أبدى لي أخ كريم ملاحظة فيما أكتب يوم الجمعة قائلاً: «أراك قد استغرقت في كتابات دينية على غير المعهود عنك. وهذه كتابة لا تشبهك». الواقع إنني أنا الذي لا أشبهها. فمهما كانت كتاباتنا فهي محدودة ومهما كان مستوى التقوى عندنا فهي محدودة، ولذلك فالله سبحانه وتعالى يقول: «فاتقوا الله ما استطعتم»، وقال لنا: «لا يكلف الله نفساً إلا وسعها» فإذا كانت التقوى نفسها بالاستطاعة فهي محدودة بقدراتنا وفهمنا البشري واجتهاداتنا أن نؤديها بحقها ولهذا علمنا الله سبحانه وتعالى أن نقول: «ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به» البقرة: «286» إذاً فما أكتبه أنا الذي لا أشبهه وليس العكس. على أن الذي دفعني لكتابة ما أكتب، ذلك المفهوم الخاطئ عن مواصفات رجل الدين.. ذلك الرجل الذي اخترعه فهمنا القاصر للدين نفسه، فليس في الإسلام ما يسمى رجل الدين فكل مسلم عاقل يقرأ ويكتب عليه أن يكون متفقهاً في دينه، وقد تضرر الإسلام كثيراً من إسنادنا لبعض الناس أو فئة من الناس مهمة فهم النصوص وتفسيرها. وعليه فعلى غير هؤلاء ألا يفتوا أو يتكلموا في أمور الدين بينما المنهيون عن ذلك فقط هم الذين «بغير علم» فماذا عن الذين هم «بعلم»؟ وما منع الناس أن يكونوا بعلم؟ وعندما يقول الله سبحانه وتعالى «إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب «190» الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار» آل عمران: «191». والافتراض أن كل من يستعمل عقله هو من أولي الألباب. ولا تخصيص لرجال الدين كما نسميهم أنهم هم المعنيون بهذه الآية. وحتى عندما يأتي الموضوع للتأويل اختص الله به نفسه فهو يقول: «وما يعلم تأويله إلا الله » أما الراسخون في العلم فأقصى ما يمكن أن يساهموا به في مسألة التأويل أن يقولوا «آمنا به كل من عند ربنا» لقد ترك العلماء في كثير من التخصصات ما جاء في كتاب الله من إشارات كان من الممكن أن يكون إسهامهم فيها بالغ الأهمية للتراث العلمي الإنساني، تركوها لأن العقل المسيطر كان يفرض عليهم ألا يخوضوا في هذه الأمور لأنهم ليسوا رجال دين بينما ما نسميهم رجال الدين لم يرتفعوا لمستوى النصوص القرآنية. فمثلاً ورد في سورة الذاريات: «والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون «47». «لقد ظلت هذه الحقيقة الكونية كامنة في كتاب الله سبحانه وتعالى أكثر من أربعة عشرة قرناً من الزمان لم يلتفت إليها أحد من علمائنا المسلمين يقرأونها ويمرون عليها حتى بيّن حقيقتها عالم الفيزياء الإنجليزي استيفان هوكنجز قبل سنوات وفجر اكتشافه أن هذا الكون متمدد وأن ما يسمى الثقب الأسود هو صائد النجوم الذي يشفط النجوم والأجرام والسديم السماوي ويصنع منه مجرات من الناحية الأخرى، وإن هذا الكون متمدد ومتسع. ولا حدود لاتساعه «وإنا لموسعون». وباب الاجتهاد مفتوح وفيه متسع لكل من يستعمل عقله وبصيرته ويتأمل ويتفكر ويتدبر كما أمره الله. ولم يسم الله نفراً بعينهم ويختصهم بالتدبر والتفكر والتعقل. بل كل مسلم عاقل عليه أن يتفقه في أمور دينه. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا أراد الله بأمرءٍ خيراً فقهه في الدين». ولا أحد أراد أن يتفقه في أمور دينه رده الله ولم يقدر له سبل التعلم. اللهم نسألك باسمك الأعظم الذي إذا سئلت به أجبت، أن تجعلنا ممن يقرأون القرآن فيتدبرون معانيه، ولا تجعلنا كالحمير نحمل أسفاراً ولا تجعل على قلوبنا أقفالاً بل فقهنا في ديننا وافتح بصيرتنا واجعلنا ذرات في معمار كونك نسبح بحمدك ونقدس لك، وحولنا إلى طاقة إيجابية تعمل لإصلاح أرضك ولا تفسد فيها. واصلح لنا نفوسنا وآتها تقواها وزكها فإنك خير من يزكيها واجعلنا ممن يسبحون في ملكوتك وحول عرشك، واصرف عنا من الشر فوق ما نحذر وقدر لنا من الخير فوق ما نرجو، وصل على نبينا وحبيبنا وقرة أعيننا مولانا وسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وشفعه فينا في هذه الجمعة المباركة وكل يوم وكل ساعة.