أوكرانيا تطلب مساعدات عسكرية من حلف الناتو كي يتسنى لها مواجهة الانفصاليين الموالين لموسكو شرقي أوكرانيا. هذا الطلب إن دل فإنما يدل على عجز السلطات الأوكرانية على مواجهة ثورة شعبية داخل أراضيها. فبدلاً من التفاوض تطلب الدعم العسكري من الخارج ومن حلف الناتو بالذات، وهذا يؤدي إلى تدويل النزاع الذي بدوره يقود إلى وضع يهدد العالم وأمنه على المدى المنظور!. وتأكيداً لتدويل النزاع الأوكراني فإن الأمين العام لحلف الناتو أعلن عن أن الحلف سيوافق على تشكيل قوة للتدخل السريع قوامها عدة آلاف من الجنود لحماية الدول الأعضاء شرقي أوروبا ضد أي عدوان روسي محتمل، وتتم تعبئة هذه القوة خلال ثمان وأربعين ساعة، ومن المحتمل الموافقة على إنشاء هذه القوة في قمة الناتو التي تنعقد في ويلز هذه الأيام!. ومن المعروف أن الولاياتالمتحدة دائماً ما تبني سياساتها الخارجية على افتراضات ثم تقوم بتصديق هذه الافتراضات، باعتبارها أمراً واقعاً وتوهم حلفاءها بخطر يتهددهم فينجرون نحو تصديق ما تزعم الولاياتالمتحدة، وتهيمن على أفكارهم الفوبيا الروسية التي يصورونها وكأنها هي الخطر الأوحد عليهم، في حين أن الخطر الحقيقي تمثله الولاياتالمتحدة على دول شرق أوروبا وغربها. وتشكيل قوة من حلف الناتو له أثر سلبي على جيوش تلك الدول، حيث سيكون الاهتمام بهذه القوة أكبر بكثير من الاهتمام بالجيوش الوطنية، فهذه الدول إن أخذناها دولة دولة نجد أنها دول فقيرة بالنسبة لدول أوروبا الغربية، ولنضرب مثالاً بدول البلطيق مثلاً أو بولندا أو ملدوفا أو بلغاريا وتشيكيا وجورجيا هذه الدول اقتصادياً لا تستطيع الصرف على جيوشها وعلى جيش الناتو المكون من هذه الدول، الأمر الذي يقود إلى اعتمادها على جيوش أجنبية لحماية أراضيها، وأن أي دولة من هذه الدول ستصرف على قوة الناتو أضعاف أضعاف ما كان يمكن أن تصرفه على جيوشها هي. ثم إن العقيدة العسكرية لأي جيش وطني تختلف تماماً عن العقيدة العسكرية لتلك القوة التي ينوي الناتو تشكيلها، وما هي الأسباب التي تدفع الجندي الملدوفي مثلاً للحرب دفاعاً عن بولندا أو أوكرانيا؟!. وهذه القوة لم تعد أساساً للدفاع عن أية دولة من الدول المعنية بقدر ما أعدت لتحقيق المطامع الأمريكية اعتماداً على اقتصاد تلك الدول الفقيرة، والتي ستقوم بدفع كافة تكاليف هذه القوة، وأستطيع أن أقول وأجزم أن جندياً أمريكياً واحداً لن يكون ضمن هذه القوة، إلا في القيادة العليا التي لا تحارب في العادة!. وما جعلني أقول هذا ما يحدث الآن في العراق، حيث أعلنت أمريكا عن مساعدة كردستان في مواجهة داعش ثم عادت وأعلنت عن تشكيل قوة دولية من دول المنطقة لتواجه خطر داعش، ولعل تراجع أمريكا عن تهديدها لقوات داعش كان مرده ذبح الصحفيين الأمريكيين بواسطة داعش، وهذا الأمر جعل أمريكا تتنصل عن تعهداتها فهي تخشى أن يتكرر هذا مع أسرى أمريكيين محتمل أن تأسرهم داعش!. وإن أسر جندي أمريكي يثير الرأي العام الأمريكي ضد البيت الأبيض لذلك تتفادى أمريكا الزج بجنودها في أية معركة سواء كانت في الشرق الأوسط أو في أي مكان آخر، ومهمة أمريكا هي إرعاب دول شرق أوروبا من خطر الدب الروسي كما يسمون روسيا. وبعكس ذلك نجد أن روسيا تسعى للتعايش السلمي مع دول جوارها لأن أية اضطرابات في دول الجوار تهدد أول ما تهدد الأمن الروسي في المقام الأول اقتصادياً وعسكرياً، وإن آخر ما تتمناه روسيا هو زعزعة الأمن في دول جوارها، فعلى أقل تقدير عبر دول جوارها وخاصة أوكرانيا تمر الصادرات البترولية والغاز والذي تعتمد عليه أوروبا الغربية اعتماداً شبه كلي إن لم يكن كلياً، وهنا تكون خسارة أوروبا الغربية أضخم من خسارة روسيا التي سرعان ما تجد في أسواق الصين والهند وما يستوعب ما تستهلكه أوروبا الغربية، خاصة بعد تكوين مجموعة بريكس التي تضم البرازيلوروسياوالصين وجنوب أفريقيا والهند، حيث سيكون التعامل بين هذه الدول بعملاتها المحلية، وكل هذه الدول ناهضة اقتصادياً وصناعياً ويمكنها تطوير صناعتها التي يمثل البترول والموارد الطبيعية دعماً حقيقياً لها، ولا ننسى أن روسيا تحتل المركز الأول في العالم من حيث الموارد الطبيعية وتقدر نسبتها بأربعين في المائة من الموارد الطبيعية العالمية!. هذه الإمكانيات من حيث الموارد والطاقة تؤهل هذه المجموعة بجانب المعرفة العلمية والتكنولوجية إلى ظهور اقتصاد عالمي حقيقي يغير مجرى الاقتصادي العالمي المبني على أساس من «قش»، والذي عانى كل العالم من أزماته. هذا هو السبب الرئيس الذي جعل أمريكا تتحرش بروسيا مستخدمة في ذلك جيرانها أوكرانيا ودول البلطيق وبولندا وملدوفا وغيرها، فالسيطرة على هذه الدول وإغراقها بالصرف على قوات الناتو يفقر شعوبها الفقيرة أصلاً، وتحدث فيها الاضطرابات الداخلية والتي تزعج روسيا وتهدد أمنها القومي الذي دائماً ما يتهدد من خارج الحدود، ومواطنو هذه الدول في حال حدوث حرب أهلية فيها كما يحدث الآن في أوكرانيا لن يجدوا ملجأً آمناً إلا داخل روسيا، الأمر الذي يرهق روسيا اقتصادياً، واليوم بلغ عدد اللاجئين الأوكرانيين مئات الآلاف إن لم يبلغ الملايين!!. والغريب في الأمر أن الناتو يبيح لنفسه التقدم شرقاً ويهدد ويتوعد روسيا أن تحشد قواتها داخل الحدود الروسية! أي قانون يسمح للناتو التوجه شرقاً نحو روسيا ويمنع روسيا من حشد قواتها على حدودها. الأمر ببساطة يعني ألا تهتم روسيا بأمنها القومي وأن تجعل مواطنيها الذين عاشوا عبر التاريخ يدافعون عن أرضهم وعرضهم ينظرون ببساطة للجيوش الأجنبية وهي تغزو بلادهم، وقد حاولوا من قبل غزو روسيا من الشمال والغرب والشرق وفشلوا في ذلك بشهادة نابليون وهتلر على سبيل المثال لا الحصر!. إن المعادلة مهتزة وفيها المواطن الروسي يدافع عن أرضه وعرضه، فعن ماذا يدافع الجندي الأوكراني والبولندي والتشيكي وغيرهم وبأية عقيدة قتالية يقاتلون؟! روسيا لم تتقدم غرباً ولن تقبل أن تتقدم جيوش الناتو شرقاً، وليست في حاجة إلى أراضي جديدة فلديها من المساحة ما يعادل مساحة أوروبا تقريباً ومن الموارد الطبيعية أضعاف أضعاف ما بأوروبا شرقية كانت أم غربية، وقد ظهر بعد تفكك الاتحاد السوفيتي والمعسكر الشرقي والذي كان الغرب يدعي بأن روسيا تستغل موارده، ظهرت حقيقة أن روسيا كانت تحمل عبء الجمهوريات السوفيتية ومعظم دول أوروبا الشرقية خاصة تلك التي تتحرش بها الآن!. كم من المقترحات الجادة تم طرحها من طرف روسيا لحل الأزمة الأوكرانية جذرياً وقد تم رفضها ابتداءً من اتفاقية فبراير الماضي إلى مقترح اليوم ذي السبعة محاور الذي طرحه الرئيس بوتن ورفضته أوكرانيا بإيعاز من الولاياتالمتحدة وحلف الناتو، وقد وجدوا الحل للأزمة الأوكرانية بفرض العقوبات على روسيا، وكلما فرضوا عقوبات جديدة زادت الأزمة تعقيداً، أي تلاعب بالأمن والسلام العالميين أكثر من هذا!؟. من الخطورة بمكان حشر قط في ركن فما بالك إن حشر في هذا الركن دب؟!. فعلها من قبل نابليون وهتلر وكان ما كان.. ألا يقرأ هؤلاء التاريخ؟!!.