قبل أيام قليلة منصرمة نشرت صحيفة «التغيير» ما ذكرت أنه ورد في مذكرة أعدها زعيم حزب الأمة وكيان الأنصار رئيس الوزراء السابق السيد الصادق المهدي حول محاولات التسوية المستمرة والمتواصلة التي جرت بينه وبين السلطة الحاكمة الراهنة منذ وصولها إلى سدة مقاليد الحكم في العام 1989م، لكنها ظلت مجرد محاولات متعذرة ومتعثرة حتى الآن. وكما ورد في المذكرة المشار إليها، فقد أعرب المهدي عن اعتقاده بأنه يرى أن إقدامه على القيام بإبرام ما يسمى ب «إعلان باريس» مع قوى المناهضة المسلحة المتمردة على الدولة والمتحالفة مع ما يسمى الجبهة الثورية، وذلك بعد أن تخلى عن الاستمرار في الحوار الوطني الداخلي الجاري في الوقت الحالي استجابة لدعوة من السيد رئيس الجمهورية ورئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم المشير عمر البشير، قد أفضى أي ما يسمى (إعلان باريس) إلى إحداث تعديل وتغيير جذري وجوهري في موازين القوى بين المعارضة والسلطة القائمة. وبناء على مثل هذه الرؤية أطلق المهدي، في المذكرة المشار إليها، تحذيرات قاطعة وصارمة دعا فيها السلطة الراهنة إما إلى الاستجابة الراضخة والخاضعة لمثل هذه التعديل الذي يرى أنه قد جرى في موازين القوى بناء على إبرامها لإعلان باريس مع ما يسمى الجبهة الثورية المتمردة في مناهضة مسلحة للدولة، أو أن الذي سيحدث بالنسبة لهذه السلطة، كما يرى، هو أن مصيرها سيكون هو أن الإطاحة بها قد صارت قاب قوسين أو أدنى بناء على مثل هذا التعديل والتغيير الجذري والجوهري لموازين القوى إذا لم تعترف به وتخضع وترضخ وتركع في الاستجابة له. وفي سياق ذات الإطار لما يرى، فقد كرر المهدي ما ذهب إليه على النحو المشار إليه أعلاه، وذلك في حوار المواكبة المتعمقة مع الحدث الذي أجراه معه كالعادة الصحفي المتميز الأستاذ فتح الرحمن شبارقة، ودار حول ما حدث في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا خلال الأيام القليلة الماضية، وتمثل في إبرام كل من ممثلي لجنة الحوار الوطني الداخلي وما يسمى مجموعة باريس التي تضم المهدي والجبهة الثورية لاتفاق على مبادئ محددة تم التوصل إليها مع الوساطة الرفيعة المستوى الممثلة للاتحاد الإفريقي التي يرأسها رئيس جنوب إفريقيا السابق ثامبو أمبيكي. حيث أصر المهدي في رده على سؤال ذكي وجهه له شبارقة على أن تجربته السابقة لتعديل ميزان القوى عندما وافق على المشاركة الفاعلة في تحالف المعارضة مع الحركة الشعبية بقيادة زعيمها ومصممها ومرشدها الراحل د. جون قرنق، وذلك على النحو الذي أفضى حينها إلى إبرام ما كان يسمى اتفاق أسمرا حول القضايا السودانية المصيرية عام 1995م، وما ترتب على ذلك من موافقة المعارضة على المشاركة في المناهضة المسلحة المتمردة على الدولة على النحو الذي كانت تقوم به الحركة الشعبية آنذاك، لم تكن تجربة خاطئة وفاشلة، وإنما كان الذي أدى إلى التأثير السلبي عليها هو أن ما يسمى المجتمع الدولي قد انحاز للتسوية الثنائية بين السلطة الحاكمة القائمة والحركة الشعبية المتمردة في مناهضة مسلحة لها بمعزل عن حلفائها من القوى الأخرى في المعارضة. ورغم أن المهدي سعى في حواره مع شبارقة إلى أن يؤكد أنه مطمئن هذه المرة ولديه ثقة واتفاق جنتلمان كما ذكر مع الجبهة الثورية المتمردة في مناهضة مسلحة للدولة، وذلك على النحو الذي يجعله متأكداً من أن الجبهة الثورية وفصائلها المتمردة والمسلحة لن تخذله مرة أخرى، وتتركه يزازي في الخلاء كما ذكر سابقاً، وتهرع إلى الموافقة على المشاركة المنفردة من جانبها في إجراء مفاوضات ذات طابع ثنائي بين فصائلها والسلطة الحاكمة الراهنة بدعم ومؤازرة ومساندة كذلك، ويحرضها عليها من جانب ما يسمى المجتمع الدولي مثلما حدث وجرى فعله من قبل الحركة الشعبية في التجربة السابقة التي استفادت فيها حينها من قوى المعارضة الأخرى التي تحالفت معها آنذاك وساهمت بذلك في إحداث تعديل لميزان القوى بالفعل، ولكن لصالح الحركة الشعبية وليس لصالح تلك القوى كما ثبت بالتجربة إذا كانت هناك رغبة في استخلاص العبر والدروس المستفادة منها من جانب كل من السلطة الحاكمة القائمة والقوى الوطنية الممثلة للمعارضة السياسية والمدنية والسلمية.. فهل يتعظ المهدي وتتعظ الحكومة أيضاً ًأم أن ريمها ستبقى على قديمها ولا جديد لديها.. سنرى وتكون لنا عودة.