شكَّلت إسرائيل ولا تزال خطرًا وتهديدًا إستراتيجيًا للسودان وهذا ما تجلّى في تدخلاتها ضد أي نظام وذلك عبر عدة سبل منها خلق الفتن السياسية عن طريق تأليب الدول الغربية لفرض العقوبات على السودان.. السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا السودان وإيران تحديدًا؟ ما هي الدوافع والأسباب؟ أما زالت إسرائيل تحلم بفرض نفوذها المزعوم «من الفرات إلى النيل» أم أن هناك التزام إسرائيلي لدولة الجنوب والدول الإفريقية المجاورة الصديقة بفرض التجسس على السودان الشمالي؟ ما هي الحيثيات والأسباب التي أدت إلى مصادقة سلاح الجو الإسرائيلي على بدء العمل لتشغيل أضخم طائرة بدون طيار «إيتان» لتنفيذ مهام استخبارية فوق السودان وإيران، وأكدت المصادر أن سلاح الجو الصهيوني أنهى توصياته لتقديم المستوى المهني بجاهزية الطائرة للعمل وأنه تم تسليم قاعدة «تل نوف» عدة طائرات منها وسيكون مجال عملها في ساحات الدائرة الثالثة التي تضم إيران والسودان، حيث أوضحت المصادر أنها ستقوم بمهمات استخبارية معقدة ومركبة وفي ظروف قاسية كونها قادرة على حمل شحنات مختلفة ومتنوعة وتوفر صورة وضع شامل للساحات القتالية الحساسة، وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية إن الطائرة قادرة على التحليق دون كشفها من الأرض رغم حجمها الكبير، كما أنها قادرة على التحليق لمدة 20 ساعة متواصلة بسرعة 143عقدة وتزن «5» أطنان في حين تصل حمولتها القصوى إلى ألف كيلوغرام.. محافل سياسية إسرائيلية قالت إن إسرائيل تؤسس حزامًا ضد الحركات الإسلامية في إفريقيا خاصة الإخوان المسلمين الذين أصبحوا حاليًا في أعقاب الثورات العربية في مراكز السلطة.. بالمقابل أبدت محافل سياسية صهيونية ارتياحها لمطلب رئيس الوزاء الكيني رايلا أودينغا من تل أبيب بمساعدة بلاده على تحسين قدراتها لمواجهة المنظمات الإسلامية المسلحة المرتبطة بتنظيم القاعدة، واعتبرت المحافل ذلك مقدِّمة لأن تؤسس إسرائيل محورًا معاديًا للإسلام الأصولي مع دول شرق إفريقيا لا سيما إثيوبيا وكينيا وتنزانيا وأخيرًا جنوب السودان. ويتضاعف عداء إسرائيل الثابت للسودان وغلافه الإقليمي بمشاريع دول الاستعمار الغربي في المنطقة إضافة إلى تمزيق وحدة السودان وزعزعة أمنه.. والجدير بالذكر أن هناك مخاطر ومهدِّدات أمنية ستنجم من تلك الخطوة التجسسية وفق ما يراه الخبير الأمني اللواء محمد العباس الأمين الذي قال: نحن في حالة حرب دائمة مع إسرائيل منذ عام 1948م أي منذ احتلال اليهود لفلسطين إلى يومنا هذا، ويأتي عداؤهم لنا من منطلق الكراهية ووقوف السودان بجانب فلسطين في حربهم عام «48، 56، 67، 73» وكان من دول المواجهة مع مصر ضد إسرائيل في القناة.. وبالتالي يعد من الدول القليلة جدًا التي لم تطبع مع إسرائيل حتى الآن، لذا العمل العدائي من قِبل إسرائيل مُحتمَل الحدوث، ثم إن إطلاق طائرة تجسس دون طيار أمرٌ يجب أن تتوقعه الحكومة وتتحسب له لأن حكومة السودان تحملت العبء من «48» إلى «73» وهذه المسألة بها نوع كبير من العداء الانتقامي للسودان تؤدي إلى نتائج على حسب المنظور من القضايا العالقة بيننا وبين جنوب السودان.. وفي رأيي أن هذا العمل التجسسي الذي ستقوم به إسرائيل سيمكِّن من إعطاء المعلومات الإضافية عن تحركات القوات المسلحة في سير العمليات والاختراقات التي ستحدث وبتفاصيل دقيقة جدًا وموثقة لأن تلك الطائرة تحلق في ارتفاع عالٍ جدًا.. إضافة إلى أنه من المحتمل في المستقبل أن تُستخدم ضدنا في حالة نشوب حرب مثلما استُخدمت في الحرب ضد العراق وأفغانستان في ضرب القيادات المناوئة للجيش الأمريكي وحققت نجاحات كبيرة جدًا.. ويضيف: لذا لا نجد غرابة في الأمر خاصة في ظل عدم التطبيع مع إسرائيل بعكس الدول التي طبّعت معها سواء عن طريق السفارات أو القنصليات.. هذه الأشياء آنفة الذكر جميعها تصب في بوتقة المخاطر الأمنية والمهدِّدات وخيمة العواقب إذا ما تم هذا العمل فعلاً ولأن حكومة جنوب السودان تربطها علاقات طيبة مع إسرائيل والأخيرة استغلت ذلك الخلاف الدائر بين الشمال والجنوب مع وجود قضايا عالقة وحروب دائرة والهزائم المتكررة للجنوب كل هذه الأسباب ساقت إسرائيل لإطلاق طائرة التجسس تلك.. كما حذر أبو العباس من مغبة وخطورة هذه الطائرة وكشف الغلاف الجوي وما يترتب على ذلك من الإجراءات الاحترازية وتوخي الحذر من قِبل الحكومة وما ينبغي فعله خاصة إزاء القوات المسلحة والتخطيط الإستراتيجي لها في مجال الفضاء المفتوح، بيد أن الخبير الإستراتيجي اللواء «م» حسن ضحوي أبدى رأياً مخالفًا بهذا الصدد، حيث قلّل من أهمية المخاطر التي تنجم من إطلاق تلك الطائرة موضحًا أن الأقمار الصناعية الآن تستطيع أن ترصد كل صغيرة وكبيرة حيث أصبحت المعلومات متاحة خاصة العسكرية من حيث النوعية والكمية إضافة إلى نوع المعدات والكفاءة حتى إنها أصبحت توزَّع بواسطة الأممالمتحدة بكتيبات في شكل مراجع سنوية. ويضيف أن الأهم من ذلك التحركات العسكرية التي تُحجب وهو انفتاح القوات المسلحة على المحاور التي يمكن جدًا إخفاؤها وحتى التصوير الجوي لا يستطيع توضيحه بوضوح، أي أنه غير فعّال في كشف القوات المسلحة في أي دولة وليس السودان فحسب، وفي ذات السياق قال إن اختيار إسرائيل للسودان وإيران تحديدًا لأنهما الدولتان الوحيدتان اللتان لم تعترفا بإسرائيل حتى الآن كما فعلت باقي الدول العربية والإسلامية التي أصبحت خاضعة لإسرائيل، أما السودان وإيران وسوريا فقد أصبحت من دول خط المواجهة .