كم من صاحب بقالة أو كافتيريا أومطعم أو صائغ أونجار أوحداد يفكر في إغلاق محله عندما يؤذن المؤذن للصلاة ؟ بالطبع فإن أعداداً قليلة جداً هي التي تفعل ذلك، بل حتى المحلات التي تجاور المسجد تظل مفتوحة تستقبل الزبائن بينما الصلاة تقام، لكن هذه الغفلة تبدو أكثر غرابة عندما نشاهد باعة الرصيف والخضار والمشروبات الباردة في الأسواق يمارسون أعمالهم التجارية حتى في نهار الجمعة بعد الأذان والخطبة تكون مستمرة رغم نهي الآية المحكمة «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأرض وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» والمعروف أن النهي كما يقول المفسرون يشمل البائع والمشتري أيضاً لأن الآية أشارت إلى البيع على إطلاقه، بيد أن الغرابة وقسوة القلب تمتد خارج الحدود أيضاً فهناك حتى في الأرض المقدسة من يستجيب للتعليمات الرسمية فيغلق محله التجاري لكنه يتخندق بالداخل بعد أن يسدل الستارة على المحل هرباً من صلاة الجماعة، وبعضهم يجاور الكعبة المشرفة والحرم المكي لكنه لا يصلي، لكن الدهشة تنعقد عندما نعلم أن أكثر من ألفي نشال من بعض البلدان الإسلامية يشدون الرحال إلى مكةالمكرمة لممارسة مهنة النشل، حتى أن دولة واحدة منعت ألفين منهم من السفر بعد أن وقفت على سيرتهم الذاتية وتوثقت من نواياهم الشريرة، هذا بالطبع خلافاً لبعض الممارسات غير الكريمة في تلك الأماكن الطاهرة التي تلين القلوب وتدر الدموع قسراً من أكثر الغافلين غفلة، لكن الشيطان عندما ينداح في الدواخل فإن المرء يفقد بوصلة الإرادة السليمة وقيادة الضمير الحي، وبالطبع فإن الكثير أيضاً من قطاعات المجتمع تقّصر في صلاة الجماعة فحتى نحن الصحافيون كثيراً ما نستغرق في كتابة تحقيق صحفي أو تقرير أو مقال حتى يكاد الوقت الضروري للصلاة أن يودع ونحن داخل مكاتبنا يسرقنا الوقت فنهرع إليها منزعجين وعلى عجل، وقبل سنوات شاهدت طبيباً اختصاصياً معروفاً يوقف العمل في عيادته ويذهب للصلاة الجماعة في المسجد وتساءلت في نفسي كم من طبيب يفعل مثله والمسجد غير بعيد من عيادته؟ وبالطبع من الأشياء الطيبة انتشار المساجد داخل مرافق العمل المختلفة وهو أمر يشجع تاركي الصلاة على ارتيادها ولو كان من باب الخجل في البدء، لكن سرعان ما تبقى بعد ذلك واجباً يمليه الداوخل، ولا شك أن من المحزن أن يمر المرء في صلاة الفجر ويجد صاحب متجر مجاور للمسجد أو دكان غسيل أومتجر يتمدد صاحبه في سريره مستغرقاً في نومه بينما يمر المصلون من أمام متجره متوجهين في الغسق للصلاة . علينا نسأل أنفسنا جميعاً كم عدد المرات التي أهدرنا فيها الدرجات الكاملة للجماعة، إما بسبب العمل أو بسبب الاستغراق في السمر مع أصدقائنا أوضيوفنا أو للحاق بصفقة كان يمكن استقطاع دقائق منها، لكن الشيطان دائماً ما يبرز فيزين لنا أخطاءنا ويعمل على تخذيلنا من الخير، كذلك علينا أن نسأل أنفسنا كم مرة ختمنا فيها القرآن أوحتى عدة أجزاء قليلة منه بشكل منتظم، و كم مرة التي أغوانا فيه الشيطان وحال بيننا وصلاة النوافل بحجج متعددة، تارة لضيق الوقت أو للحاق بعمل دنيوي مع أننا ننفق أضعاف هذا الوقت هدراً في السمر مع الأصدقاء وفي قراءة صحيفة أو تصفح الإنترنت ومشاهدة مسلسل تلفزيوني مثير، وقيل إن الرسول صلى الله عيه وسلم مر يوماً بقبر فقال لأصحابه«إن صاحب هذا القبر تنقصه ركعتان» فما أحوجنا أن نزيد رصيدنا من الثواب بأداء صلاة الجماعة و الإكثار من النوافل وعمل الخيرات، إنه الرصيد الرابح يوم القيامة حيث لا تنفع أرصدة الدنيا المليارية أوالبورصات العالمية أوالفلل الفاخرة وسيارات الهمر أو سلطان الدنيا بكل صولجانه وخيله وعتاده وزبانيته الأشداء، اللهم نعوذ بك من الغفلة وقسوة القلب وغباشة البصيرة وحب الدنيا وكراهية الموت آمين.