يعيش إقليم دارفور حالة من الانهيار التام للبنية التحتية فالإقليم في حاجة ماسة لمد يد العون وتوظيف كل إمكانات الدولة للنهوض به وبما أن حجم الدمار كبير والإعمار والتنمية يحتاجان لأموال ضخمة كان لا بد من تدخّل ومساعدة المجتمع الدولي فكان مؤتمر المانحين لإعمار دارفور بقطر والمنعقد في أبريل الماضي والذي تفصلنا عن عامه الأول ساعات قلائل والذي خرج بتوصيات بضرورة إنفاذ بعض المشروعات الإسعافية بعد أن تم توفير المال اللازم لها إلا أنه لم يتم إنفاذ أي شيء منها الأمر الذي استنكره أهالي دارفور والقائمين بأمرها حيث لاتزال الأمور غير واضحة من أين أتى التقصير؟ ومن المسؤول عن بطء التنفيذ؟ الحكومة أم الدول المانحة؟ أم هناك أشياء خفية لايعلمها الناس؟ في محاولة منّا للوقوف على الحقائق كانت هذه الإفادات على لسان أهل الاختصاص وأصحاب (الوجعة).. انعدام الإمكانات وكانت أولى محطاتنا وهي الجانب الأهم في القضية وزارة الإعمار والتنمية والبنى التحتية بالسلطة الإقليمية حيث تحدث للصحيفة القائم بأمرها/ تاج الدين نيام قائلاً: علينا التحول من مرحلة الإغاثة إلى مرحلة الإنعاش المبكر ثم إلى مرحلة إعادة الإعمار والتنمية وأن أبرز التحديات التي تواجه الإعمار في دارفور هي الإمكانات وتأخر الالتزام من قبل الحكومة في ظل الوضع الأمني المقلق الذي يساهم في الفزع والفوضى وهدم المشروعات التنموية مضيفاً أن من ضمن المشكلات التي تواجه إعمار دارفور هي البيروقراطيه الإدارية القديمة التي تمارسها الحكومة الاتحادية حيث إنها لا تقوم بالدفع نقداً بل تقوم بالدفع عن طريق خطابات الضمان عبر البنوك والشركات لا تعمل ما لم تتسلم مستحقاتها نقدًا بجانب التخوف من الخطوات السابقة في مجال التنمية الأمر الذي يدفعهم لأن يبذلوا جهدهم في تنفيذ المشروعات وما يتم التوافق والتوقيع عليه ويتم تنفيذه على أرض الواقع، وأشار نيام إلى أن هناك تقاعداً من قبل المساهمين الخارجيين في السابق لكن الآن بدأ بعض الحراك حيث جاءت عدد من الساهمات من الاتحاد الأوربي وبريطانيا وكذلك البعثة الألمانية بدارفور بجانب دفع القسط الأول من دولة قطر. وأوضح تاج الدين أن السلطة قد دشنت حوالى (650) مشروعاً تنموياً انشائياً كبيراً من صحة وتعليم وتأهيل ومشروعات متعلقة بالكتاب المدرسي وأخرى متعلقة بإجلاس الطلاب بجملة (600) مليون جنيه مواصلاً أن هناك مشروعات أولية ومتوسطة وطويلة المدى بلغت تكلفتها (200) مليون دولار، كاشفاً عن وجود وثيقة لتنمية دارفور تم تقديمها في المؤتمر الأخير حيث كانت الحاجة إلى (6 ) مليارات ونصف تقريباً وتم التحصيل على ( 3) مليارات، ووصف نيام تلك الخطوة بالنجاح حيث تم الاتفاق على انعقاد مؤتمر ثاني بعد عامين من الأول لمراجعة الأعمال التي نفذت لتوجه الدعم مجددًا لتنمية دارفور. وفيما يختص بمخاوف المجتمع الدولي من أن تضل تلك التبرعات طريقها قال نيام إنهم سوف يبددون تلكم المخاوف بمشاركة المجتمع الدولي نفسه بالزيارات الميدانية والتقارير التي سوف ترفع لهم. سلام هش وفي حديثه ل (الإنتباهة) قال محمد عيسي عليو أحد قيادات دارفور: إن مشكلة دارفور بدأت منذ الاستقلال فالحكومات السابقة والحالية مسؤولة عن تهميش وانعدام الخدمات بالإقليم، واستنكر عليو عدم وجود طريق بري يربط الإقليم بالخرطوم بالرغم من تمتعه ب (8) ملايين نسمة وكل أنواع المناخات و(8) أنواع من الأنعام، واعتبر أن هذا الأمر لايعقل كما نفى أن تكون هناك تبرعات من قبل المجمتع الدولي في مؤتمر المانحين الأخير باستثناء دولة قطر، وأضاف أنه من الذين شهدوا هذا المؤتمر وأن مبلغ (4) مليار هو حديث غير صحيح وأن قطر هي من تبرعت بمبلغ (500) مليون دولار، واعتبر أن هناك خطة ذكية أعلنت من خلال المؤتمر حيث أعلن الالتزام الداخلي للحكومة تجاه السلطة الإقليمية أعلن من ضمن التبرعات الخارجية وأضاف أن الحكومة نفسها لم توفِ بالتزاماتها تجاه قضية الإعمار حيث كان الالتزام عبارة عن خطابات بنكية عبر أحد البنوك الوطنية وعبر شيكات آجلة وبعيدة المدى حيث لا يستطيع صندوق الإعمار التصرف فيها لأنها مجدولة وبعيدة الأمد وأوضح عليو أنه وبهذه الكيفية لا يكون هناك إعمار لدرافور مطلقاً وفي ظل الوضع الراهن. وأضاف أن الأزمات الحالية تحد من تنمية المنطقة في ظل الحروب والنزاعات التي تغزو فيها الحركات والحكومة ترد على تلك الهجمات، وبين أن هناك ذعراً من قبل الشركات العاملة في مجال التنمية كما أنها تقوم برفع التكلفة وفقاً للحالة الأمنية مما يجعل العملية التنموية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالاستقرار الأمني الذي اعتبره عيسى ضروره قصوى ودعا الدولة الى بذل المزيد من الجهد لبسط هيبتها بالإقليم بجانب بسط الأمن كما دعاها الى فتح ذهنها للحوار مع الحركات المسلحة على أن يكون حوارًا حقيقياً حيث اعتبر إن الحكومة لم يسبق لها أن حاورت حواراً حقيقياً بل من فلسفتها تجزئة الحركات وتشرذمها والذي لايعد حلاً للإشكال خاتماً حديثه بأن السلام الدافوري الحالي سلام هش وقد لايستمر طويلاً. عدم مساهمة الدولة ويقول الأستاذ عبد الله آدم خاطر الصحفي المتخصص في قضايا دارفور إن هناك انتقاداً كبيراً من الدول الغربية للحكومة السودانية في أن تلك الدول تعمل في دارفور والتي ترى أن الحكومة لم تساهم بشيء في تنمية الإقليم وأضاف أن هناك جدلاً كبيراً في مساهمة الحكومة في إعادة إعمار دارفور بجانب تماطلها في وضع ميزانية لتنمية الإقليم في صندوق تنمية وإعادة إعمار دارفور حيث وضعت حوالى 736 ألف جنيه بعد ضغط كبير من المجتمع الدولي وبموجبه بدأ الصندوق في مشروعات المجموعة الأولى والتطبيقات تمضي الآن حتى تنفذ في الوقت القريب واعتبر خاطر أن العملية التنموية تشبه إلى حد كبير العملية السلمية وهي عملية مستمرة و لاتتوقف مضيفاً أن الخطة الآنيه لتنمية دارفور هي خطة قائمة على البناء من القاعدة الى القمة أي أنها تبدأ من المحليات. ويرى خاطر أنها تتطلب أجهزة إعلام محلية للتواصل الإعلامي بين شعب دارفور والاجهزة العاملة في مجال التنمية لمناقشة احتياجات المنطقة وتقييم التجربة التنموية وتطوير القاعدة الاجتماعية الاقتصادية لذلك لا بد من قاعدة اجتماعية اقتصادية تنموية. تشكيك في النوايا وأضاف خاطر أن المبالغ التي وضعتها الدولة في شكل ضمانات بنكية فقط مضيفاً أن المجتمع الدولي ما زال متشككاً في نوايا الدولة من ذهاب تلك الأموال التي سوف تأتي للتنمية ربما قد تصرف في الأمن أو في شراء الأسلحة لذلك نجده متحفظاً بشكل كبير جدًا حول التعاون المباشر مع الحكومة والتي من جانبها تعمل على تجفيف القواعد من المنظمات الدولية ولأسباب وصفها خاطر بالواهية. تنوع التحديات واعتبر خاطر أن هناك تحديات متنوعة تواجه العملية التنموية بالإقليم أهمها انهاء النزاع بين الحكومة والحركات المسلحة بالتفاوض واعتبرها من أكبر التحديات التي تعيق عملية الإعمار وأضاف أن هناك تحديات أخرى منها سياسات الحكومة الاتحادية تجاه الأقاليم عموماً ودارفور خصوصاً؛ لأن الإقليم الدارفوري مازال من أكثر الأقاليم تدنياً في الخدمات مع عدم وجود فرص تدريب لأبناء دارفور في مجال التنمية سواء كان ذلك في الداخل أو الخارج أو على المستوى المحلي فضلاً عن انعدام البيئة الاستثمارية بالولايات الغربية على الرغم من تعاظم الموارد البشرية الطبيعية سواء كانت زراعية أو حيوانية ودعا خاطر الى بناء بيئة استثمارية صلبة نسبة لأهميتها في فتح الأسواق، وعلى ذات الصعيد قال آدم خاطر إن تصميم الحكومة الحالي هو نفسه الذي فرضه الاستعمار حيث كان وما زال الإقليم معزولاً سياسياً وثقافياً كما أنه كان محاصراً أمنياً وإدارياً فهذه السياسات ما زالت قائمة مع اختلاف الأشكال والأساليب بجانب عدم وجود مبادرات تنموية بالإقليم وهذا الأمر الذي فطنت له وثيقة الدوحة والتي حاولت الخروج منه، ولا يمكن إعمار المنطقة إلا بمشاركة أبناء دارفور أنفسهم في السلطة الاتحادية وفي صنع السياسات المستقبلية للسودان والإقليم. حاجة ماسة وبيَّن الأمين العام لصندوق تنمية وإعادة إعمار دارفور هاشم حماد الذي أوضح في بداية حديثه ل «الإنتباهة» عن البعثة المشتركة لاحتياجات دارفور الممثلة من السلطة الإقليمية وحكومة السودان والأمم المتحدة والمعونة الأمريكية بكل منظماتها بجانب البنك الدولي وغيرها من البعثات الأممية العاملة بالسودان حيث قاموا بجولة في كل ولايات دارفور وتم من خلال ذلك تحديد حاجة دارفور من المياه الصحة التعليم ومحور الزراعة والثروة الحيوانية محور المالية العامة والعودة الطوعية بناءً على ذلك تم وضع التكلفة المالية التي رفعت لمؤتمر المانحين وتم التبرع بناءً على تقرير البعثة المشتركة، وأضاف هاشم أن دارفور في حاجة ماسة لكل المجالات لا سيما البنى التحتية ومشروعات الخدمات الأساسية المتمثلة في التعليم والصحة والتي تحتاج إلى (177) مليون جنيه كحاجه آنية فعلية حتى يتم تشييد وإعادة تأهيل للمرافق المتعلقة بالصحة والتعليم والمياه والتي التزمت بها حكومة قطر، وأضاف حماد أنه وقبل مؤتمر المانحين ليس هناك مشروعات تنموية تذكر. مبيناً أن الحكومة السودانية من المفترض أن تلتزم بملبغ 2 مليار ولكنها لم تلتزم بالمواعيد المحددة للدفع فقط التزمت بخطابات ضمان ب 800 مليون جنيه وهو عبارة عن مبلغ قاعدي. واعتبر هاشم أن العام السابق عام الإعداد للمشروعات، أما العام الجاري هو عام تنفيذ المشروعات الذي سيشهد فيه الإنسان الدارفوري مشروعات على أرض الواقع. تبديد مخاوف وأن أموال التبرعات في المؤتمر الأخير سوف تأتي عبر نوافذ عديدة تم اعتمادها في المؤتمر لتذليل مخاوف المانحين مثل صندق إعمار دارفور والبنك الدولي والأمم المتحدة وبنك التنمية الإفريقي بالإضافة الى الشراكات الثنائية، وبين أن التزام المانحين هو التزام جزئي ولانستطيع أن نجزم بأنه التزام كامل إلا أنه عاد وقال إن هناك التزاماً وحيداً من الاتحاد الاروبي لعمل سد بولاية شمال دارفور، أما بقية الدول يحتاجون إلى رؤية مشروعات على أرض من قبل السلطة الإقليمية حتى يتم دفع ما عليهم، وأقرّ حماد بالتأخير من قبلهم نسبة لوضع بعض الترتيبات وإعداد المشروعات. واعتبر أن الوضع الأمني الذي يقلق المساهمين من مسؤولة الدولة وولاة الولايات والسلطة الإقليمية، وشدد على ضرورة تهيئة الوضع المناسب للتنمية واعتبر أن هناك مناطق آمنة لديها الإمكانية في تنفيذ المشروعات التي تم إعدادها والتوقيع مع 35 شركة لتنفيذها بمجمل (315) مشروعاً بالتنسيق مع المنظمات القطرية عبر إستراتيجية تنمية دارفور واعتبر أن هذا العام المتبقي من المؤتمر القادم كافي جدًا لتنفيذها. التمييز الإيجابي وأوضح هاشم أن هناك تمييزاً إيجابياً للولايات الوليدة لأنها في حاجة إلى أن تصل إلى مستوى الولايات الأخرى وقال حماد في نهاية مع الصحيفة أن التنمية هي مفتاح الأمن والاستقرار بالإقليم وبوجودها يرتفع المستوى المعيشي للمواطن في كل المجالات معتبرًا ما يحدث في دارفور مسألة سياسية ومسألة عدم توازن في مجال التنمية. من المحررة نرى أن الحكومة تتعمد ربط التنمية بانعدام الأمن في المنطقة بالرغم من أن عواصم تلك الولايات آمنة وكذلك المدن الكبرى وبالرغم من ذلك نجد أن هناك انهياراً تاماً في الخدمات لاسيما المرافق الصحية والتعليمية والطرق الداخلية وكذلك المطارات وانعدام مصادر المياه، إذ نجد الأهالي في ضواحي المدن يلهثون وراء المياه والتي يمكن أن يستغرق مسيرة يوم أو أكثر لجلبه فهناك إمكانية لتوفير بعض من الخدمات الأمنية لاسيما وأن أكثر النزاعات نجدها في المناطق الحدودية والنائية.