واذا كان ده الحال زي ما انتو شايفين. كيف يكون حالنا سنة الفين وعشرين؟! البتسألو كلو يقول ليك: «جاريين.. جاريين.. جاريين»!! حتى أن حكاية طريفة مشهورة تحكى عن أحد الاثرياء كان له صديق عزيز قد توفي فجأة.. ومع هذه المشغوليات الكثيرة قال أحسن يسرع «يكشح» أهل المرحوم بي فاتحة و «يتخارج» سريع لانو عندو «الف وستمائة شغلة»!!.. بالمناسبة الرقم «الف وستمائة» ده اصبح رقم مشهور.. أي واحد يقول ليك: «والله عندي الف وستمائة شغلة» .. المهم صاحبنا ركب عربيتو ووصل «بيت الفراش» ثم ترك المرسيدس الفارهة «مدورة».. ونزل على عجل ورفع الفاتحة للحضور بالخيمة: «الفاتحة.. الفاتحة.. الفاتحة يا جماعة».. تحرك اهل المرحوم نحوه ورفعوا معاهو الفاتحة، بعدها جلس في أقرب كرسي أمامه.. والموبايل بيده اليسرى وجلس على يمينه ابن المرحوم وعلى يساره شقيق المرحوم.. وكان الرجل يبدو عليه الاستعجال لأنه كان يحرك رجليه وهو جالس إلى أعلى وأسفل كانه ترزي. وبعد أن وضع احد الصبية امامه كباية موية وكباية شاي.. شفط« بقة واحدة من الموية، ثم انتفض واقفاً و «كشح» الرجلين اهل المرحوم بفاتحة الوداع قائلاً: «الفاتحة يا احمد يا ابني.. احسن الله عزاءكم.. والله انا جاري.. عندي فاتحتين تاني، واحدة في العرضة، وواحدة في السجانة.. وواحد قريباً لينا راقد في مستشفى «رويال كير» في الانعاش قالوا «كضم» فجأة ما عارفين السبب شنو حالتو خطرة، فيها احصلوا، وفيها ما احصلو.. وراجع بعد داك بسرعة البيت أودي زوجتي المطار مسافرة عشان تولد بتها في ابو ظبي، وقبل ده كلو لازم اغشى المصنع بسرعة عشان أذكر «لؤي» ابني الماسك المصنع انو ناس المواصفات الليلة في احتمال يسجلوا لينا زيارة.. وإيييييك الراس مليان يا احمد يا ابني.. ابوكم راجل عزيز علينا وكان صديق العمر.. ربنا يتغمده بي رحمته، ويلزمكم الصبر. ثم التفت صاحبنا إلى شقيق المرحوم قائلاً: «وانت يا عبد العزيز يا اخوي.. ابقى عشرة على اولاد اخوك.. أها.. اقول ليكم مع السلامة». وقبل أن يغادر الرجل الخيمة كان عبد العزيز ممسكاً بيده حينما صافحه للوداع، فقال عبد العزيز: «يا عبد الله يا اخوي.. كدي في وصية ليك من صاحبك المرحوم حسن.. كدي روق شوية واقعد أسمعنا». جلس الرجل مرة أخرى على الكرسي في شغف واضح إلى سماع وصية المرحوم.. فقال له عبد العزيز: «اولا يا حاج عبد الله نقول ليك شكر الله سعيك.. وان شاء الله نجيك في ساعة خير، ثانياً صاحبك المرحوم حسن لغاية امبارح قبل صلاة العشاء كان في صحة جيدة وكنا قاعدين مع بعض وكان بحكي لي قال لي: «باكر الصباح.. وهو «يوم الليلة»، قال لي: «عندي عشرة حاجات باكر داير اقضيها والزمن ضيق شديد».. ومن ضمن الحاجات الكان داير يقضيها قال لي: «والله انا مشتاق شديد لي عبد الله صاحبي انا متلوم معاهو ومشتهين ونستو الحلوة.. دحين يا عبد العزيز يا اخوي تعال لي بي عربيتك باكر، ان شاء الله نقضي لينا شغلتين بس ونزور صاحبي عبد الله في البيت.. هي الدنيا دي فيها شنو يا اخوي غير المودة والزيارات قالوا هي البتطول العمر». وأضاف عبد العزيز وهو يكلم عبد الله صديق المرحوم: «اها يا حاج عبد الله اظنك ما تصدق كلامي ده.. فجأة حسيت بان اخوي حسن جاتو حالة غريبة و «كضم» زي صاحبك الإنت ماشي تزورو في «رويال كير».. وقبل أن نوصل حسن المستشفى توفي لرحمة مولاه». بعد هذه العبارات من عبد العزيز.. خلع حاج عبد الله عمامته ووضعها في كرسي شاغر مجاور وخلع مركوبه «الأصلة» وقال لأحد الصبية: «يا جنا.. جيب لي الإبريق عشان اتوضأ الضهر قرب يفوتني.. قلت كدي يا عبد العزيز يا اخوي.. انا الليلة قاعد معاكم للمغرب. انتوا بترفعوا الفراش الليلة؟.. اجابه عبد العزيز: إن شاء الله، قال عبد الله: الدنيا طايرة في السماء ماااا بتتلحق.الله يرحمك يا حسن اخوي». هذه الدراما هي من يوميات حياتنا المعاصرة لكن السؤال: ما هي اسباب المشغوليات الكثيرة ... لماذا كل الناس جاريين جاريين؟ الأب والأم والولد والبنت، الصغير والكبير، الغني والفقير ؟!! يقول العارفون ببواطن الأمور ان الاسباب هي: أولاً: التصاعد الجنوني في وتيرة «مستوى المعيشة»، يعني ما كان يعرف بالترف والكماليات أصبح ضروريات، مثل الموبايلات والموبايلات تطورت كما تعلمون وأصبح داخل كل بيت عدة اجهزة متطورة أخرى، واصبحت كل اسرة تسرع لمسابقة الاخرى في هذا المجال.. الخ. ثانياً: تفرق الأهل «أيدي سبأ» في السكن، فأصبح فصيل كبير من الاهل يسكنون بعيداً واحدين في الخرطوم وآخرين في امتداد بحري وآخرين في امتداد ام درمان وهلم جرا. ثالثاً: اصبحت الدراسة الجامعية فرض عين وحتى هي غير مجدية للحصول على العمل، فتنافس الشباب على دراسات أعلى وكورسات متخصصة، وبعد كل هذا ضاقت فرص العمل واصبح حملة الشهادات العليا سائقي ركشات. رابعاً: كل ذلك ترك اعباءً على كاهل رب الاسرة، فزاد من ساعات العمل الاضافي على حساب الزمن، بل ان جميع افراد الاسرة اصبحوا عاملين جاريين جاريين جاريين وما محصلين!! خامساً: ادى ارتفاع الاسعار الجنوني اضافة لتكاليف ضروريات الحياة الأخرى من مسكن وتعليم ومواصلات وغيره إلى ضرورة البحث عن زيادة الدخل، فرفع ذلك من زيادة سرعة الجري من 40 كلم/ الساعة إلى 120/كلم في الساعة ولن نتوقف لأن العالم كل يوم يتسارع. سادساً: الغزو الفكري والثقافي والهجمة الشرسة من الفضائيات والانترنت والواتساب وغيرها جعل العالم قرية صغيرة، فتغيرت المفاهيم والثقافات وتوسعت دائرة الجري.. وبالتالي اضعف ذلك من قيم البحث عن حقائق السعادة المتمثلة في الرضاء بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل، واصبحت كلمات القناعة والزهد والصفاء وغيرها فقط في كتب التاريخ. لكن كل أنواع التسارع والجري هذا يعتبر جرياً وراء سراب بقيعة يحسبه الضمآن ماءً.. ما عدا تسارع واحد حميد يقود صاحبه إلى السعادة الابدية، هو ما ذكره الله في القرآن الكريم بقوله «وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والارض اعدت للمتقين».