقشتها واجازتها في مؤتمر المانحين الأخير، وأُقيمت سلسلة من ورش العمل في كل ولايات دارفور وتضم حوالى خمس عشر مهمة واختصاصاً، وكلها تنصب في اخراج الاقليم من مرحلة الحرب الى مرحلة التنمية المستدامة. إذن ما هي الموارد التي تعتمدون عليها؟ يعتمد الصندوق على جزءين اساسيين، اولهما الاعتماد على الأموال التي تأتي من الحكومة، والجزء الآخر من الموارد هي الأموال التي تأتي من المانحين الممثلين في دولة قطر، وهي الشريك الأكبر، بجانب دول الاتحاد الأوربي التي نفذت سد أبو طويلة، بالإضافة إلى المانيا عبر منظمة g i g» التي التزمت بتنفيذ بعض المشروعات التنمويه. وهل التزمت الحكومة والمانحون بما عليهم؟ هناك دول التزمت مثل دولة قطر، وهناك دول لم تلتزم وهو امر متروك لها، لأنها وضعت شروطاً، واية دولة وضعت اشتراطات لم تلتزم بأي التزام مالي، بل قالت انها فيما بعد سوف تكون لها شراكات ثنائية مع الحكومة السودانية والسلطة الاقليمية لدارفور، وإذا التزمت الحكومة بانفاذ المشروعات التي ذكرتها على ارض الواقع بمساهمة منها فإن انفاذ أي نوع من المشروعات دليل على جدية الحكومة. اما في ما يخص الاموال التي اقرت بها الحكومة فهي مليارا دورلار يتم سدادها عبر ست سنوات، والتزمت منها بمبلغ «800» مليون دولار في شكل خطابات ضمان، وتم تنفيذ مشروعات المرحلة الاولي فقط. ولكن المشروعات التي نفذت مقارنة بمبالغ المانحين ضعيفة؟ لنجعل لغة الأرقام تحكم بيننا.. فقد قمنا بتشييد «1.100» مشروع وتنفيذ «315» مشروعاً تنموياً في ثماني محليات من ولاية شمال دارفور وأربع محليات من ولاية جنوب دارفور، وكذلك شرق دارفور متمثلة في الصحة واعادة بناء وتأهيل عدد من المراكز الصحية، وفي جانب التعليم الذي يشتمل على تشييد مدارس اساس وثانوي، بجانب الكتاب المدرسي والإجلاس، بالإضافة الى مشروعات المياه التي تعتبر من اكثر الاشكالات التي يعاني منها الاقليم خاصة شمال وشرق دارفور، وقد شارف العمل على الانتهاء في جزء كبير من هذه المشروعات. ألا ترى معي أن الصندوق يشغل نفسه بمشروعات أصلاً هي من مهام الولايات؟ أولاً الدولة ليست لها ميزانيات لعمل مثل هذه المشروعات، ثم ان جميع الميزانيات الخاصة بولايات دارفور تأتي للصندوق بموجب التفويض المنصوص عليه في وثيقة الدوحة، وعبر السلطة الاقليمية يتم تحديد المشروعات، والصندوق هو الجهة التي تنفذ تلك المشروعات. هناك اتهام للسلطة بأنها تهتم ببعض الولايات دون غيرها؟ هذا حديث غير صحيح ولا يسنده أي شيء، لأسباب محددة هي أن ولاة الولايات هم نواب لرئيس السلطة الإقليمية، وكل السياسات التي يتم تنفيذها من قبل الصندوق يتم عرضها على مجلس السلطة، بجانب أن هناك لجنة اشرافية للصندوق، وهي عبارة عن مجلس إدارته الذي يتكون من رئيس السلطة ووزراء مالية ولايات دارفور، لذلك نحن نقول إن هذا الحديث مجافٍ للحقيقة تماماً، لذلك فإن الحق يكون حسب الضرر التي تعرضت له الولاية المعنية. إذن ما هي المعايير التي تتبع في تنفيذ المشروعات؟ بعد التوقيع على وثيقة الدوحة تم تكوين لجنة متمثلة في مفوضية العودة الطوعية واعادة التوطين بجانب وزارة التخطيط العمراني ومهندسين من وزارة التربية والتعليم، وتم عمل مسح ميداني على لجميع محليات دارفور من خلاله تم وضع الأولويات، فالصندوق لا يحدد المشروعات، بل تأتي من ولاة الولايات إلى رئيس السلطة، ومن ثم تأتي إلى الصندوق كجهة منفذه عبر إحدى عشرة وزارة ومفوضية لتنفيذ المشروعات. الى أي مدى يمثل الأمن عائقاً أمام عمليات تنفيذ المشروعات؟ مسألة الأمن لا تمثل عائقاً كبيراً بل هناك نسبة ضئيلة جداً من تلك المشروعات يمكن أن تطولها أيادي المخربين، ولكن الآن لا نشهد أي مهدد أمني يهدد تنفيذ المشروعات. ولماذا لا تنفذون مشروعات كبيرة تساهم في تنمية الإقليم من مطارات وسككك حديدية؟ نحن نعمل وفق المبلغ المرصود، وهو كما ذكرت سابقاً «800» مليون جنيه، والطموح شيء والاتفاقية والواقع شيء آخر، بالإضافة الى ان تكلفة تنفيذ الكيلومتر الواحد للمطار مليون دولار، لذلك العمل يتم في حدود البنى التحتية الصغيرة، ولكن السلطة لديها الرغبة في إيجاد قروض لبعض المشروعات الكبيرة مثل مطاري الضعين وزالنجي، بالإضافة الى دعم طريق الإنقاذ الغربي وسكة حديد «أبو جابرة نيالا» والالتزام الثاني للحكومة وهو مبلغ «900» مليون جنيه الذي يفترض أن تستلمه السلطة خلال هذا العام. كيف تقرأ الوضع في دارفور الآن؟ في اعتقادي ان الوضع الآن معقول باستثناء الصراعات القبلية، ولم تعد الحركات المسلحة تمثل مهدداً أمنياً، وهذا رأي العديد من المسؤولين، ما عدا بعض المناكفات بين أعضاء المؤتمر الوطني في ولاية شمال دارفور، خاصة بين الشيخ موسى هلال ووالي الولاية يوسف كبر، فهي يمكن ان تضر الاقليم اكثر من الحركات المسلحة، ولكن الأخبار التي أذيعت اخيراً بمبادرة يوسف كبر، والتي رد عليها هلال بأحسن منها بادرة جيدة جداً لاستقرار الوضع في الولاية وطي هذه الصفحة. ما دوركم في فض النزاعات القبلية؟ دورنا قائم من خلال مفوضية العدالة والحقيقة والمصالحات، وقد كنت شاهداً على اتفاقية ابوجا التي تضمنت ملف السلطة والثروة والترتيبات الامنية، ولكن ما يميز وثيقة الدوحة تضمنها ملف المصالحات القبلية، بجانب العودة الطوعية واعادة التوطين، وهما ملفان مهمان، بالإضافة الى مؤتمر السلم الاجتماعي في دارفور والحوار الدارفوري المزمع قيامه في الفتره القادمة، وكل هذا نحن مساهمون فيه لحل النزاعات القبلية. هل في اعتقادكم يمكن أن ينجح الحوار «الدارفوري الدرفوري» في حل مثل هذه الصراعات؟ مع ما نشهده من حروب قبلية اعتقد ان الحوار الدارفوري ليس له أي معنى ما لم تحل تلك الصراعات، حتى لو كان الصراع داخل قبيلة واحدة، وما لم يتم وضع حل لتلك الصراعات لن يكون الحوار مجدياً، ولذلك لا بد له ان يأخذ منحى آخر في طي صفحة النزاعات القبلية قبل البدء في أية عملية اخرى. على ذكر الحركات المسلحة هل لديكم أي نوع من الاتصالات لضمها لركب الحوار؟ كافراد لدينا اتصالات معها، ولكن كحزب تحرير وعدالة ليس لدينا أي نوع من الاتصالات، وكسلطة اقليمية اتصالنا بالحركات عبر لجنة «7+7»، وهناك آلية بقيادة الاتحاد الافريقي والقوات الأممية «اليوناميد» بقيادة محمد بن شمباس وقيادة صديق ودعة، فهي تعمل على حث تلك الحركات على وضع السلاح، ونناشد جميع الحركات اللحاق بركب السلام.. وعبركم نكرر تلك المناشدة. هل يمكننا القول إن وثيقة الدوحة حققت الأمن المطلوب أم هي مجرد وظائف فقط؟ إذا قلنا إننا راضون كل الرضاء عن الوثيقة نكون كاذبين، ولكن أيضاً لم نندم عليها، ولكن هناك بعض الرضاء عما تم انجازه وهو بما توفر لدينا من امكانات، ومازلنا على أمل كبير في الخروج بالوثيقة إلى بر الأمان. هناك حديث يدور حول وجود خلافات داخلية؟ لم أسمع بهذا الحديث من قبل. ولكنكم قمتم بإبعاد مادبو من وزارة الإعلام؟ لم يتم إبعاده، بل هناك شراكة سياسية بين السلطة والحكومة بحسب الوثيقة التي نصت على ستة مقاعد للوطني في السلطة الإقليمية، وله الحق في أن يأتي بمن يشاء من أعضاء حزبه أو من الحركات الأخرى المتحالفة معه، وبالتالي فإن مادبو وغيره جاءوا في هذا الإطار، والمؤتمر الوطني قرر التغيير في مقاعده، وأوجد هذا الواقع الجديد، وحركة التحرير والعدالة والسلطة عموماً ليست لديها يد في هذه المسألة. هناك العديد من التقاطعات السياسية كيف تتعاملون معها؟ نحن كحركة تحرير وعدالة عندما وقعنا على وثيقة الدوحة وجدنا العديد من الاتفاقيات مثل اتفاقية أبوجا، وبعض الحركات التي وقعت على اتفاق سلام من الداخل نتعامل معها باعتبار ان الهدف واحد، وبالتالي أي إنجاز تم الآن فهو نتيجة للانسجام والتعاون المشترك بين حزبنا والفصائل الأخرى الموقعة على الوثائق المختلفة بالداخل والخارج. ألا ترى أن التقاطعات السياسية الأخرى عقدت مشكلة دارفور؟ إذا كنت تقصدين الأحزاب المعارضة لا أعتقد أن لها أثراً كبيراً في أزمة دارفور، الا بالقدر من التواصل الذي يتم بين الحركات المسلحة وبعض التنظيمات السياسية المعارضة. هل تقصد حزب الأمة وإعلان باريس؟ وما هو موقفكم من هذا الإعلان؟ ليس بالتحديد .. وموقفنا كحزب تحرير وعدالة إذا كان الغرض منه إلحاق تلك الحركات بالانضمام للحوار المنطلق الآن اعتقد انه معقول، ولكن الطريقة التي تم بها الإعلان انفرادية، لأن السيد الصادق المهدي جزء من لجنة «7+7»، ولا يمكن أن يترك «6» ويذهب لوحده، ومن ثم يتحدث باسم الآخرين، لاسيما أن حزب الأمة يرفض الانفراد بالسلطة والتحدث عن الوطني، فهذا الأمر ينطبق عليه ولا يمكن ان ينفرد لوحده ثم يدعي أنه يمثل الآخرين، وما أراه أنه أميل للمشاكسة السياسية. وهل ترى أن الحوار القائم الآن سوف يمضي للأمام؟ نتمنى ذلك ونرحب به وندعمه بقوة، لأن السودان ليس له مستقبل دون الجلوس للحوار بعقلانية، لأن الحوار عبر فوهة البندقية لا يجلب إلا دماراً، فالحوار قائم بالرغم مقاطعة بعض الأحزاب، فهذا لا يعني عدم وجود حوار، وسوف يستمر حتى نستطيع الخروج بالسودان إلى بر الأمان.